رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كفى متاجرة بقضية القدس..


لماذا محاصرة القضية فى بعدها الدينى فقط وهى تملك أبعاداً كثيرة يمكن استغلالها وتفعيلها هذا إذا كنا مؤمنين حقا بهذه القضية فهل يمكن أن تخرج الملايين لتحرير القدس فى ظل التردى والتفكيك والتشرذم المصرى والعربى؟

احتفل الإخوان والتيار الإسلامى يوم الجمعة الماضية فى استاد القاهرة «ناصر سابقا» باليوم العالمى لنصرة القدس بمناسبة الذكرى السادسة والأربعين لاحتلال مدينة القدس، وهذا الاحتفال قد ذكرنى بتلك التظاهرة، المظهرية كالعادة التى قام بها الحزب الوطنى الديمقراطى بقيادة النظام السابق والساقط والذى قامت ضده ثورة يناير بالاتفاق والاشتراك والمشاركة مع جماعة الإخوان المسلمين وذلك بمناسبة غزو العدوان الأمريكى الأوروبى الصهيونى للعراق عام 2003 بحجة رفض ذلك الغزو فى الوقت الذى قامت فيه قوات الأمن لنظام مبارك «الذى اشترك معه الإخوان» بسحق القوى الوطنية بجميع تياراتها فى شوارع القاهرة والتى قامت بمظاهرات حاشدة لرفض العدوان والغزو الأمريكى الصهيونى على العراق.

كانت هذه المظاهرات 2003 بروفة حقيقية لمظاهرات يناير 2011، حيث تم فيها إسقاط صور مبارك وسحقها على الأرض هكذا يعرف الإخوان وأتباعهم متى يتظاهرون ومع من يخربون ولأى فائدة يتكسبون، حيث إن مشاركة الإخوان للحزب الوطنى فى تلك المظاهرة كانت حفظاً لماء وجهه الذى لطخ مع نظامه، حيث شاركا فى العدوان على العراق بالموافقة على ضرب العراق ومرور القوات المعتدية من قناة السويس أما فيما يخص قضية القدس وهى جزء من الجانب الدينى للقضية المركزية وهى القضية الفلسطينية، حيث إن هناك تكملة لهذا الجانب الدينى وهى احتلال الأماكن المقدسة المسيحية مع المسجد الأقصى فقضية القدس والقضية الفلسطينية هى قضية دينية سياسية أخلاقية عربية إسلامية مسيحية عالمية ولهذه التركيبة الإنسانية للقضية نجد ذلك التضامن العالمى مع القضية الفلسطينية فى جميع أنحاء العالم ومن كل القوى المحبة للإسلام والرافضة للاستعمار والقهر والاحتلال.

والتى ضمت كل الأديان والأجناس والقارات حتى إن هناك يهوداً غير متصهينين يتضامنون مع القضية ضد المخطط الصهيونى الذى ربط بين الدين والسياسة لتبرير الاحتلال والذى استقبل بعض العقائد المدسوسة والمعوجة تفسيريا من نصوص العهد القديم لكى يقنع اليهود وبعض المسيحيين الذين يمكن اختراقهم من خلال ما يسمى بعقيدة الحكم الألفى لإقناعهم بأن احتلال فلسطين هو المقدمة لهدم المسجد الأقصى حتى يمكن إعادة بناء الهيكل مرة أخرى حتى يأتى المسيح ليحكم العالم لمدة ألف عام وهذا بالطبع مرفوض تماما من كل الكنائس التقليدية الأرثوذكسية والكاثوليكية وبعض الطوائف الإنجيلية، فقضية الحكم الألفى تهدف إلى استغلال الدينى لصالح السياسى ولأجل اختراق ما يسمى بالصهيونية المسيحيية للمسيحيين، ودليل ذلك دور الكنيسة القبطية الوطنى مع القضية الفلسطينية ورفضها زيارة القدس للمسيحيين إلا مع المسلمين كتضامن حقيقى مع قضية دينية إنسانية، كما أن العقيدة المسيحية لا تؤمن أن اليهود هم شعب الله المختار ولا فلسطين أرض للميعاد، حيث إن هذه النبؤات قد تمت ولم يعد لها وجود نتيجة لنقض هؤلاء اليهود لعهدهم مع الله فهم شعب غليظ الرقبة كما تقول التوراة، إذن قضية القدس والقضية الفلسطينية هما قضايا إنسانية للمسيحيين والمسلمين العرب وغير العرب، ولكن آه من لكن، فتحويل القضية من قضية سياسية إلى قضية دينية فهذا بلا شك لا يخدم هذه القضية على المستوى العام والعالمى خاصة إذا كان هناك متعاطفون ومتضامنون مع هذه القضية ولكن التخصيص هنا يصبح نوعا من أنواع المتاجرة بالقضية بشكل مباشر.

