رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبد الشافي يكتب: أوجاع إبراهيم ناجي وزكي مبارك في الزمالك

أشرف عبدالشافي
أشرف عبدالشافي

- إبراهيم ناجى عاش قصة حب عجيبة مع زوزو حمدى الحكيم التي تزوجها محمد التابعى

ليس النادى الذى أشجعه والذى حصل على كأس مصر قبل حلول شهر رمضان المبارك بأيام هو المقصود، لكنه حى الزمالك الذى تشرد فى شوارعه وعلى نواصيه الشعراء والروائيون والأدباء مطلع العشرينيات والثلاثينيات، فأصبح أشبه بحائط للبكائيات المريرة، كما هو الحال لمشجعى النادى الأبيض، ولا تخلو مذكرات جيل الرومانسيين من قصص وحكايات غرامية فاح عطرها فى حى الزمالك قبل أن تنتهى بمأساة درامية بدأها الشاعر إبراهيم ناجى، صاحب الأطلال، بحكاية حب عجيبة غريبة مع الفنانة زوزو حمدى الحكيم، ولم يخل كتاب من كتب أصدقائه ومعارفه من لمحات عنها.

عاش الدكتور زكى مبارك قصصا مشابهة فى الحى نفسه ومع الفنانة نفسها فى تنافس مدهش على قلب فنانة لا تعرفهما تقريبا إلا بحكم زيارات لعيادة الطبيب إبراهيم ناجى وقصائد على الروشتات للمريضات ولقاءات عابرة وسط جموع فنانين ومسرحيين وأدباء كان منهم الدكتور زكى مبارك، فقد كانت زوزو حمدى الحكيم على درجة رفيعة من الثقافة والوعى وتجيد قراءة الشعر وحفظه وإلا ما تزوجها فارس الصحافة والدنجوان محمد التابعى الذى وقع فى غرام ثقافتها قبل الوقوع فى جمالها المحدود والمتواضع وأخذها من يدها فى سيارته إلى قرية (سنتريس) فى أسيوط لاستخراج صورة من أوراق طلاقها من زوجها السابق المدرس ليتزوجها.
لم تكن الزمالك بهذه الرومانسية قبل هذه المرحلة، بل كانت مجرد مكان للأكواخ العشوائية والكلاب الضالة وملتقى لتجار الليل، لكن رجلًا من صعيد مصر اسمه عبدالنعيم محمدين قرر عام ١٨٩٧ استثمارها فاشتراها بملاليم وأعاد إليها الحياة وزرع أرضها بالفاكهة والخضار واستقدم رجالة البلد من قنا، فأقاموا بها يزرعون ويحصدون فظهرت معالمها كجزيرة جميلة تطل على النيل وترى القاهرة من بعيد، فخطفت عيون المشاهير فى الفن والسياسة والحب والمعارك أيضا، فهناك عاشت أم كلثوم مع كلبها الذى قضم ساق مواطن مصرى ذات صباح فأصيب الكلب بالتسمم، حسب تقارير الشرطة، فهاج الفاجومى أحمد فؤاد نجم وكتب عن الست وكلبها وعن حى الزمالك الذى هو «مسالك مسالك تحاول تفكر تهوب هنالك تودر حياتك بلاش المهالك»، وكانت الرسالة لكل الفقراء والبائسين الذين لم يسعدهم الحظ بالسكن مع الباشوات الكبار وكلابهم الناعمة فى حى الزمالك. قبل أن تسكن أم كلثوم كانت عمارة ليبون التى بناها الخواجة اليهودى تشارلو ليبون قد سرقت عقول فنانى مصر ومشاهيرها فسكنها محرم فؤاد، صاحب الحظ الأوفر فى الزواج من الجميلات، جورجينا رزق نموذجًا، وسكنتها ليلى مراد وفاتن حمامة وشيريهان، وتحولت شوارع الحى الراقى إلى عاصمة باريسية