رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صلاح فضل: «النور» حزب منافق.. ‏والمصالحة مع «الإخوان» مرفوضة

الدكتور صلاح فضل
الدكتور صلاح فضل

◄ المؤسسات الدينية لا تستطيع التجديد لأن رجالها أصحاب الخطاب القديم.. والحل فى ‏رفع سقف الحرية

دعا الدكتور صلاح فضل، الناقد الأدبى الكبير، لفصل الدين عن الممارسات السياسية، مع تبنى الدولة عملية إصلاح شاملة للتعليم والثقافة من أجل تحقيق النهضة المطلوبة.‏
ورفض الفائز بـ«جائزة النيل»، الأربعاء الماضى، فى حواره مع «الدستور»، أى محاولة للصلح مع جماعة الإخوان لما سببته من عنف وتخريب، مطالبًا فى الوقت ذاته بحل حزب ‏النور السلفى، لكونه حزبا دينيا يخالف الدستور.‏
ورأى «فضل» أن تجديد الخطاب الدينى لا يمكن أن يتم عن طريق رجال الأزهر، لكونهم من المساهمين فى صياغة الخطاب الحالى بكل ما يحويه من مشكلات، بالإضافة إلى ما ‏سماه سيطرة التيارات السلفية على المؤسسة.‏

‏■ بداية.. كيف تقيّم الأوضاع الحالية فى مصر؟
‏- مع أننى لست من المشتغلين بالعمل السياسى بشكل مباشر، إلا أننى دائما أستحضر كلمة أحد الكتاب العظام التى تقول: «كل شىء سياسة»، وأعتقد أن المشهد السياسى الحالى شديد التعقيد وليس ‏من السهل عرضه فى كلمات صغيرة.‏
أولا، لا يمكن أن ننسى أننا مررنا بتجربة «٢٥ يناير» منذ عدة سنوات، التى كانت انبثاقا لفجر جديد فى الأفق المصرى والعربى، يبشر فى الدرجة الأولى بالتحول الديمقراطى وبعهد جديد يُمكن ‏مصر من أخذ سبيلها إلى النهضة الحقيقية والتنمية الفعلية، وأن تحكم بمجمل عقول أبنائها وليس بفئة واحدة من صناع القرار فيها.‏
ثم جاءت الجماعات الدينية التى خلطت بين السياسة والدين فأفسدت هذا المشهد، وخطفت الثورة المصرية بطريقة غوغائية، عبر خبرتها فى اكتساب الشارع وتعاطفه، والإعداد للانتخابات التى ‏جرت بعد ذلك مع ضعف الأحزاب المناوئة لها، وتدخل القوى الأخرى التى ناصرتها، إلى أن انتهت إلى تجربة «العام الأسود» الذى شهد حكم جماعة «الإخوان» لمصر.‏
ثم جاءت ثورة ٣٠ يونيو لتصحيح مسار تاريخ مصر الحديث ووضعها على الطريق السليم، وكان لشجاعة الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتماسك وقوة وعظمة وتاريخ الجيش المصرى الأثر الحاسم ‏فى تحول وجهة التاريخ المصرى إلى الوجهة الصحيحة.‏
‏■ ماذا حدث بعد ذلك؟
‏- المشهد أسفر عن ظواهر إيجابية، على رأسها تدشين عدد من المشروعات الاقتصادية العملاقة التى تبنتها الدولة، وحل مشكلة أزمة الكهرباء جذريًا، بجانب تعامل الحكومة مع مشكلة الإسكان ‏بشكل لم تفعله أى حكومة من قبل، وبدء تأسيس البنية الأساسية من طرق وغيرها، فضلًا عن قناة السويس الجديدة.‏
وعلى أى حال، شهدنا تأسيس بعض المشروعات العملاقة، مثل العاصمة الإدارية الجديدة، التى ستفرض نجاحها فى المستقبل بكل تأكيد.‏
