رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جناية «السوشيال ميديا».. قصة 20 سنة شائعات إخوانية ضد الدولة

جريدة الدستور

ظاهرة الشائعات لم تخلقها المواقع الإلكترونية؛ فهى موجودة منذ مئات السنين، ولكن فى السنوات الأخيرة، خاصة بعد قيام ثورة ٢٥ يناير، اتخذ مطلقو الشائعات منحى جديدًا استغلوا من خلاله انتشار مواقع «السوشيال ميديا»، لإيصال الشائعة لأكبر عدد ممكن من المواطنين فى أقل وقت.
من السهل أن تطلق الشائعة، لكن من الصعب السيطرة عليها، ولأن الجميع يعلم ذلك، استغلت بعض الجماعات، وعلى رأسها جماعة الإخوان الإرهابية، مواقع التواصل الاجتماعى، لإعلان حرب الشائعات على مصر، لإثارة الغضب بين المواطنين والحكومة، ومحاولة اللعب على وتر الشباب الناقم على الحكومة، والنشطاء المعارضين من أجل المعارضة فقط، بعدما كشف المصريون حقيقتها وزيف نواياها.

الإخوان أسسوا أول موقع فى 1998.. مدونات 2007 هاجمت المؤسسة العسكرية.. والشارع عرف اللجان مع «استفتاء مارس»
جماعة الإخوان الإرهابية كانت صاحبة السبق فى تطبيق سياسة اللجان الإلكترونية. بدأ هذا مبكرًا؛ إذ حرصت منذ سنوات على التواجد على الإنترنت لبث أفكارها والترويج لها.
وقبل ثورة يناير بسنوات عديدة، ظهرت تجارب التحرير الإلكترونى وإنشاء المواقع على الإنترنت عند الجماعة فى مايو ١٩٩٨ بإطلاق موقع «الدعوة»، واستمرت فى تأسيس مواقعها التى تروج لأفكارها حتى تم تأسيس أهم وأكبر موقع لها «إخوان أون لاين» فى ٢٠٠٣ ثم «إخوان ويب» فى ٢٠٠٥.
لم تكتف «الإخوان» بتجربة المواقع فقط، إذ كان للمدونات دور مهم فى الترويج لأفكار الجماعة، وبدأ الإخوان أول تجربة لهم فى ٢٠٠٥ بمدونات محدودة، وفى ٢٠٠٧ بدأت مدوناتهم معارضة النظام السياسى بصورة واضحة، خاصة المؤسسة العسكرية، فانطلقت مدونات «إنسى» و«الحرية لبشر» و«الحرية لحسن مالك» و«رجل حر رغم القيود».
بدأ عمل اللجان الإلكترونية للإخوان والجماعات الإسلامية بشكل لافت فى مارس ٢٠١١ بالتزامن مع الاستفتاء على التعديلات الدستورية وقتها، والذى أجرى فى فترة حكم المجلس العسكرى عقب تنحى الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم بشهر واحد.
حشدت هذه اللجان حينذاك الكثير من المصريين لصفوف الجماعة، وخرجت نتيجة الاستفتاء على الدستور بـ«نعم»، ما يوافق هوى الإخوان والجماعات الإسلامية، ومن وقتها بدأ المواطنون العاديون يتداولون لأول مرة مصطلح «اللجان الإلكترونية».
واعترف عدد من قيادات وشباب الجماعة وقتها، ومنهم عبدالرحمن البر، بعقد اللجان الإلكترونية للإخوان اجتماعًا خاصًا فى حزب «الحرية والعدالة»، الذراع السياسية لهم حينذاك، لحشد الشارع السياسى للتوافق حول الدستور بعدما علت الأصوات السلفية الرافضة لتعديل المادة الثانية الخاصة بدين الدولة.
مع حلول الانتخابات البرلمانية فى نهاية ٢٠١١، ثم الرئاسية عام ٢٠١٢، اشتعل الصراع الإلكترونى مرة أخرى، وبعد الإطاحة بالمعزول محمد مرسى استمر عمل اللجان بصورة أكثر شراسة، فباتت تركز فى حربها على نشر الشائعات، ليست فقط السياسية، ولكنها بدأت فى شحن المواطنين تجاه الدولة، ببث أخبار كاذبة تتعلق بمعيشة المواطنين مثل شائعة فرض ضرائب جديدة أو وجود أطعمة مسرطنة.
ومع ارتفاع استخدام الإنترنت فى مصر، أصبح تداول الشائعة أمرًا هينًا، فوفق تقرير صادر من وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات فى فبراير الماضى، وصل عدد المستخدمين إلى ٣٣.٧ مليون مستخدم بنسبة انتشار بلغت ٤١.٣٪، منهم ٢٧.٤٩ مليون عبر الهواتف المحمولة، بنسبة ٣٢.٩٦٪ حتى ديسمبر ٢٠١٧.
ورصدت دراسة أشرفت عليها لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب، وأُعلن عنها فى نوفمبر من العام الماضى، أنه خلال ٦٠ يومًا فقط، أطلقت ٥٣ ألف شائعة أغلبها من وسائل التواصل الاجتماعى.

