رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إدارة الأزمات فى أزمة ‏


لا تخلو وزارة أو هيئة حكومية من إدارة تمت تسميتها إدارة الأزمات، وهى المنوط بها مواجهة الأزمات حال وقوعها، وأيضًا التخطيط لمواجهة الأزمة قبل حدوثها من خطوات متعددة، بدءًا ‏بالمتوقع والمعلومات وتحليل المعلومات، ثم وضع خطط مختلفة لمواجهة سيناريوهات متعددة قد تأتى بها الأزمة.‏

لكن الواقع المؤسف يكشف دائمًا لنا عن أن مراكز مواجهة الأزمات تعانى من أزمات، فلم يقع حادث واحد ووجدنا فيه مواجهة سريعة أو تطبيقًا لسيناريو وضعته إدارة الأزمات فى الجهة التى ‏تعرضت للأزمة.. لدينا أزمة متكررة كل عام مع امتحانات الثانوية العامة، وهى ظاهرة الغش، وكل عام تحشد الحكومة كعهدها ويتفوق عليها شاومينج بصفحاته، ولم يقدم لنا مركز إدارة الأزمة بها ‏أى حلول.. كل أسبوع تنقطع المياه فى مناطق معينة، ولم يكشف لنا أى من المحافظين عن السبب.. وجاءت الأيام الماضية لتكشف الجميع، حيث أمطار التجمع الخامس أرقى أحياء مصر، وبها ‏يقطن كبار القوم من رجال الأعمال والمسئولين.. هطول كثيف لأمطار متوقعة وتحذير مسبق من هيئة الأرصاد الجوية وتنبؤ نشرته وسائل الإعلام، ولكننا كالعادة كان مسئولونا فى حالة عدم ‏تواصل.. لم يعقد مركز الأزمات برئاسة الوزراء اجتماعًا يضم المسئولين من الجهات التى ستواجه الحدث، والمسئولون أنفسهم كانوا كلًا فى وادٍ، جاءت الأمطار لتكشف الجميع ولتطيح بالبعض من ‏مناصبهم.. السؤال هو: إذا لم تكن الأمطار قد زادت على الحد المعتاد، وإذا كان اللواء عرفان جمال الدين، رئيس هيئة الرقابة الإدارية، قد تحرك ونزل إلى مواقع المحطات، وناقش بنفسه العمال ‏والمهندسين، وإذا لم تكن مجموعات العمل بالهيئة قد تحركت متزامنة مع تحرك رئيسها، هل كنا سنكتشف أسباب الأزمة؟، وهل كانت مظاهر الفساد المتعددة التى كشفت عنها التحقيقات الأولية، ‏ستكون لها مواجهة، أم كنا سنكتفى بزيارة المهندس مصطفى مدبولى وإبداء الحكومة أسفها عما حدث وكفى الله المؤمنين شر القتال؟.. أسئلة عديدة تطرحها أزمة أمطار التجمع ومظاهر فساد عدة ‏تكشف عنها، والسؤال الأهم: إلى متى تنتظر الأجهزة فى كل الوزارات توجيهات السيد الوزير؟، ولماذا يصر السادة الوزراء على انتظار توجيهات السيد الرئيس؟، ولماذا ننتظر دائمًا أن تتحرك هيئة ‏الرقابة الإدارية رغم أن هذا من صميم عملها؟ ولكن أظن أن لها عملًا أهم، وهو ما تقوم به مؤخرًا وهو وضع الخطط ومواجهة الفساد قبل وقوعه، والعمل على تلافى الأخطاء وإعادة هيكلة ‏قطاعات جديدة.. ولا يمر أسبوع إلا ويحمّلها الرئيس بتكليف جديد يكشف عن ثقة برجالها وإيمان بحيدتهم وكفاءتهم.. وإذا كانت إدارة الأزمات غير قادرة على العمل، فلتلغ ويحال الأمر برمته إلى ‏هيئة الرقابة الإدارية، ويتم توفير مكافآت الاجتماعات واللجان والمكاتب والانتقالات.. أو تتم مواجهة ما يحدث بشكل حاسم، وأرى أن أول من تجب محاسبته هم أعضاء لجان إدارة الأزمات.‏
لم تكن أزمة التجمع فقط هى التى ظهرت على السطح بقوة الأيام الماضية، ولكن اتحاد الكرة اصطنع أزمة أخرى مع النجم محمد صلاح، ربما تكشف عن عدم دراية بما تعنيه قوانين الملكية ‏الفكرية والحقوق الحصرية.. اللاعب الدولى تملك حق رعايته شركة، والمنتخب تملك حق رعايته شركة منافسة، فلم يكلف الاتحاد نفسه أن يسأل أو يتحرى أو يتأكد من مدى قانونية استعمال صورة ‏اللاعب فى الدعاية أو وضع الصورة على الطائرة المخصصة للمنتخب.. تصاعدت الأزمة دون أى مبرر ووضعنا النجم المصرى - وهو فى أحسن حالاته خارجيًا - فى موقف مزعج قد يُدخله ‏فى مشاكل قانونية هو فى غنى عنها ونحن أيضًا.. لدينا ثروة اسمها محمد صلاح، وبدلًا من السعى لاستغلال ما حققه من نجاح لاستعادة صورة مصر الدولية وتقديم نموذج مصرى مشرف داعم ‏للدولة، نبحث عن مكسب بسيط من ورائه. هذا التصرف ينقلنا إلى الجزر المنعزلة التى نعيش فيها، وكشفت عنها أزمة التجمع الخامس، فلم تسعَ أى جهة للتعاون مع الأخرى ولا مع الجهاز ‏المسئول عن المدينة، كل هدفه البحث عن مبرر لِما وقع من خطأ، ولكن هيئة الرقابة الإدارية فى تحقيقاتها الأولية وبيانها الصادر عن الأزمة كشفت عن عدم تعاون أو تكامل جهود تلك الأجهزة، ‏وكانت النتيجة فشل الجميع.. وضعت هيئة الرقابة يدها هنا على الجرح الغائر فى جسد التنمية فى مصر.. لا تعاون، لا تكامل، نحن لا نعمل بروح الفريق، كل قيادة تبحث عن نجاح بسيط حتى لو ‏أدى ذلك لفشل الجميع فى النهاية.‏