‏■ ما أهم سلبيات المرحلة فى تقديرك؟
‏- ترك الأحزاب ضامرة بل متشرذمة ومفتتة لم يساعدها على الإطلاق فى أن تحمل فى اللحظة المناسبة عبء مسيرة التحول الديمقراطى، فمثلًا التقى الرئيس السيسى كل الهيئات وطبقات ‏الشعب، لكنه لم يقابل رؤساء الأحزاب المصرية.‏
كان على الرئيس أن يفعل ذلك، لكنه يبدو أن ما لديه عن طبيعة هذه الأحزاب وتاريخها لم يشجعه على أن يبث فيها قدرًا من الثقة، ويدفع عنها عملية التفتت التى كانت تحدث لها فى الفترة ‏الشمولية السابقة.‏
الأمر الثانى الذى أنادى بتصويبه، هو أن هذه المرحلة شهدت وضع جدول الأولويات بشكل منضبط ومحكم، لكنها تفادت إعطاء التعليم الأهمية القصوى، باعتباره قاطرة التطور الحضارى.‏
وفى كل تجارب الدول النامية التى سبقتنا كان من الواضح تماما أنه من العبث «النفخ فى قربة مقطوعة»، و«القربة» هنا هى الشباب والقطع الذى بها هو رداءة المستويات التعليمية.‏
‏■ كيف نتجاوز إشكالية العلاقة بين الدين والسياسة التى لا تزال موجودة رغم رحيل هذه الجماعات؟
‏- فصل الدين عن السياسة ضرورة لا بد منها، رغم ما يقوله بعض الأزهريين حول «ضلالة فصل السياسة عن الدين»، وهذا تفكير ساذج وغير مدرك متطلبات التطور التاريخى.‏
فالشيوخ الذين يزعمون هذا لم يملكوا يومًا الحس التجديدى الحقيقى لفهم طبيعة الإسلام المستنيرة، وتمييزه الحاسم بين متغيرات السياسة وأمورها وشئونها الاجتماعية، وثوابت العقيدة والدين التى هى ‏شأن فردى وليست شأنا اجتماعيا على الإطلاق.‏
ولو كان للإسلام منهج فى السياسة لطبقه الرسول، لكنه ترك للناس حريتهم طبقًا لخبراتهم، وفى القرن الأول الهجرى كانت مجموعة من القبائل والأشخاص، لذا عانوا من الظلم وسفك الدماء ‏والاقتتال فى عهد الخلفاء الراشدين، ثم غرقوا فى بحر من الفتن.‏
وعلينا أن نعرف أن البشرية لم تهتد إلى النظم الديمقراطية السليمة إلا منذ قرنين ونيف، ولم يكن للدين علاقة بذلك، لذا فالدين لم يحل مشكلة السياسة لأنه لا شأن له بها، بل اهتدى البشر بخبرتهم إلى ‏آليات صناعة الدول المدنية، لذا لا يجب أن نعود للعصور الوسطى.‏
‏■ إذن.. كيف ترى أمنيات العودة لـ«زمن الخلافة»؟
‏- من يعتقد فى ذلك «متخلفون»، وهذا شأنهم لا شأننا، كما أنهم أخفض صوتًا من أن تكون لهم حجة. وعلى أى حال هؤلاء لا يمثلون قوة ضاغطة فى المجتمع، إلا من بعض الذين صنعوا أحزابا ‏سياسية منهم، وأعنى بذلك السلفيين، فهؤلاء هم الذين يشكلون خطورة حقيقية، وكان الدستور حاسمًا أمامهم عندما رفض بشكل قاطع قيام أى حزب على أساس دينى.‏
‏■ حزب «النور» ينكر قيامه على أساس دينى.. فكيف ترى موقفه؟
‏- هو حزب منافق من الدرجة الأولى لأنه قدم أوراقًا حزبية خالية من أى إشارة دينية، وكنت شاهدا عليهم فى لجنة صياغة الدستور، عندما كان أعضاء الحزب يتبرأون من أى فكرة دينية ويدعون ‏الوسطية.‏
