رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أوراق الخرباوي.. حين تنزل القرآن على سيد قطب فى مكة!

سيد قطب
سيد قطب

- بكيت بعد سماع خطبة لـ«كشك» عن إعدام سيد قطب
- أصبحت مسحورًا بعد قراءة كتاب «معالم فى الطريق» لـ«قطب»


كان جرجس من أصدقاء الطفولة والدراسة، وكان الفصل الدراسى فى المرحلة الإعدادية يجمعنا ومعنا حاتم عبداللطيف الوزير الإخوانى فى زمن الإخوان، وأسامة فرهود أحد النبغاء الذين تخرجوا فى الفنية العسكرية فيما بعد، وغيرهم كثير، إلا أن هؤلاء الثلاثة كانوا هم الأقرب لى، وعندما امتلك موضوع اضطهاد عبدالناصر للإخوان مشاعرى، قررتُ وأنا فى الصف الأول الثانوى أن أتدرب على رياضة «الكونغ فو» لأدافع عن هؤلاء المسلمين المضطهدين! وكان أن أخذت جرجس معى إلى مسجد الشيخ كشك، لأحضر أنا الصلاة والخطبة على أن ينتظرنى هو غير بعيد عن المسجد، ولكن لماذا أخذت جرجس معى؟.

كان جرجس قد بدأ بشكل فردى فى التدريب على «الكونغ فو» وحمْل الأثقال، لذلك قررت أن يكون هو المدرب الخاص لى، ووافقنى جرجس على الفور إلا أنه قال لى إننا يجب أن نشترى بعض الكتب التى تشرح حركات تلك الرياضة، فضلًا عن كتب أخرى تشرح رياضة «اليوجا»، ولم يكن أمامنا إلا أن نذهب إلى سور الأزبكية لنشترى ما نشاء من الكتب، والوقت الذى يمكن أن يكون متاحًا أمامنا هو يوم الجمعة، فذهب معى جرجس ينتظرنى خارج المسجد، وكانت خطبة الشيخ عن سيد قطب وإعدامه، ورغم أننا كنا وقتئذ فى يناير من عام ١٩٧٤، إلا أنها كانت أول مرة أعرف فيها أن سيد قطب قد تم إعدامه، نعم سمعت من قبل بعضهم فى أماكن متفرقة وهم يقولون «الشهيد سيد قطب»، ولكننى لم أكن أعرف إلا أنه كان من الإخوان، ووقع فى ظنى أنه استشهد فى حرب فلسطين لذلك كان شهيدًا!.
حينما أخذ الشيخ يتكلم بطريقته المعهودة عن سيد قطب، قال إنه لم يره من قبل، ولم يحدث أن قابله، ولكنه قابل فى سجن القلعة ابن شقيقه، وأخذ يشرح من هو سيد قطب، وكيف أنه كان أعظم من فسَّر القرآن، ثم بالغ الشيخ مبالغة كبيرة فى شأن سيد قطب حينما قال: «لقد فسَّر الشهيد سيد قطب القرآن كأنه كان يتنزل عليه هو فى مكة». لم أتوقف عند تلك المبالغة التى تحوَّل فيها قطب إلى نبى يتنزل عليه القرآن وكأنه كان شريكًا لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فى الرسالة، ولا أظن أن أحدًا من المصلين استنكر قوله هذا، بل أصدقكم القول إننى لا أعتقد أن أى أحد من الإخوان إلى الآن يستنكر هذا القول الممجوج، ولكننى وقتها بعد أن استمعت لقصة إعدام سيد قطب، وما نسبه الشيخ له من أنه رفض أن يعتذر لعبدالناصر لأن إصبعه الذى يوحد الله فى الصلاة لا يجوز له أن يكتب اعتذارًا لكافر يحارب الإسلام، على حد قول الشيخ.
زاد إصرارى أثناء الاستماع للخطبة على ضرورة الثأر لهذا القديس الذى استشهد على أعواد المشانق، وخرجت من المسجد باكيًا أمسح بكمى الدموع التى انهمرت من عينى، وحينما سألنى جرجس عن سبب بكائى قلت له: أنا لا أبكى ولكن يبدو أن عندى «حرقان فى العين».. والحقيقة أنه كان حرقانًا فى المشاعر.
ذهبنا إلى سور الأزبكية، وأخذنا نبحث عن كتب الكاراتيه والكونغ فو واليوجا، واشترينا بقروش قليلة تلك الكتب ولكن عينىّ وقعت على كتاب مجلد عنوانه «فى ظلال القرآن» لسيد قطب، فسألت البائع: هل هذا هو تفسير قطب للقرآن؟ أخبرنى البائع بأن قطب لم يكتب فى التفسير إلا هذا الكتاب، ولكن له كتب أخرى، كان ثمن الكتاب فوق طاقتى، عشرة جنيهات فى مجلدات «فى ظلال القرآن» أكثر مما أستطيع، وعندما لاحظ البائع ترددى أخرج لى كتابًا صغيرًا طبعة ١٩٦٥ اسمه «معالم فى الطريق» قال البائع وهو يعطينى الكتاب: ثمنه ثلاثة قروش، هذا الكتاب يساوى عشرة جنيهات، ولكنى سأعطيه لك بتلك القروش، لأن الكتاب «مستعمل» وجوانب جلدته ممزقة، ولكنك ستجد فيه كنزًا كبيرًا، فاقرأه وحافظ عليه، وحين قرأته أصبحت مسحورًا.