رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هذا أوان مِبضَع الجرّاح


يشهد الوسط الإعلامى، والصحفى منه بالذات، حالة انتظار لما يقول عنه البعض التغييرات المحتملة فى القيادات العليا للمنظومة برمتها، بدءًا من المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، مرورًا بالهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام، وانتهاءً برؤساء تحرير ومجالس إدارات المؤسسات الصحفية القومية، وهى الفترة التى عاشتها مصر أكثر من مرة، منذ ما حدث فى يناير ٢٠١١، حيث اللغط، والجدل، وتبادل الرؤى بين أبناء المهنة، على ما يجب أن يكون عليه المُنتظرون الجدد لتولى هذه المناصب، خلفًا لمن هم فى مقعد القيادة الحاليين.
السؤال الذى نحتاج للإجابة عنه- وأخبار تقول إن تغييرًا على الأبواب بعد صدور قانون الإعلام الجديد- هو: ماذا نريد؟.
علينا أولًا أن نواجه أنفسنا بالحقيقة.. وأول الحقيقة أن الدولة فى حاجة إلى إعلام قوى، يقوم على المصداقية والموضوعية، ويملك من شجاعة النقد وجرأة الطرح، ما يساعد به الحكومة على أداء برنامجها فى الإصلاح المنشود للمجتمع وبناء الدولة الحديثة التى ننتظرها.. هذا الإعلام يعانى شح الموارد، وقلة الإمكانيات، بفعل تراكمات تم السكوت عنها لزمن طويل، حتى أصبحت داءً عُضالًا يجرها للخلف.. وقد رأت الدولة أنه لا سبيل لإنقاذ هذا الإعلام إلا بدعمه ماليًا، حتى يستطيع مواصلة بقائه، ولم يلتفت أحد إلى أن هذا الإعلام غامت عيناه وافتقد رؤيته لما يجب أن يسير عليه، ويجعله منهاجًا لدوره فى مرحلة البناء التى تعيشها مصر، وهذه ليست بالمسألة الهينة التى يتم تركها لكل مسئول فى صحيفته، يُحدد ماهيتها كما يتراءى له، ولا تتأتى بالتدخل المباشر من جهة هنا وأخرى هناك، ترقب ما يتم نشره أو عرضه، وتتدخل بالتوجيه والإرشاد لتصحيح المسار، بل إنها تحتاج تحديد استراتيجية إعلامية واضحة، هى السبيل لتحقيق ما نحن بصدد الوصول إليه فى نهاية المطاف.. استراتيجية يقوم على وضعها مختصون فى جميع التخصصات، الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وحتى النفسية، لأننا بحاجة إلى إعادة بناء مجتمع لا بد من الاعتراف بأنه فقد كثيرًا من هويته وملامحه، وصار مسخًا من ثقافات شتى واردة أو نابعة من ترهلات أيام مضت، صنعت تأثيرها، وتكلّست بصماتها، حتى صارت مستعصية على المحو أو التبديل، إلا بجهد جهيد، سيحتاج الإعلام، بمناصرة كل روافد التأثر الأخرى، وقتًا لتغييره، وإرساء الصحيح الذى نرجوه.
علينا أن نعترف بأن صناعة الإعلام، فى ذاتها، لا تحقق أرباحًا، ولا يمكنها الاعتماد على نفسها ماليًا، خاصة إذا كان إعلامًا له رسالته فى المجتمع الناهض، يبنى كما البنائين فى مواقع التشييد المختلفة، وليس معنى ذلك دعمه طوال الوقت، أو كف المعونة عنه عاجلًا، فخير الأمور الوسط.. وعلى الدولة أن تتوجه بدعمها الحالى، الذى باتت كل المؤسسات تنتظره مع هلال كل شهر، للوفاء بالتزاماتها فى أجور العاملين بها، وتدبير خامات إنتاجها، مما أقعد بعض قيادات هذا الإعلام عن التفكير فى أنماط إنتاجية تدر موارد خاصة بكل مؤسسة.. على الدولة أن تُعطى فى المرحلة المُقبلة، وفقًا لخطة تمويل مؤقتة، تأخذ فى حسبانها الاستثمار فى أوعية إنتاجية، تتعلق بمجال كل مؤسسة، فى الطباعة والنشر والتوزيع، وخلافه من المجالات المساندة، حتى تقوم كل مؤسسة، فى أسرع وقت، بشئون نفسها والعاملين بها.. وهذا يقودنا إلى ضرورة اختيار القيادات القادمة بناءً على خطة إصلاح لمنظومة الصحافة بالذات، فى ظل عزوف المواطنين عن فضيلة القراءة، التى أسهم فى وجودها انتشار الوسائط الإلكترونية، وخلو الكثير من الصحف والمجلات مما يمكن أن يكون جاذبًا لقارئ، مطلوب منه أن يدفع ثمن ما يقرؤه.. وليس شرطًا فيمن يمكن اختياره أن يكون جهبذًا فى كل مناحى العمل الصحفى وتوابعه، ولكنه يؤمن بأن نجاح القائد يتحقق بقدرته على اختيار معاونيه من أهل الاختصاص، مع يقينه، عند الاختيار، بأنه اختار من هو أفضل منه فى هذا الخصوص، ويعترف له بالقدرة، ويُمكنه من أداء مهمته، والإشارة إلى فضله فى تحقيق ما يتحقق على الأرض.
وعَدنا البعض من مسئولى الهيئة الوطنية بأن تقييم أداء من اختاروهم لقيادة المؤسسات وصحفها، سيكون دوريًا، ولن يتم الإبقاء على من لم يقوموا بما يجب عليهم، ولكن شيئًا من ذلك لم يحدث، مع أن كل الدول المتقدمة باتت تؤمن بـ«الإدارة بالأهداف» شرطًا لبقاء هذا المسئول أو تنحيته عن منصبه.. وغير بعيد عن ذلك ضرورة النظر فيما يجب حصول القائم على شأن مؤسسة أو مطبوعة على ما يكفى حاجته فى حياة كريمة، لا يضطره العوز إلى الالتفات حوله، ومد يده إلى ما ليس من حقه، استكمالًا لما نقص عنه من موارد مالية، فعندها سيكون مشغولًا بتدبير ما يخصه، قبل انشغاله بشأن من يعول، وقد ثبت بالتجربة أن أناسًا تولوا المهمة، وأغواهم شياطين الإنس، فى مؤسساتهم بما زغلل أعينهم، فأعماهم ذلك عن النظر إلى صالح المكان وساكنيه.. وللأسف، ذهب هؤلاء دون حساب أو عتاب، وذلك مدعاة إلى أن يصبح ذلك مسلكًا بحكم العادة، لأن من أمِن العقاب، أساء الأدب.. فما بالنا وهذه الإساءة تمس مصالح كيانات يعمل بها عشرات الآلاف من العاملين، فى كل تخصصات العمل الإعلامى ومُخرجاته؟.
على أن أوجب ما ينبغى الالتفات إليه هو عدم تمكين شخص ما من الجمع بين مُتناقضين.. كأن يكون نقيبًا مثلًا، ورئيسًا لمؤسسة، يلجأ بعض من فيها لنقابتهم لحل مشكلاتهم مع مؤسساتهم.. فلمن ينحاز ذلك المسئول، الجامع بين نقيضين؟!.. هذا غيض من فيض، وددت أن أُذكر به، ونحن على أعتاب مرحلة، أتمنى أن تكون جديدة، فى معناها، قبل مبناها.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.