رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المسيحيون والرئيس


كم عدد الوزراء المسيحيين؟ كم عدد المحافظين المسيحيين؟ بالطبع قد يكون هناك بعض الأفراد هنا وهناك ذرا للرماد فى العيون، ولكن هل معيار الكفاءة هو الذى يحكم عملية الاختيار أم أن هناك اعتبارات أخرى على رأسها مثلا ضرورة الانتماء للأهل والعشيرة؟!

«رسالة إلى شركاء الوطن المسيحيين وداً وتقديراً وبراً نحن شركاء وطن واحد، وتاريخ وثقافة واحدة، نعمل معاً على ترسيخ المواطنة التى رددناها كثيراً ولم نستشعرها، وأصارحكم بأنى لا أشعر براحة من علاقات فاترة، لا تخطئها عين مدقق خلف الابتسامات واللقاءات البروتوكولية التى تجمعنا مع الإخوة المسيحيين، وإن كنت أقدر جداً حجم التخوفات من النظام السابق، بأن كل ما هو إسلامى فزاعة لكم، الأمر ليس كذلك، الخبرة التاريخية أن المتدينين المسلمين والمسيحيين، أكثر حرصاً على الوطن، ونريد أن تعود علاقتنا إلى سابق عهدها كنسيج واحد».

الفقرة السابقة وردت على لسان الرئيس محمد مرسى فى خطابه الأخير الذى ألقاه فى الساعات الأخيرة من مساء الأربعاء الماضى، ذلك الخطاب الذى تعرض للكثير من التحليل والنقد نظراً لما احتواه من معلومات غير دقيقة واتهامات لأشخاص دون أدلة، والتلويح بالمحاكمات وغلق القنوات وغيرها من الأمور التى لا تليق بخطاب يقدمه رئيس مصر، وعلى أى حال ليس موضوعنا فى هذا المقال نقد خطاب الرئيس، ولكننى سأكتفى بإبداء بعض الملحوظات على الرسالة التى وجهها الرئيس مرسى للمسيحيين فى خطابه.

أولاً: بدأ الرئيس كلمته للمسيحيين بالحديث عن الود والتقدير والبر والشراكة الوطنية، وهذه الكلمات الطيبة نحن كمسيحيين نلمسها بالفعل من خلال معايشتنا لمعظم شركاء الوطن من المسلمين ممن لا ينتمون للأصولية الدينية، ولكن يبقى السؤال: ماذا فعل النظام الحاكم لتأكيد الود والبر والتقدير؟ هل بحق يمكن أن نعتبر أن المواطنين المصريين شركاء فى إدارة شئون البلاد؟ كم عدد الوزراء المسيحيين؟ كم عدد المحافظين المسيحيين؟ بالطبع قد يكون هناك بعض الأفراد هنا وهناك ذرا للرماد فى العيون، ولكن هل معيار الكفاءة هو الذى يحكم عملية الاختيار أم أن هناك اعتبارات أخرى على رأسها مثلا ضرورة الانتماء للأهل والعشيرة؟!

ثانياً: هل يؤمن الرئيس مرسى والجماعة التى ينتمى إليها بالمواطنة الكاملة غير المنقوصة؟ هل يؤمن بالمساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، وبين المسلم وغير المسلم؟ إن المواطنة إن لم نشاهدها موجودة على أرض الواقع، فهى لن تزيد على كونها مجرد شعارات رنانة وعبارات طنانة، وكلمات براقة نسمعها فى خطب عصماء جوفاء لا تهدف إلا إلى مغازلة وجدان وآذان السامعين.

ثالثاً: قال الرئيس: «إنه لا يشعر براحة من علاقات فاترة، لا تخطئها عين مدقق خلف الابتسامات واللقاءات البروتوكولية التى تجمعه مع الإخوة المسيحيين»، وهنا ألم يسأل الرئيس نفسه لماذا هذا الفتور فى العلاقة؟ ألم يسمع سيادته عن الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية لأول مرة فى تاريخ مصر؟ ألم يستمع سيادته للتهديدات المتكررة التى توجه للمسيحيين شركاء الوطن؟ ألم يصل إلى مسامع أذنيه الاتهامات الظالمة التى توجه للمسيحيين على اعتبار أنهم هم الذين قاموا بتنظيم التظاهرات أمام قصر الاتحادية؟ وأن البلاك بلوك هم كشافة كنسية، وأن حركة «تمرد» تقف وراءها الكنيسة، يا سيادة الرئيس فى عهدكم لأول مرة فى تاريخ مصر يتم الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية بالعباسية والمقر البابوى للمسيحيين الأرثوذكس، ومن المؤسف أن هذا الاعتداء حدث أثناء تشييع جنازة المسيحيين الذين استٌشهدوا فى الخصوص على يد بعض المتطرفين الدينيين، ولأول مرة فى عهدكم يحدث قتل على الهوية سواء للمسيحيين أو للشيعة، فبعد 25 يناير 2011 خدعنا بعض المحللين فى وسائل الإعلام بالقول: إن النظام السابق هو السبب الرئيسى فى كل ما جرى للمسيحيين وإنه بعد الآن لن يحدث أى عنف ضد المسيحيين، ولكن دارت الأيام وثبت كذب هذا التحليل وحدثت أحداث كنيسة المريناب والعامرية وإمبابة وأحداث دهشور والخصوص والكاتدرائية، هذا فضلاً عما يحدث لبعض المسيحيين من تهجير قسرى وإجبارهم على ترك بيوتهم، وغيرها الكثير من الاتهامات والتحريض المتكرر على شركاء الوطن، إن المسيحيين تحرق كنائسهم ويقتل ويخطف أولادهم وتصدر الفتاوى بتكفيرهم والتحريض ضدهم ليلاً ونهاراً، وبعد كل هذا ألا تخجل وأنت تتحدث عن فتور العلاقة؟! ألا يعتبر كل هذا وغيره الكثير كافيا لفتور العلاقة؟! ويضاف إلى ما سبق يا سيادة الرئيس أنك لم تحقق أى مطالب للكنائس، فمثلا خلال العام الماضى منذ توليك الحكم لم يخرج تصريح واحد لبناء كنيسة إنجيلية رغم عشرات الطلبات المقدمة، وهناك كنائس منهارة بالفعل وتحتاج لبناء.