الوكيل الأسبق لـ«أمن الدولة»: الجماعة استخدمتها فى تفجيرات الأزهر.. وخبير إلكترونى: «شيّر فى الخير» ظاهرة خطيرة
اللواء فؤاد علام، وكيل جهاز مباحث أمن الدولة الأسبق، قال إن جماعة الإخوان الإرهابية هى أول من ابتدع نظام اللجان الإلكترونية فى مصر، مرجعًا ذلك إلى تعاونهم مع بعض الدول الكبرى التى تطبق هذه السياسة منذ سنوات طويلة.
وأضاف «علام» لـ«الدستور»: «الجماعة تهدف من هذه اللجان لزعزعة نظام الحكم، وخلق نوع من التشكيك بين النظام والشعب، حتى يتمكنوا من الوصول إلى هدفهم الأوحد وهو الوصول إلى سدة الحكم».
وأكد الخبير الأمنى اعتماد الجماعة على اللجان الإلكترونية فى السنوات الأخيرة من حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، واستطرد: «وزاد اعتمادهم عليها بعد ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١، مستغلين التغييرات السياسية التى تمر بها مصر للترويج لأفكارهم، وخلق قاعدة جماهيرية لهم، من خلال بث الشائعات التى تدعم وجودهم وتحارب كل من يعارضهم أو يرفض أفكارهم».
بعد قيام ثورة ٣٠ يونيو- كما يستكمل «علام»- استمرت اللجان الإلكترونية الداعمة للإخوان فى العمل، وإن كان بعضها أصبح يعمل من خارج مصر بدعم من بعض الدول الأخرى على رأسها تركيا.
«علام» أوضح أن الحرب الإلكترونية التى تشنها الجماعة على مصر من أخطر أنواع الحروب، لأنها قائمة على الشائعات التى تطلقها لتثير الاضطرابات وتشحن جموع المواطنين، خاصة الشباب، ضد الدولة.
وشرح الوكيل الأسبق لـ«مباحث أمن الدولة»: «استطاعت الإخوان من خلال لجانها الإلكترونية، تجنيد بعض الشباب للقيام بأعمال إرهابية، وهذا ما أظهرته التحقيقات فى تفجيرات الأزهر، إذ تواصلت الجماعة مع الشباب عن طريق الإنترنت، وأعطت لهم تعليمات التنفيذ دون أن يلتقوا».
وأشار إلى أن وزارة الداخلية لها دور كبير فى السيطرة على انتشار الشائعات التى تخرج من هذه اللجان، بإنشاء جهاز متخصص وهو «مباحث الإنترنت»، مستدركًا: «لكن الجهاز فى حاجة إلى دعم يساوى ٣ أضعاف الدعم الحالى، ومده بضباط ومهندسين متخصصين، حتى يتصدى إلى الحرب الإلكترونية الشرسة التى تخوضها مصر ضد الجماعة الإرهابية والدول المعادية».
وطالب بدور كبير للإعلام فى مواجهة حرب الشائعات هذه، مشددًا على «التأكد من صحة كل الأخبار قبل تداولها، خاصة ما يُنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعى».
بدوره، قال فادى رمزى، الخبير فى الإعلام الرقمى والتسويق الإلكترونى، إن اللجان الإلكترونية ظاهرة عالمية تلعب دورًا كبيرًا فى الحياة السياسية لأغلب دول العالم الكبرى، وعلى رأسها أمريكا وأوروبا، مشيرًا إلى دورها المؤثر فى الانتخابات الرئاسية الأمريكية بتوجيه الرأى العام تجاه مرشح محدد.
وأضاف لـ«الدستور»: «ثورة ٢٥ يناير كانت بداية العمل الحقيقى للجان الإلكترونية فى مصر، سواء من الناحية السياسية أو التسويق الإلكترونى»، موضحًا أن قوة «السوشيال ميديا» فى الشارع المصرى أحد مخرجات الثورة التى أظهرت قوتها فى التأثير، بعد أن كانت محدودة قبل ٢٠١١ حتى بالنسبة للعاملين فى المجال الإلكترونى.
وأوضح «رمزى»: «كان من الطبيعى أن يستغل الجميع بعد الثورة القوة العظمى لمواقع التواصل الاجتماعى فى توجيه الرأى العام أو حشده، وهذا ما حدث بالفعل من بعض الجماعات السياسية للوصول لأهدافها السياسية، ومع الوقت لم تعد اللجان الإلكترونية تلعب دورًا فقط فى الحياة السياسية وإنما أيضًا فى مجال التسويق سواء لمنتج أو شركة أو شخص».
الخبير الرقمى أشار إلى أنه من الصعب على أى دولة أن تسيطر على ظاهرة اللجان الإلكترونية، لكن يسهل التوعية بأهدافها، حتى لا يستجيب المواطنون لكل ما تنشره هذه اللجان من أخبار مضللة وشائعات تكدر السلم العام.
واستطرد أن المتعاملين مع «السوشيال ميديا» فى مصر فى حاجة لتوعية كبيرة من كل مؤسسات الدولة للقضاء على ظاهرة «شيّر فى الخير» التى تنتشر بقوة بين المستخدمين، حتى نستطيع التحكم فى المحتوى الذى تُعاد مشاركته مرة أخرى، وليدرك مستخدمو الإنترنت أن كل مشاركة لمنشور ليست دائمًا فى الخير، فمن الممكن أن يكون لها تأثير سلبى كبير.