أما فى الحقيقة، فهم يمثلون دعوة متطرفة، والفتاوى التى يصدرونها صادمة لعقائد المصريين وتوجهاتهم وتحرض على الكراهية، وكل تصريحات قادتهم وزعمائهم ومواقفهم وما عرف عنهم ‏يثبت أنهم بالفعل يفكرون بطريقة دينية مخالفة للدستور.‏
‏■ كيف نتعامل معهم فى هذه الحالة؟
‏- على المحكمة الدستورية أن تقضى بحل مثل هذه الأحزاب، بمختلف تسمياتها، لأن أى حزب تصدر عنه تصريحات أو مواقف أو توجهات تنم عن عودته إلى تحكيم المفاهيم الدينية فى الشأن ‏السياسى يفقد شرعيته، ويجب أن يتعرض للحل فورًا.‏
وأظن أن ملابسات الحياة المصرية بعد الثلاثين من يونيو هى التى دعت إلى التريث قليلًا فى تطبيق ذلك، مع أن كثيرا من المشتغلين بالسياسة طالبوا بتطبيق مواد الدستور، ولهم الحق.‏
‏■ ما رأيك فى فكرة المصالحة بين الإخوان والدولة؟
‏- لا يجب على الإطلاق السماح لأى فصيل بأن يعود إلى خلط أوراق السياسة بالدين، والدستور لا يقبل بعودة الأحزاب الدينية.‏
‏■ لكن هناك فارقًا بين المصالحة وعودة الأحزاب الدينية.. فما تعليقك؟
‏- من حمل السلاح وسفك الدماء ووضع المتفجرات وتعاون مع الإرهابيين وساعدهم على التسلل إلى أعماق الشعب وقراه ونجوعه، وسمح لهم بالدخول إلى سيناء، وإعلان تنظيماتهم فيها- لا يمكن ‏أن يسمح له بممارسة السياسة على الإطلاق.‏
‏■ ماذا عن تجديد الخطاب الدينى؟
‏- الخطاب الدينى السائد فى المجتمع المصرى الآن صنعه الأزهريون وأئمة الأوقاف وجماعات الإسلام السياسى، الذين اشتركوا جميعا فى صياغته، لذا فإن تجديده لا يمكن أن يتم عن طريق هذه ‏المؤسسات، بل يجب رفع سقف الحرية للمفكرين والمجتهدين فى الفلسفة والفكر الدينى، وعدم مطاردتهم بالبلاغات من قبل المحامين الباحثين عن الشهرة، أو استدعائهم أمام المحاكم كى يحاكموا على ‏أى فكرة جديدة.‏
‏■ لكن الأزهر أطلق أكثر من مرة وثائق ومبادرات لتجديد الفكر الدينى.. فلماذا تغفلها؟
‏- إذا كنا نتحدث عن المبادرات التى أطلقت أثناء ثورة ٢٥ يناير، فالغريب أنها حظيت بموافقة الإخوان والسلفيين أيضا الذين وقّعوها من باب النفاق وتماشيًا مع الأحداث وقتها، لكنهم سعوا لتعطيلها ‏وإيقافها بعد ذلك عندما تمكنوا من فرض سيطرتهم على الدولة.‏
أما المبادرات التى أطلقت بعد ٣٠ يونيو، فلم ينتج عنها أى تغيير لأن من صاغ الخطاب الدينى الحالى كما قلت لا يستطيع أن يجدده. ‏
‏■ ألا ترى فى رأيك «تعسفًا» ضد الأزهر ورجاله؟
‏- أنا لا أتهم الأزهر فى شىء، بل أتعاون معه وأُجلّ كثيرًا من رموزه، وعلى رأسهم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، لكنى لا أنتظر ممن صنع الخطاب الدينى السائد أن يغيره.‏