رابعاً: ذكر مرسى أن حجم التخوفات من النظام السابق بأن كل ما هو إسلامى فزاعة للمسيحيين، وأعتقد أنه جاء الوقت الذى ينبغى فيه ألا نعلق كل سلبيات وتقصيرات الحاضر على النظام السابق، أما بخصوص الفزاعة من كل ما هو إسلامى فهذا كلام تعوزه الدقة لأن المسيحيين عاشوا مع المسلمين أكثر من 1450 عاما، وكانت هناك فترات جيدة وأوقات صعبة ولكنهم تعايشوا معاً، ولكن ما يفزع معظم المصريين مسلمين ومسيحيين وبهائيين وغيرهم، هو الأصولية الإسلامية التى تتبناها جماعات الإسلام السياسى، فهذه الأصولية تعادى الحضارة والتقدم والمستقبل، وتتعامل بالتهديد والوعيد، وبالعقاب وسوء المآب، هذه الأصولية من شأنها أن تدمر مصر، وأن تقضى على الأخضر واليابس، وهذه الأصولية هى التى أفزعت ملايين المصريين منذ علو نبرتها منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن.

خامساً: ومن أسباب فتور العلاقة أيضاً هو الدستور المعمول به، قال الرئيس فى خطابه: «نجحنا فى كتابة دستور عصرى نفخر به» ولست أدرى عن أى دستور يتحدث رئيس الجمهورية، فالدستور الحالى هو أسوأ دستور عرفته مصر، ولذلك فإن معظم القوى انسحبت من لجنته التأسيسية هذا فضلاً عن انسحاب الكنيسة، وهذا الدستور الشائن الذى يعد سبة فى جبين مصر لا يحتاج لمجرد تعديل ولكنه يحتاج لنسفه بالكامل، ومن ثم تقوم لجنة جديدة تعبر عن جميع أطياف المجتمع المصرى بصياغة دستور جديد يتناسب مع مكانة مصر وحداثتها، فبعد 25 يناير 2011 كان المصريون يتطلعون إلى صياغة دستور حداثى يواكب حضارة القرن الحادى والعشرين، من خلال لجنة تأسيسية توافقية تعبر عن جميع طياف الشعب المصرى، ومن خلال نصوص واضحة ترسخ لمبدأ المواطنة الكاملة المتساوية، والتسليم بأن الشعب مصدر السلطات، ولا سيادة لفرد أو أقلية على الشعب، وأن يسود فى الدولة حكم القانون، وأن يحترم فى ظله فصل السلطات، وأن يتم التأكيد فيه على الحقوق والحريات المرعية للأفراد والجماعات، وأن يتم الاعتراف فيه صراحة بالتزام جميع القوى الوطنية بمبدأ التداول السلمى للسلطة، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهى السفن، فبدلاً من أن نرى دستورًا عصرياً يدفع بمصرنا للأمام، فوجئنا بدستور يغلب عليه الطابع الماضوى، وفى شكله الحالى هو أبعد ما يكون عن العصرية والحداثة، والمسيحيون المصريون مع غيرهم من معظم المسلمين لن يرضوا بأقل من دولة قانون ومواطنة ودستور حداثى مدنى، ولن تستقيم العلاقة بين المصريين والنظام الحاكم تحت ظل دولة دينية تسعى لتفتيت وحدة الوطن وتساهم فى تقسيمه، وتهدف إلى خرابه ودماره.

■ راعى الكنيسة الإنجيلية بأرض شريف – شبرا

هذا البريد محمى من المتطفلين. تحتاج إلى تشغيل الجافا سكريبت لمشاهدته.