رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتباه.. إعادة بناء الأسرة المصرية


مرت مصر بمرحلة صعبة بعد يناير ٢٠١١، تعرضت البلاد فى أعقاب يناير إلى ارتفاع فى نسبة الجريمة، وبدأت ظواهر متعددة فى التواجد فى المجتمع المصرى بشكل واضح وغير معتاد، ارتفعت معدلات الجريمة بشكل غير مسبوق، وأرجع علماء الاجتماع ما حدث إلى ما تشهده الدول عقب الثورات أو الانقلابات أو التعرض لموجة تغيير عنيفة.
بعد يونيو ٢٠١٣ بدأت الدولة عدة محاولات لإعادة البناء، سواء كان ذلك استعادة المكانة السياسية العربية والدولية أو الحفاظ على الوضع الاقتصادى الذى كان على وشك الانهيار، وما بين البحث عن العودة إلى مكانة سياسية فى المنطقة العربية، على الأقل، وما بين محاولات وقف الانهيار الاقتصادى، كانت محاولات أجهزة الدولة المختلفة تسابق الزمن لتحقيق نجاحات، ولا شك أن المتابع جيدًا لما حدث ويحدث على الأرض يتأكد أن هناك نجاحًا ملموسًا، فمصر التى أوقفت قطار التدمير والتآمر الذى انطلق فى يناير، واستطاع الجيش المصرى، وبالتفاف الشعب حوله، أن يوقف تلك المسيرة المدمرة فى أهم محطاتها، والتى تحولت بعد ذلك لتنشر الدمار أو تستكمل المسيرة فى سوريا واليمن وليبيا، بينما بدأت مصر مرحلة تنظيم ثم ثبات ثم محاولة الانطلاق.
وعبر السنوات الأربع الماضية استردت المخابرات العامة المصرية مكانتها المهمة وبرزت نتائج محاولاتها لرأب الصدع فى سوريا والسودان وليبيا والقرن الإفريقى، وهو دور مهم لجهاز من أهم أجهزة الأمن فى العالم، وعبر ذلك استطاعت مصر أن تسترد مكانتها فى محاولات الصلح وإعادة السلام إلى الدول العربية، فنجحت المحاولات فى جنوب سوريا وشمالها، وأصبحت الكلمة المصرية هى الغالبة على موائد التفاوض فى مقابل تراجع لأصوات أخرى، واختفاء تام لأنظمة دأبت على دعم الإرهاب، سوريا تعود إلى وحدتها، والعلم السورى يعود ليرتفع فى درعا وقريبًا على كل الأراضى السورية، وقوات الجيش الوطنى الليبى تحرر وتسيطر على أكثر من نصف البلاد، مستكملة مسيرتها نحو الغرب لتبسط سيطرتها ولتعيد للدولة الليبية هيبتها، بعد أن أصبحت ليبيا كسوريا، فى فترة من الفترات، مسرح عمليات لأجهزة مخابرات مختلفة، وشهدت أكبر عمليات لتمويل الإرهاب قادمة من تركيا وقطر، كما بادر الرئيس السيسى بزيارة السودان وإعادة العلاقات المصرية- السودانية إلى نقطة أقرب للعلاقة التاريخية الصحيحة، وبعد محاولات وتحت رعاية مصرية توحد فرقاء الجنوب.
داخليًا شهدت مصر أيضًا محاولات مهمة لإعادة الهيبة والبناء، على الأرض مشروعات ضخمة لم تكتمل بعد، وأيضًا مرارة لدى فئات كثيرة لتعرضها لأزمات اقتصادية ناتجة عن ارتفاع فى الأسعار طال الجميع، ووسط مظاهر متناقضة تشهدها مصر تبدأ الدولة استكمال البناء، فبينما يصل ثمن الشقة فى العاصمة الجديدة أو العلمين إلى ما يفوق ثمن المليون جنيه، ويعتبر البعض أن هذه ظاهرة ملفتة للنظر، أضع امام أعينهم أسعار الشقة فى مدينتى طنطا والإسماعيلية، والتى ارتفعت عن ذلك الرقم كثيرًا، وهنا وهناك يجد العقار من يشتريه أو يستثمر فيه، وبينما يعانى الكثير فى أماكن متعددة يعيش أيضا الكثير ليالى الصيف والأنس فى هاسيندا ومراسى، وبينما ينشغل المجتمع المصرى برقصة كيكى يعانى أطفال مصر من انتهاكات عديدة امتدت إلى المنزل وتحول الأب من حامى للابن إلى قاتل له، وتحولت الأم من أهم خط دفاع يلجأ إليه الطفل إلى مشاركة فى الجريمة.