تتقاطع فيها فيلات الباشوات ومقرات السفارات وتفوح منها عطور الهوانم والفاتنات وأصبحت مقصدا للشعراء الباحثين عن العذاب والضنى تحت بلكونات الجميلات، وها هو زكى مبارك يكتب عن ليلى المريضة بالزمالك ويستفيض فى وصف الألم والحزن الذى سكن قلبه بسبب هذه الـ«ليلى» التى تركته وحيدا واختارت النجومية والشهرة. الشاعر صالح جودت وكان الأقرب إلى زكى مبارك وموضع أسراره الخاصة قال إن الفنانة «ز» هى المقصودة، وقال إن زكى مبارك كان كصاحبه إبراهيم ناجى خفيف القلب يحب كل امرأة يلتقى بها، وأن «ليلى» هى نفس الفنانة التى ألهمت ناجى، وأنها كانت من لدات طفولته لأنها من سنتريس، ولا تهتم بكلمة «لدات» وركز مع اسم قرية سنتريس التى ذهب إليها محمد التابعى بسيارته لتعرف السر الذى يظن جودت أنه أخفاه عن القارئ!.
المهم أن رجل الزمالك المسكين عاش السنوات العشر الأخيرة من عمره هائمًا بـ«زوزو» التى لم تذكر كلمة عن هذه العلاقة، لكنها اعترفت بقصة غرام إبراهيم ناجى لها بعد مرور أكثر من ثلاثة عشر عاما على رحيله.
إذن اتفق ناجى وزكى مبارك على حب فتاة واحدة اعتبرها كل منهما ملهمته وحده، لكن الحظ السيئ لناجى جعله مشهورًا بعد وفاته بثلاثة عشر عامًا عندما تغنت أم كلثوم برائعته «الأطلال» فاكتسب شهرة كانت جديرة بالوصول به إلى قلب زوز وحمدى الحكيم لو أنها جاءت مبكرة. يروى كمال النجمى أن قصيدة الأطلال كانت مرشحة لكى تقدمها أم كلثوم عام ١٩٥٢ ولكن اندلاع الثورة صرفها عن القصيدة بعدما تعب ناجى فى إقناعها بغنائها، وبعدما عانى كثيرا من رفض أحمد رامى غناء شىء لأحد الشعراء الأحياء فلم تغن أم كلثوم قصيدة من الشعر الفصيح لأحد من الأحياء إلا عام ١٩٢٦ إذ غنت «فتنت بلحظك الفتاك» للشاعر على الجارم، وفى فيلم «سلامة» غنت قصيدة قصيرة لعلى أحمد باكثير «أحب القس سلامة»، وقد تحررت أم كلثوم عام ١٩٥٤ فظهر أبوفاشا وكامل الشناوى ومحمود حسن إسماعيل وجورج جرداق والهادى آدم ونزار قبانى وصالح جودت، وقد توفى ناجى عام ١٩٥٣ ورقدت القصيدة حتى عام ١٩٦٦.
وأنا فى حقيقة الأمر لم أحب ناجى ولم أتعاطف معه مطلقا ولم أحفظ بيتا من أشعاره، لكننى وقعت فى غرامه بسبب هذه الواقعة الغريبة والمحزنة لرجل بلا حظ فى الحياة، ونكاية فى العقاد الذى استقبل ظهور ناجى بغلاظة القلب وقسوة اللفظ وشن عليه هجوما ضاريا كاد يصفه بالمخنث لما يستخدم من لغة ناعمة ومفردات رومانسية كانت بعيدة جدا عن لغة العقاد الجامدة. كل ما فى الزمالك حاليا أصبح «أطلالا»، حديقة الأسماك التى شيدها إسماعيل لمتعة جميلة جميلات إيطاليا «أوجينى» أصبحت صخورا وكهوفا بلا أسماك، القصر الذى استورد ديكوراته واكسسواراته من باريس اشتراه أمير لبنانى قبل أن تستحوذ عليه شركة ماريوت العالمية، فيلا أم كلثوم أصبحت كما تراها من أعلى كوبرى مايو، لكن ستبقى الحكايات.