رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف استطاع النبى أن يكسب قلوب أعدائه؟ «2-2»


عندما هاجر حمزة بن عبدالمطلب إلى المدينة، قبل استشهاده فى أحد، هاجر وحيدًا، لأن زوجته قد ولدت حديثًا ابنته «سلمى»، فلما أراد النبى الخروج من مكة، تبعته تنادى: يا عم، يا عم، أخذها على بيدها، وقال لفاطمة: دونك ابنة عمك، فاختصم فيها على وزيد وجعفر، فقضى بها النبى لخالتها، وكانت متزوجة من جعفر، وقال: الخالة بمنزلة الأم.
بعد انصراف النبى ومن معه من مكة، وقف خالد ابن الوليد يقول: لقد استبان لكل ذى عقل أن محمدًا ليس بساحر ولا شاعر، وأن كلامه من كلام رب العالمين، فحق كل ذى لب أن يتبعه، ولما سمع أبوسفيان بما كان منه، بعث فى طلبه، وسأله عن صحة ما سمع، فأكد له خالد صحته، فاندفع أبوسفيان إلى خالد فى غضبه، فحجز عنه عكرمة، وقال: مهلًا يا أبا سفيان، لقد كدت أن أقول مثل ما قال خالد، والله لقد خفت ألا تمر السنة حتى يتبعه أهل مكة كلهم.
أسلم خالد وعمرو وعثمان بن طلحة، ما أفرح النبى، ثم أسلم عمرو بن العاص الذى يحكى قصة إسلامه قائلًا: جمعت رجالًا من قريش، وقلت لهم: تعلمون والله أنى أرى أمر محمد يعلو، وإنى قد رأيت أمرًا، قالوا: وماذا رأيت؟ رأيت أن نلحق بالنجاشى، فنكون عنده، فإن ظهر محمد على قومنا كنا عند النجاشى، فإنا أن نكون تحت يديه أحب إلينا من أن نكون تحت يدى محمد، دخلت على النجاشى فقال لى: مرحبًا صديقى، فوجدت عمرو بن أمية رسول محمد يخرج من عنده، قلت له: أيها الملك إنى قد رأيت رجلًا خرج من عندك، وهو رسول رجل عدو لنا، فأعطنيه لأقتله، فغضب، ثم مد يده فضرب بها أنفه ضربة ظننت أنه قد كسره، فلو انشقت لى الأرض لدخلت فيها خوفًا منه.
يقول له: أتسألنى أن أعطيك رسول رجل يأتيه الوحى من السماء، قلت: أيها الملك أكذلك هو؟، قال: ويحك يا عمرو أطعنى واتبعه، فإنه والله لعلى الحق، وسينتصر كما انتصر موسى على فرعون، أفتبايعنى له على الإسلام؟، فبايعته على الإسلام، ثم خرجت إلى أصحابى، وكتمت إسلامى ثم خرجت إلى رسول الله لأسلم.
أما خالد فيتحدث عن قصة إسلامه، فيقول: شهدت هذه المواطن كلها على محمد، فليس موطن أشهده إلا أنصرف وأنا أرى فى نفسى أنى مُوضع فى غير شىء وأن محمدًا سيظهر بالحديبية.. الخيل: الرجل ممنوع.. قلت فى نفسى: أى شىء بقى؟ أين المذهب إلى النجاشى؟ فقد اتبع محمدًا، فأخرج من دينى إلى نصرانية أو يهودية، وكان أخى الوليد بن الوليد قد دخل مع النبى، فطلبنى فلم يجدنى فكتب إلىّ كتابًا: بسم الله الرحيم، فإنى لم أر أعجب من ذهاب رأيك عن الإسلام، وعَقلُك عَقلُك، وقد سألنى رسول الله عنك، فقال: أين خالد؟ فقلت: يأتى الله به؟، فقال: ما مثله جهل الإسلام، فاستدرك يا أخى ما فات، وسرنى مقالة رسول الله، وقلت يسأل عنى بعد كل ما فعلته فيه، ثم رأيت رؤيا.. رأيت فى النوم كأنى فى بلاد ضيقة، فخرجت إلى بلد أخضر واسع، فقلت: إن هذه لرؤيا.. مخرجك.. للإسلام.. والضيق الشرك.
فلقيت صفوان بن أمية، فقلت له: فلو قدمنا على محمد فاتبعناه، وقال: لو لم يبق غيرى من قريش ما اتبعته أبدًا، فلقيت عثمان بن طلحة، فأسرع فى الإجابة، فخرجنا، لقينا عمرو بن العاص، فأُخبر بنا رسول الله، فسر بنا، فلبست أفضل ثيابى، فلقينى أخى فقال: اسرع فإن رسول الله سُر بقدومك وهو ينتظركم، فأسرعت المشى، فقدمت عليه، فما زال يتبسم إلىّ حتى وقفت عليه، فعرفت فى عيون الناس هل سأسلم عليه باسمه أم بالنبوة، فسلمت عليه بالنبوة: السلام عليك يا رسول الله.. فقلت: إنى أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال له النبى: الحمد لله الذى هداك، قد كنت أرى لك عقلًا رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير»، قال له: يا رسول الله: ادع لى أن يغفر ما فعلت فى كل حرب عليك، فدعا: «اللهم اغفر لخالد كل ما فعل من صد عن سبيلك».
أما عمرو بن العاص، فيقول: ثم دنوت، فقلت: ابسط يمينك لأبايعك، فبسط يمينه، قال: فقبضت يدى، قال: ما لك يا عمرو؟، قلت: أردت أن أشترط، قال: تشترط بماذا؟، قلت: أن يُغفر لى، قال: «أما علمت أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟».