رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الصراع في سوريا..هل هو سياسي أم طائفي؟

الصراع في سوريا..هل
الصراع في سوريا..هل هو سياسي أم طائفي؟

تتواجه روسيا والصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى من خلال إيران وسوريا وحزب الله والسعودية وقطر وتركيا الذين يكلفون بدورهم شيوخا من هذه الطائفة ليكفروا تلك الطائفة، صراع المصالح للدول الكبرى ينتهي دما بين سني وشيعي.

ويصور لنا البعض من السياسيين وشيوخ الدين والكثير من وسائل الإعلام ما يدور في الشرق الأوسط من معارك واضطرابات وتجاذبات على أنها صراعات طائفية بين السنة والشيعة، ومن المؤسف أن أصل الصورة المرسومة تلك مصدره شيوخ الدين الطائفيين ممن يعتلون المنابر ويعلنون الجهاد على كل من خالفهم.

ويطرح السؤال : " فهل أصل المشكلة وتداعياتها من معارك في العراق وسوريا ولبنان وتجاذبات في دول أخرى هي طائفية أم هي سياسية بلباس طائفي؟"

يجب أن نميز أولا بين ما هو سياسي وما هو طائفي عندما يكون هناك صراع محتدم بين الأطراف. نعم، أن الصراع السياسي هو صراع المصالح لمجموعات مختلفة فيما بينها، فكل مجموعة تبحث عن مصالح أفرادها وتستخدم الوسائل المختلفة لتحقيق تلك المصالح حيث تتجسد تلك المصالح في استراتيجيات ومشاريع وطنية وإقليمية وقارية وحتى عالمية.

أن الحديث عن الصراع السياسي هو حديث عن صراع بين من يمتلك السلطة ومن لا يمتلكها ويتجسد هذا الصراع بشكل قانوني حول تشريعات معينة أحيانا أو بالمعارضة السلمية أو المسلحة أحيانا أخرى، حيث يعبر ذلك الصراع عن نفسه من خلال وسائل الإعلام المختلفة. أن الصراع السياسي تقف خلفه أيدلوجيات معينة وهو متغير بتغير الظروف الموضوعية الممكنة في تحقيق مكاسب معينة ويخضع دائما للقاعدة الجيوسياسية التي تتغير بتغير القوى الإقليمية والعالمية.

أما الصراع الطائفي فهو صراع بين دينين أو طائفتين من دين واحد من أجل السيطرة على أرض ما أو مكان مقدس ما أو من أجل العمل بشعائر معينة من قبل طائفة ترفضها الطائفة الأخرى لأسباب عديدة أو من أجل قدسية زعيم طائفي حتى لو كان يعيش في التاريخ. على العكس من الصراع السياسي الذي يتغير بتغير موازين القوى، يكون الصراع الطائفي صراع وجود وهو مبدئي في أصله لأنه يخضع لدوجما الأفكار المتأصلة في التاريخ إذ تحيط بها قدسية تجعلها بعيدة عن النقد أو التغيير.

أن من يقود الصراع الطائفي هم الأصوليون الذين يعتقدون بأنهم يمتلكون الحقيقة المطلقة المزعومة والمدعومة بقوى ميتافيزيقية إذ لا يمكن المساس بها. الأكثر من ذلك، يستمد الصراع الطائفي وقوده من التاريخ بإعتباره صراع أزلي وجودي يميز بين الحق والباطل المتجسد بالشيطان في قبالة الله.

فبينما يعتمد الصراع السياسي على الإقصاء والتهميش السياسي. يعتمد الصراع الطائفي على الإلغاء الفيزيائي وذلك من خلال عملية معقدة تصل ذروتها بتكفير الآخر المختلف الذي يستحيل العيش معه.

