رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما أغرقت المياه عاصمتنا


مشكلتنا فى بلدنا، أننا لا نأخذ بالدروس المستفادة من قضايانا ومشاكلنا التى تتكرر بشكل مستمر، ونظل نعانى منها دون ذنب منا، لأنها فى يد الحكومات المتعاقبة علينا منذ زمن طويل.. وتكون النتيجة خسائر فادحة لدى المواطنين، وتطل علينا رءوس فساد لم تقم بعملها على الوجه المناسب منذ البداية.. ولا نعرف مَنْ الذى قصر؟، ومَنْ الذى تابع؟، أو مَنْ الذى تسلم الإنشاءات والأعمال بعيوبها الضخمة؟.. والنتيجة أنه ينطبق علينا المثل المصرى القديم «ده غرق فى شبر ميه».. ظل هذا المثل يطنطن فى أذنى ليلة الثلاثاء الماضى حينما نزلت الأمطار الغزيرة على القاهرة والإسكندرية، فأغرقت أحياء بأكملها.
وبدأت الكوارث تتوالى على العاصمة وعلى المناطق الجديدة والأحياء فى كل المواقع التى غمرتها المياه، وكأنها المرة الأولى التى يحدث لنا فيها هذا.. وكانت المشكلة التى واجهت مواطنين مثلى، ممن شاءت أقدارهم أن تكون عليهم مسئوليات عمل فى ذلك اليوم تقتضى منهم أن يكونوا خارج منازلهم، أن الأمطار قد أعاقتهم وظلوا عالقين فى الشوارع عدة ساعات لتوقف المرور. أما الطامة الكبرى فكانت فى أحياء بعينها مثل التجمع الذى شهد مآسى إنسانية وخسائر فادحة وغرق سيارات ومنازل ومولات وتلفيات باهظة التكلفة، فيما سيشكل عبئًا على آلاف الأسر وأصحاب المحلات حيث لم يعمل لها أحد حسابًا قبلها، ومما يكشف فسادًا فى إنشاء هذه الأحياء الجديدة، حيث لا توجد بلاعات لتصريف المياه.
أما المآسى الكبرى فكانت بحق لدى أسر كاملة فى أحياء جديدة مثل حى الأسمرات، حيث توقفت محولات الكهرباء، وفوجئ سكان الحى الجديد، الذى انتقل إليه الأهالى، أنهم قد غرقوا فى ظلام دامس.. والحقيقة أننا جميعًا فرحنا وابتهجنا لنقل أهالى العشوائيات فى هذا الحى الجديد وفى غيره من الأحياء، لكن هناك حسابات الظروف المتغيرة التى لم يُعمل لها حساب، وهناك وسائل حياة يومية غير متوافرة للأهالى وغرقت أيضًا فى المياه والظلام لانقطاع الكهرباء.. وهو أمر لا بد أن يُنظر فيه حتى لا يصبح انتقال السكان بلا فائدة لهم وبلا مراعاة لظروف إعاشتهم فى المواقع الجديدة. إن المشاهد التى تم بثها فى لحظات على وسائل التواصل الاجتماعى وسيدات وأطفال يصرخون خوفًا وهلعًا لاحتجازهم فى الشوارع الغارقة فى المياه قد ذكرنى بهذا المثل القديم الذى يوصف به الشخص الفاشل الذى لم يتعلم السباحة فكانت النتيجة «إنه غرق فى شبر ميه».
إن هذه الكوارث والخسائر مشابهة لهذا المثل تمامًا، ولأننا لا نتعلم فى مصر من أخطائنا، ففى كل عام تهطل الأمطار وتغرق الأنفاق بالمياه لعدم وجود بلاعات أو تصريف للمياه، وكلنا نتذكر أن هذا الأمر حدث تحت نفق قصر النيل منذ بضع سنوات، ونتجت عنه خسائر كبيرة وشلل مرورى فى القاهرة لعدم وجود تصريف لمياه الأمطار تحت النفق، والمشكلة أنه لا تتم محاسبة أحد ولا يؤخذ هذا العيب فى الحسبان، حيث يمكن تلافيه فى العام الذى يليه.. ولا تأخذ الحكومات المتعاقبة الدروس المستفادة عند بناء المدن الجديدة والأحياء الجديدة، فنترك الأمور تسير دون متابعة ودون محاسبة المخطئ أو الفاسد.
إنها ليست المرة الأولى التى تحدث فيها هذه المشاكل والخسائر وبهدلة المواطنين. إننا الآن لدينا دولة مكتملة الأركان، ويصعب أن يتم تجاهل الأخطاء الفادحة التى تسلب المواطن حقه فى تلقى خدمات مناسبة من الدولة، ومن الصعب أن نقول للمواطن أن يصمت فى التقصير فى الخدمات الأساسية التى هى من حقه، بينما نطالبه بدفع الضرائب ونرفع عليه الأسعار فى كل شىء، ثم نطالبه بدفع ضرائب تنوء بتحملها الجبال لأنها تتم عشوائيًا.. لا بد من إعادة ترتيب كثير من الملفات الأساسية بحيث لا يُضار المواطن، ولا بد من وضع استراتيجيات بطرق علمية لهذه الملفات الحيوية المتصلة بالخدمات الأساسية وبالحياة اليومية تكفل تصريف المياه، ولا بد أن تضع الحكومة الجديدة خططًا للطوارئ فى مواجهة حدوث مشاكل كبرى مفاجئة أو كوارث بيئية أو إنسانية، وتوفير وسائل إسعاف ونقل وخدمات سريعة، خاصة للأسر التى بها سيدات وشابات، حيث إنه فى ليلة سقوط الأمطار الغزيرة كانت أسر بأكملها وسيدات وشابات فى طريق العودة إلى بيوتهن فتم احتجازهن لغرق الشوارع فى معظم الأحياء طوال الليل وسط خوف ورعب لساعات طويلة فى الظلام الدامس.. ناهيك عن أصحاب الأعمال الزراعية وقاطنى العشوائيات والمناطق الفقيرة.
إننا نريد من الدولة توفير الخدمات الأساسية للمواطن من طرق وكهرباء وماء نظيف وسكن وعلاج ووسائل مواصلات، لأن من المفارقات العجيبة فى بلدنا أنه بينما يواجه المواطن مشاكل صعبة فى الخدمات الأساسية، وهى متراكمة لأنها منذ سنوات طويلة، نجد أن مجلس الشعب ناقش وأقر رفع مرتبات النواب والوزراء.. نحن بالفعل فى حاجة إلى إعادة ترتيب أولويات الحكومة القادمة التى ستتولى المسئولية فى السنوات الأربع المقبلة من رئاسة الرئيس الوطنى عبدالفتاح السيسى. فلقد قمنا بدورنا كمواطنين، خاصة المرأة المصرية والشابة المصرية، فى الإدلاء بأصواتنا فى انتخاب رئيس نثق فيه وفى حكمته وتقديره الكبير للشعب المصرى.. لكننا أيضًا ومن ناحية أخرى، نطالبه باختيار حكومة ووزراء قادرين على خدمة المواطن على أساس معيار الكفاءة والأفضلية للخدمات الأساسية المقدمة له، والمعيشة اليومية الكريمة للمواطن، والمواطنة.