إذن هناك ضلع ثالث مهم لم ننتبه إليه ونحن نبنى الدولة، ركز عليه الرئيس السيسى فى خطاباته الأخيرة، فبعد أن وضع حجر الأساس لدولة تملك جيشًا مهمًا يشغل مكانة متقدمة، وبعد أن وضع حجر الأساس لأهم شبكة طرق تبدأ من مصر وتصل إلى إفريقيا، وبدأت مرحلة تشغيل مصانع وبناء مشروعات كبرى، وفى الطريق حل نهائى لأزمات مثل الطاقة- وسط كل ذلك تاه مشروع إعادة بناء الإنسان المصرى الذى تعرض لمجموعة من الصدمات العنيفة، ما بين يناير وحكم الإخوان واستعادة الدولة ثم محاولات رأب الصدع ومقاومة الإرهاب، ثم البناء الاقتصادى والسياسى وكان لا بد من بدء إعادة بناء الإنسان المصرى صحيًا وثقافيًا وتعليميًا، ولكن هناك غيابًا لبناء الأسرة ومحاولات إعادة دورها المهم، ولا بد من دراسة ظواهر وأرقام مهمة منها أن مصر تأتى فى الترتيب الثالث عربيًا فى مؤشر الجريمة بعد ليبيا والجزائر، حسب ما جاء فى تقرير صادر فى موقع موسوعة قاعدة البيانات «نامبيو»، وقبل أن نبدأ بناء الإنسان يجب أن نتوقف طويلًا وأن نتدارس تقريرًا مهمًا أصدرته اليونيسف، وأيضا منظمات أخرى، منها تقرير للمؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفولة يشير إلى تعرض ٤٨٦٣ طفلًا إلى انتهاكات، تتراوح بين القتل والاختطاف والاغتصاب والغرق وغيرها، وتتراوح الجرائم ما بين ١٤٨ حالة اختطاف و٢٦٩ انتهاكًا جنسيًا و٢٦١٢ إصابة فى حوادث و٦٧ انتحارًا.
وكشف تقرير مشترك بين المجلس القومى للطفولة والأمومة واليونيسف وجهاز التعبئة والإحصاء عن أن نسبة العنف الجسدى عند الأطفال عن طريق الأسر، بحجة ضبط السلوك، مرتفعة جدًا، ولعل ما تابعناه من حوادث فى الفترة الأخيرة بدءًا من حادث أطفال المريوطية، ثم جلد أستاذ الطب لطفله حتى الموت، وتعذيب أب من ميت غمر لطفله بسكب ماء مغلى عليه، وأيضًا محاولة أم وابنتها وخطيب ابنتها قتل طفلها، وجريمة بولاق التى قتل فيها الزوج زوجته وابنتيه وغيرها من جرائم يجب أن نتوقف امامها بالدراسة والتحليل فورًا، كل هذه الجرائم بسبب اقتصادى سواء كان إفلاس الأب وتعرضه لأزمة مالية عنيفة، أو محاولة تأديب لابن سرق مائتى جنيه من والده، يجب أن ننتبه إلى أن هذه الجرائم لم تصل إلى حد الظاهرة ولكنها تكررت.
إذا لم تتم دراسة هذه الظواهر فكل ما حققناه من إنجازات معرض للخطر، الدولة وفرت، أو تحاول توفير، الوحدة السكنية التى تكفل حياة بكرامة، وتنشئ طرقًا لتسهل الاستثمار، وجلبت استثمارات وأعادت الهيبة لجيشها وشرطتها، وعادت لمكانتها عالميًا وعربيًا، ولكن الأهم هو إعادة بناء الأسرة المصرية، ما حدث من جرائم أسرية فى الفترة الأخيرة يجب أن يلتفت إليه الجميع حكومة وشعبًا، أزهر وكنيسة، الخطر الذى تتعرض له الأسرة المصرية، والظواهر التى تدفع أطفالًا للانتحار أو آباءً وأمهات لقتل أبنائهم أهم كثيرًا من أن ينشغل الشعب برقصة كيكى أو زواج فنان أو خلافات أندية، انتبهوا للخطر الذى يحيق بأطفالنا، وعلى علماء الاجتماع والدين والسياسة أن يعكفوا فورًا على بحث ما استجد على المجتمع المصرى من جرائم، قبل أن تتحول إلى ظواهر تعصف بأشياء كثيرة.