كيف نفهم ما يحدث الآن في سوريا والعراق ولبنان، وفي بعض الدول الأخرى ولكن بشكل أخف: هل هو صراع طائفي أم سياسي؟ الجواب سهل وبسيط وسريع أيضا  ، إنه صراع سياسي بامتياز يلبس لباس الطائفية. فنحن أمام مشروعين سياسيين أقليميين، فمن جهة هناك مشروع إيراني في المنطقة ويتجلى بدعم النظام الحاكم في سوريا بشكل مباشر أو من خلال حزب الله اللبناني، وهنا أستثني الحكومة العراقية حتى هذه اللحظة، فالذين يشاركون في القتال من العراق مع النظام السوري يأتون بشكل أفراد أو حتى تجد خلفهم بعض المنظمات والمؤسسات والأحزاب الدينية، بالرغم من زيارة المعلم لبغداد والمحاولات العديدة من دول ووسائل إلاعلام لزج الحكومة العراقية في الصراع القائم.

أن من يقف خلف هذا المشروع هما روسيا والصين بشكل واضح وصريح.

أما المشروع الثاني فهو المشروع القطري السعودي التركي ومن ورائهم الولايات المتحدة بدعم الجيش الحر الذي على الأقل لم يختلف إلى الآن مع الجماعات التكفيرية المتشددة التي باتت تمسك الكثير من الأرض وربما تنفذ عمليات لايستطيع الجيش الحر تنفيذها وحده.

إذا كان الصراع في سوريا والعراق ولبنان طائفيا ً وليس سياسيا ً، فلماذا لم يتقاتل الطرفان بشكل مستمر ليفني أحدهما الآخر على مدى التاريخ ولماذا تعايش الطرفان على مدى التاريخ، بالخصوص في العراق إذ ترى السنة والشيعة في القبيلة الواحدة أو العائلة الواحدة.

ولماذا في هذا الوقت بالتحديد تشتعل الحرب الطائفية ولم تكن من قبل! إذن، إذا لم يكن الصراع طائفيا فهو سياسي بإمتياز وهذا واضح عندما نرى تدخل الدول الإقليمية والعالمية في الصراع في سوريا والعراق وهي لا سنية ولا شيعية إذ تبحث عن مصالحها فقط.

حتى أكثر التيارات التكفيرية والأصولية هي صنيعة عالمية تمثل مصالح قوى عالمية وإقليمية تستخدم الدين في تمرير مشاريعها وأجنداتها السياسية.

ومن هنا، نستطيع فهم الدعوة إلى الجهاد في أفغانستان ضد الإتحاد السوفيتي السابق والذي وقف في طوابيره الآلاف من الشباب العربي المسكين في العواصم العربية المختلفة وكيف ذلك يتجدد اليوم حين يعلن العريفي الجهاد في سوريا التي تقف ورائها روسيا عدو الأمس في أفغانستان، إذ تتزامن تلك الدعوة من العريفي وفي نفس اليوم قرار رفع الحظر عن تسليح المعارضة السورية من قبل الاميركان، فهل تلك مصادفة! بالتأكيد ليست مصادفة، أن جهاد العريفي وأمثاله ينسجم مع ما تطمح له الولايات المتحدة بتغيير موازين القوى في الشرق الأوسط لصالحها ولصالح إسرائيل.

لقد غيب صوت المواطن العادي، الإنسان البسيط في سوريا بين دكتاتورية بشار الأسد وبطش المعارضة التي لا تقل عنه دموية وهي تدين بين اليوم والآخر عمليات قتل يقوم بها مسلحون باسم الجيش الحر، أما الديمقراطية فهي في خبر كان بتصارع كل تلك القوى السياسية على الأرض السورية وقبلها لبنان والعراق ويتصدر تلك اللعبة شيوخ الفتنة من الطائفتين تحركهم خيوط أقليمية وعالمية من حيث يعلمون ولا يعلمون."

إذن، مادام الصراع سياسيا وليس طائفيا ـ حسب ما يراه العديد من المحللين والمراقبين ـ فلابد أن يكون الحل سياسيا بامتياز والذي لن يكون إلا بتفاهم الدول الإقليمية والعالمية بعيدا عن الحل العسكري الذي دمر تلك البلدان ومازال يأتي على ما تبقى. لابد أن يعطي هذا التفاهم الشعب السوري والقوى الوطنية التي تمثله الحق في إدارة عملية التحول نحو الديمقراطية والتعددية في دولة متعددة الطوائف والقوميات والأديان ليعود ذلك الإنسان البسيط العادي في سوريا وحتى باقي الدول المجاورة صاحب المشروع الحقيقي وليس غيره!!"