رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

دعوة عاجلة للمصالحة المجتمعية «2»


أطلق وصف قاتل رقعة الشطرنج على عامل روسى اسمه الكسندر بيشوشكين، ووصف بهذا الوصف بعد إدانته بقتل 48 شخصاً، إذ بعد قتله أول ضحاياه شعر بمتعة عالية للقتل حتى أصبحت هوايته، فكلما قتل شخصاً وضع عملة نقدية فى مربع من مربعات الشطرنج والبالغ عددها 64 مربعاً، وسيطرت عليه عملية القتل حتى أنه اعتزم ملء مربعات الشطرنج كلها. وأدانته المحكمة باعترافه بقتل هذا العدد مع الشروع فى قتل ثلاثة آخرين.

واعترف الكسندر أمام قاضيه فى المحكمة الروسية بأنه قتل أكثر من ستين شخصاً، واعترف أنه كان يغوى ضحاياه بدعوتهم إلى حديقة كبيرة فى موسكو حيث كان يقدم لهم الفودكا، وعندما يتأكد أنهم فقدوا التركيز ينقض عليهم ويقتلهم، وكانت البداية بإغراق ضحاياه، ولكن منذ عام 2002 بدأ يستخدم المسدس ويطلق الرصاص على رؤوس ضحاياه.

ومع نهاية عام 2002 بدأ يقتل ضحاياه باستخدام مطرقة فى تهشيم رؤوسهم، ولم يكن يعبأ بإخفاء الجثث بعد أن يحشر زجاجة الفودكا فى رؤوس ضحاياه بعد تهشيمها.

وذكر شهود المحكمة أنه كان ينتقى ضحاياه من الفقراء والمهمشين اجتماعياً، وأغلبهم من كبار السن ومدمنى المخدرات والخمور، حتى المعوقين لم يرحمهم من القتل.

وقد ساهم فى تعدد هذه الجرائم أن أحداً لم يبلغ عن غياب هؤلاء الضحايا، حيث إنه كان المجرم يختارهم من المشردين فى الشوارع.

ووفقاً لأوراق القضية فإن المتهم كان يدعو ضحاياه لمشاركته فى شرب الخمور لمواساته، إذ كان دائم الحزن والاكتئاب لموت كلبه العزيز الغالي. أما البحث الطبى والدراسة النفسية التى أجريت على ذلك الألكسندر فتقول إنه عانى فى طفولته وصباه الكثير من الأمراض النفسية.

أما الجانى فأقر فى المحكمة أنه عندما قتل أول ضحاياه شعر وكأنه وقع فى الغرام، وأن هذا الشعور لا ينسى، أى أنه كان يتلذذ عند قتل ضحاياه حتى صارت عملية القتل هواية ولذة غير عادية – أصبحت متسلطة تسلط الإدمان. أما والدته فذكرت أنه تعرض وهو فى الرابعة من عمره لاصطدام رأسه بالأرجوحة، مما أثر على مخه وتفكيره.

والسؤال الذى يطرح نفسه فى هذه الأيام، حيث نسمع على مدار الساعة حوادث قتل وسحل واعتداء على أشخاص من أعمار مختلفة، ومهما كان التوجه السياسى للقاتل، أو المقتول، فإن الخلاف السياسى وارد ومحتمل ومتوقع حتى فى داخل الأسرة الواحدة. والمجتمعات التى نزورها أو نقرأ عنها والذين لا يفوقونا فى التاريخ السياسى، فلديهم أحزاب وبداخل الأسرة الواحدة تتعدد الانتماءات السياسية، وربما العقائدية والمذهبية، ولكن لا تصل بهم الخلافات إلى التقاتل أو حتى الإساءة اللفظية.

إننا من أعرق الحضارات التاريخية، ومن تاريخنا نقلت الأمم والممالك المتعاقبة وعلينا نحن أبناء وبنات مصر التاريخية، مصر التى لجأ إليها الخائفون والمهددون، فوجدوا الأمن والأمان، ولجأ إليها الجياع فوجدوا فيها الطعام، بل ونقلوا إلى دولهم عن مصر الحضارة والثقافة والخبرات فى كل مناحى الحياة.

ومن القصة التى بدأت بها مقالى «قاتل الشطرنج» أود أن أذكر كل مواطن على وجه هذه الأرض المصرية بأنه لا مبرر للاعتداء على نفس حرم الله قتلها، والحكم الإلهى القديم «من يقتُل يقتَل»، وأنه لا مبرر على الإطلاق أن يصل الخلاف السياسى إلى اعتداء على أرواح أخوة وأخوات لنا لمجرد اختلافنا سياسياً، فبينما الحكام يتبادلون المواقع، وحتى المتعادون والمتحاربون، فعندما يجلسون حول موائد المفاوضات لا يشهرون السلاح فى وجوه بعضهم البعض.

وقبل أن أنهى مقالى هذا، أوجه ندائى إلى فئات خاصة من فئات مصر الحبيبة:

أولهم رجال الدين من الدعاة والقساوسة، أرجو أن تغيروا من خطابكم الدينى، فرسالتكم هى رسالة للبناء لا الهدم، للسلام لا للخصام، للتجمع والتآخى لا للتفرقة والتنازع. سلاحكم فى الكلمة، ولتكن كلمة حب وإخاء وتواد وتراحم، فلا تنتقوا أقوالاً من خارج النسق كمن ينادى «لا تقربوا الصلاة»، ولا يذكر باقى المقطع «وأنتم سكارى».

أيها الدعاة والرعاة قربوا ولا تفرقوا، انتقوا الرسالة المناسبة والملائمة، أما أبناء السلطة الرابعة، رجال الإعلام والصحافة فلديكم مخزون رائع وجميل، فانتقوا منه أفضله، انقذونا من نغمات طبول الحروب والهجاء واللعان، بثوا فينا الأمل والبهجة.

وإلى رجال الأمن بكل أطيافكم، شرطة وجيشا، حفظكم الله وحماكم من الخيانة والغدر والمكر والشر وأنتم تسهرون على أمننا، لا نملك إلا الدعاء لكم بالحفظ والسلامة، ومنا لكم الدعاء والامتنان، والشكر والعرفان.

أما المسئولون ومن بيدهم السلطة والقرار فحملكم ثقيل، وذنبكم أكثر ثقلاً، فإن استخدمتم سلاحكم للأمن وحماية كل الشعب المصرى وضيوف مصر أدعوكم أن تحكموا ضميركم، وتراعوا ربكم، ولا تقحموا جنودكم للاعتداء على إخوتهم وآبائهم وأبنائهم وحتى لا تضطروهم إلى العصيان والتمرد، فارجعوا إلى الرشد والاحتكام لصوت الشعب واعلموا أن الكرسى لا يدوم، وإلا ما كنت قد جلست عليه، فالكرسى دوار، والتاريخ لا ينسى، وإن نسينا فنحن نكبر ونشيخ وتضعف ذاكرتنا، ونسقط فى أخطاء صغيرة أم كبيرة، ولكن الخطأ الذى لا يغفر أن نقتل أو نأمر بالقتل أو نسكت عليه.

حكموا عقولكم أو قلوبكم قبل أن يحكم عليكم فى الدنيا وفى الآخرة.