كما أن أعظم مشايخ الأزهر لم يستطيعوا التجديد إلا بعدما احتكوا بالثقافات العالمية، وأعادوا النظر فى مسلماتهم التى درجوا عليها، ثم اجتهدوا بعد ذلك، بداية من الشيخ محمد عبده حتى الآن، لكن ‏إلى جانب هؤلاء جماعات أكثر عنفًا وأفراد أكثر تطرفًا من المشايخ المتصلبين والمحافظين والمتشددين حتى إن بعضهم يدين بينه وبين نفسه بعقائد السلفية.‏
وشيخ الأزهر عندما تولى المشيخة اعترف أمامنا بأنه وجد السلفية قد غزت أروقة الأزهر، وغيرت كتبه وتغلغلت فى ثناياه. ورغم ذلك هناك من علماء الأزهر أناس أفاضل عظماء، وإن كانت ‏المعادلة بين الاثنين دائما ما تنتهى لصالح المحافظين، خاصة أن المؤسسات بطبيعتها محافظة، والمجددون لا بد أن يكونوا أفرادًا عباقرة لا يخضعون عادة لما هو سائد، ولا يخشون المغامرة الفكرية، ‏رغم أنهم قد يتعرضون للاضطهاد فى مجتمعاتهم، إلا أنهم ينتصرون بعد ذلك.‏
‏■ البعض يخشى من تحول الأمر إلى فوضى.. فكيف ترى ذلك؟
‏- الرأى لا يقارع إلا بالرأى، لا السجن ولا الحبس ولا البلاغات للنيابة، ومن اجتهد فى تفسير نص يمكننا أن نرفض هذا التفسير أو نقبله، ويمكن الرد عليه بالحجة.‏
هذا المنطق الحضارى كان مطبقًا فى الفكر الإسلامى فى مراحل كثيرة، أما عندما نسجن صاحب الرأى فإننا نمشى عكس اتجاه التاريخ، وهذا وضع مخجل.‏
ومن الغريب أن تظل فى مصر قوانين تسمح بالبلاغات الكيدية وتسجن الناس بسبب آرائهم، التى لا علاقة لها بالمخاطر التى يواجهها المجتمع.‏
‏■ لو طلب منك وضع مشروع تنويرى.. فماذا سيكون مشروعك؟
‏- كل حياة المثقفين والمفكرين هى محاولة لبناء توجهات تنويرية، ومن ناحيتى كان مدخلى إلى التنوير هو الفكر النقدى، لا الفلسفة ولا الفكر الدينى، وأنا أرى أن النقد هو الذى قاد حركة النهضة ‏المصرية والعربية، لأن أكبر زعمائها كانوا نقادًا.‏
والنقد بمعناه الشامل يتضمن المجال السياسى والاجتماعى والثقافى والحضارى، ويعنى فى الدرجة الأولى رؤية الأوضاع من مختلف جوانبها، وإدراك ما يعتريها من ضعف، مع اقتراح البدائل ‏المتميزة، التى تجعل هذه الأوضاع منخرطة فى حركة كلية للنهضة الحضارية. فمثلًا حينما أتحدث عن التعليم وضرورة أن يكون مشروع مصر الأساسى، فيجب أن يرتبط ذلك بالحرية، وضرورة ‏الحفاظ على سقفها مرتفعًا، مع ربطها بالديمقراطية، باعتبار هذه الأمور هى أمل مصر فى المستقبل، وترتبط كلها بمستقبل مصر الحضارى، أما المعوقات التى نعرفها فعلينا أن نتخلص منها ‏بسلاسة وسلامة ودون صراع.‏
كيف يمكن القضاء بشكل كامل على فكرة خلط الدين بالسياسة؟
‏- الدولة عندما تصلح نظام التعليم وتصلح من شأن الثقافة، وتكون ديمقراطية مستنيرة حقيقة، وتصلح من شأن المنابر الدعوية التى تستغل الدين لخلطه بالسياسة وإفساد الأمرين ‏معا، وتصلح من شأن الأحزاب وتطبق بصرامة الشروط المدنية عليها- سيترتب على ذلك تلقائيًا تهميش أصحاب دعوات الإسلام السياسى.‏