رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

النبى يرفع الروح المعنوية للصحابة «2-2»


فى اليوم الخامس عشر، قال النبى لأعطين الراية غدًا رجلًا يفتح الله خيبر على يديه، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، وبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يأخذها، فلما أصبحوا عرضوا أنفسهم على رسول الله كلهم يرجون أن يُعطاها.
لماذا قال النبى ذلك؟ كان يريد رفع الروح المعنوية بين المسلمين، أراد أن يشغلهم بأمر يعزهم ويرفع روحهم.
قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومها، وقال بريدة: فما منا من رجل يرى أن له منزلة عند النبى إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنا لها.
فقال النبى بعد صلاة الصبح: أين اللواء؟، قال سلمة: فجئت به أقوده والناس تنظر فأخذه النبى، فوعظ الناس ثم قال: أين على؟، قالوا: يشتكى عينه، أصابها رمد شديد فما كان يبصر فقال: أرسلوا إليه، سـأله: ما بك؟، قال: رمدت عينى حتى لا أبصر تحت قدمى، فقال أدن منى: فوضع رأسه فى حجره ثم تفل بدون ريق فى بطن يده، فدلك بها عينى فبرأت كأن لم يكن بى وجع، فما أدرى أيهما كانت المصابة فما رمدت بعدها أبدًا.
ثم أعطاه اللواء، وقال: اذهب فقاتلهم حتى يفتح الله عليك ولا تلتفت، فمضى على، ثم تذكر علام يقاتل، فعاد فقال: علام أقاتل الناس، أحتى يكونوا مثلنا.. فقال: ادعهم إلى الله فوالله لئن يهدى الله بك رجل واحد خير لك من حمر النعم.
فخرج على يهرول حتى ركز الراية تحت الحصن، فطلع عليه يهودى من رأس الحصن، فقال: من أنت؟، قال: على، فقال اليهودى: غلبتهم والذى أنزل التوراة على موسى، فمكتوبة لديهم فى التوراة أن فاتح خيبر اسمه على.
فتح أول حصن اسمه «الناعم»، لكن باقى حصون خيبر كثيرة، والمعركة طالت، لم يجدوا فى الحصن أى شىء إلا زجاجات معتقة من الخمر، فشرب أحدهم، فأراد عمران أن يشتمه، فقال النبى: لا يا عمر إنه يحب الله ورسوله.
فى ظل الجوع الشديد، قال أبواليسر كعب بن عمرو: والله إن لكنت مع رسول الله بخيبر ذات عشية إذا أقبلت غنم رجل من يهود تريد الحصون، ونحن محاصروهم، فقال الرسول: من رجل يطعمنا من هذه الغنم؟، قال أبواليسر: فقلت: أنا يا رسول الله، قال: فافعل، قال: فخرجت أشتد مثل الظليم، فلما نظر إلى رسول الله، صلى الله عليه وسلم، موليًا قال: اللهم أمتعنا به (اللهم أحيه عمرًا طويلًا).
قال: فأدركت الغنم وقد دخلت أولاها الحصن، فأخذت شاتين من أخراها، فاحتضنتهما تحت يدى، ثم أقبلت بهما أشتد، كأنه ليس معى شىء، حتى ألقيتهما عند رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فذبحوهما فأكلوهما.
فكان أبواليسر من آخر أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، موتًا، فكان إذا حدث هذا الحديث بكى، ثم قال: أمتعوا بى، لعمرى، حتى كنت من آخرهم موتًا.
جاء عبد أسود حبشى من أهل خيبر، كان فى غنم لسيده، فلما رأى أهل خيبر قد أخذوا السلاح، سألهم: ما تريدون؟ قالوا: نقاتل هذا الذى يزعم أنه نبى، فوقع فى نفسه ذكر النبى، فأقبل بغنمه إلى رسول الله فقال: ماذا تقول؟ وما تدعو إليه؟ قال: «أدعو إلى الإسلام، وأن تشهد أن لا إله إلا الله وأنى رسول الله، وألا تعبد إلا الله»، قال العبد: فما لى إن شهدت وآمنت بالله عز وجل، قال: «لك الجنة إن مت على ذلك». فأسلم ثم قال: يا نبى الله، إن هذه الغنم عندى أمانة، فقال رسول الله: «أخرجها من عندك وارمها بـ(الحصباء) فإن الله سيؤدى عنك أمانتك»، ففعل فرجعت الغنم إلى سيدها، فعلم اليهودى أن غلامه قد أسلم، فقام رسول الله فى الناس، فوعظهم وحضهم على الجهاد، فلما التقى المسلمون واليهود قتل فيمن قتل العبد الأسود واحتمله المسلمون إلى معسكرهم فأدخل فى الفسطاط، فزعموا أن رسول الله اطلع فى الفسطاط، ثم أقبل على أصحابه، وقال: «لقد أكرم الله هذا العبد، وساقه إلى خيبر، ولقد رأيت عند رأسه اثنتين من الحور العين، ولم يصل لله سجدة قط». اشتد الجوع بالمسلمين، فقالوا للنبى: إنا جهدنا من الجوع والضعف فادع الله لنا، فقال النبى: اللهم إنك قد عرفت حالهم، وإن ليست بهم قوة وإن ليس بيدى شىء أعطيهم إياه، فافتح عليهم أعظم حصونهم غنمًا وأكثرها طعامًا ففتح الله حصن الصعب بن معاذ. حصن الزبير العوام (الذى صار فى سهمه فيما بعد فسمى باسمه)، هو حصن منيع لا تقدر عليه خيل أو رجال لصعوبته وامتناعه، حاصرهم فيه النبى ٣ أيام بلا فائدة، فجاء يهودى يدعى غزّال فقال: يا أبا القاسم تؤمننى على أن أدلك على ما تستريح به من هذا الحصن.
فأمنه رسول الله، فقال اليهودى إنك لو أقمت شهرًا ما اهتموا، لهم قنوات وجداول تحت الأرض يخرجون بالليل فيشربون منها، ثم يرجعون إلى قلعتهم، فإن قطعت عنهم شربهم انهزموا، فسار الرسول إلى الجداول فقطعها، فلما قطعها خرجوا وقاتلوا أشد القتال وافتتحه النبى. بلغ إجمالى قتلى المسلمين ١٦، وإجمالى قتلى اليهود ١٦.
تم الاتفاق على شروط الصلح: أن يحقن النبى دماء مَن فى الحصون مِن المقاتلة ونساء وأطفال، وأن يخرجوا من خيبر وأرضها.
فلما أراد الرسول أن يجلى اليهود من خيبر، قالوا: يا محمد دعنا نكون فى هذه الأرض نصلحها، ونقوم عليها، فنحن أعلم بها منكم ولم يكن للرسول مزارعون يقومون عليها، فوافق على أن يكون لهم النصف من ثمارها، وعلى أن يخرجهم وقتما شاء.
كلف النبى، عبدالله بن رواحة بتقدير قيمة الزرع سنويًا، عرض عليه يهودى عجوز رشوة، فضربه، قائلًا له: أترشينى فى ذمة رسول الله.
عاد النبى للمدينة ليجد سيدنا جعفر عاد ومن معه من الحبشة، فقال النبى: «والله لا ندرى بأيهما نفرح بفتح خيبر أم عودة جعفر». عاد ومعه سفينتان بالأحباش المسلمين، وأسلم النجاشى.