وهذا تقزيم وتقليل وإساءة للقضية وهنا فما هو موقف التيار الإسلامى بشكل عام والإخوان بشكل خاص من هذه القضية نعم المسجد الأقصى له قدسيته خاصة لدى المسلم وهذا شيء مقدر ومحترم ويضيف للقضية ولا يخصم منها ولكن تحجيم القضية فى هذه الجزئية وهى جزء من كل جعل هذه التيارات تتعامل مع قضية القدس بصورة لا تخلو من استغلال الدين لصالح السياسة أيضا فوجدنا قضية القدس ترفع فى المناسبات فقط وتعلى عندما يكون الأمر مرتبطاً بالمزايدات السياسية ضد الآخر لدغدغت مشاعر المتدينين العاطفية، ولكن النتيجة الفعلية كالحرث فى الماء ففى عهد السادات الذى فتح المجال لهذا التيار فى العمل السياسى وجدنا أن القضية الفلسطينية كانت هى باب التناقض مع السادات خاصة بعد كامب ديفيد واتفاقية السلام واغتالوا السادات.

مع مبارك كانت القضية أداة استغلال ومزايدة ضد مبارك عند اللزوم خاصة مع الإخوان، حيث لم يفرج عن باقى التيار إلا مؤخرا بعد يناير استغلت القضية فى بعض التوقيتات كذر للرماد فى عيون القوى السياسية الأخرى خاصة عند اقتحام السفارة الإسرائيلية فوجدنا التيار بمجمله دائم الترديد «خيبر خيبر يا يهود جيش محمد سوف يعود» وغير ذلك من شعارات لم نجدها بعد وصول هذا التيار للحكم منيبا عنه جماعة الإخوان فوجدنا مرسى الرئيس الشكلى للإخوان وليس لكل المصريين يخاطب الرئيس الإسرائيلى بالصديق الوفى ويتمنى للدولة الصهيونية الرخاء والبقاء ونسمع يوميا الالتزام بالمعاهدة مع إسرائيل فى الوقت الذى لا تملك فيه مصر سيادتها على غزة ويحدث فيها ما يحدث وهذا نتيجة لمعوقات هذه الاتفاقية وجدنا نظام المرشد يخضع لأمريكا ولإسرائيل بتحييد المقاومة وضمان عدم أى اعتداء من حماس على الدولة الصهيونية وجدنا الإخوان ومن معهم يختصرون القضية الفلسطينية فى حماس الإخوانية وفى غزة مقابل رام الله، وكأن القضية قد أصبحت قضيتين، ورأينا أن «ريمة قد عادت لعادتها القديمة» بل أسوأ من عادتها القديمة فممارسات مبارك يمارسون أسوأ منها ولا نعرف متى تتحرك الملايين التى يتحدثون عنها لتحرير القدس «وليس فلسطين» نعم نعلم أن الحرب ليست رحلة سياحية ولا حديث هنا عنها، ولكن هناك آليات فى كل الاتجاهات تعمل وتساعد على اتخاذ موقف جماعى عربى إسلامى عالمى لمساندة القضية بالعمل وليس بالقول، ولا أعتقد أن تخصيص القضية إلى قضية إسلامية يغير القضية فماذا يشجع غير المسلم العربى المتضامن مع القضية أن يظل فى موقفه بعد تديينها وتخصيصها.

لماذا محاصرة القضية فى بعدها الدينى فقط وهى تملك أبعاداً كثيرة يمكن استغلالها وتفعيلها هذا إذا كنا مؤمنين حقا بهذه القضية فهل يمكن أن تخرج الملايين لتحرير القدس فى ظل التردى والتفكيك والتشرذم المصرى والعربي؟ وما هى الإمكانات التى يمكن أن تخلق هذا الموقف الحقيقى والفاعل لخدمة القضية؟ الإيمان بالقضية أى قضية هو الدافع والحافز والمؤثر فى تحقيق النصر ولكن المتاجرة هى باب الفشل قال الإمام الشافعى «أن تقتات من الرقص خير من أن تتاجر بالدين».

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق