رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القاهرة منورة بزحمتها


تتحول القاهرة فى موسم المدارس إلى جراج متعدد الطوابق، الحركة فيه تحتاج إلى عالم رياضيات، درس الفيزياء بتمعن فى أوقات فراغه، واستعان بما تيسر من علوم الفلك، ليحسب فى فيمتو ثانية مساحة الفراغ، بين سيارته وكل ما يحيط بها من مركبات فضائية أوقعتها إدارة المرور على الأسفلت، ثم يحسب مساحة سيارته وحركتها إذا ما «ريح» بقدمه على الدبرياج، ثم رفع الثانية من على الفرامل، قبل أن ينظر فى كل الاتجاهات معتذرا لكل من أطلق كلاكسات مزعجة توجه تحية خاصة للسيدة والدته التى أحسنت تربيته، ولم تعلمه أن السواقة أدب مش هز «دريكسيون».
الحركة فى الشارع المصرى تشبه المشى على الزجاج، لن تخرج منه سليما، حتى لو خرجت سيارتك دون خبطة أو حكة، سيخرج صاحبها مصابا بارتفاع فى ضغط الدم مصحوبا بما تيسر من سكر وقولون.. أحيانا يا مونيكا نتصور أن هناك اتفاقا مكتوبا بين إدارة المرور ونقابة الأطباء تحصل من خلاله الإدارة على ١٠٪ من قيمة الكشف الطبى للمرضى.
مصر الدولة الوحيدة يا مونيكا التى تعيد تدوير المخلفات، وتحولها لما يشبه سيارات تتحرك بسرعة سلحفاة، مدعمة بمدخنة كبابجى نطلق عليها من باب العشم «شكمان»، ينفث غازات كفيلة بصنع خرمين أكبر من خرم الأوزون، دون أن يسأل أحد: كيف حصلت على ترخيص بالتحرك؟، فضلا عن ذلك فنحن الدولة الوحيدة التى تسمح لأى شخص بتعلم القيادة فى الشارع.. أول درس فى قواعد المدرسة المصرية لقيادة السيارات «انزل سوق فى الزحمة».. والزحمة كفيلة بأن تعلمك و«تعلم على ١٠ سيارات أخرى على الأقل»، المهم أن تغلق النافذة جيدا حتى لا تسمع إشادات ممن أصابهم ارتباكك. أغرب المناظر التى يتميز بها الشارع هنا، هو «صديق السائق»، هو لا يختلف كثيرا عن «صديق البطل» فى الأفلام.. السائق فى الغالب يقود ميكروباصا، وصديقه فى الأعم توأم غير ملتصق يركب على شماله، نصفه على الكرسى ونصفه الآخر خارج السيارة، لكنه يحتضن بابها من باب الأمان، وما إن يخرج على أى كوبرى ويشم هوا الطريق السريع حتى يخرج سيجارة ويشعلها ويضعها فى فم صديقه كنوع من الـ«عادى يا جدعان» وتذكرة لكل الركاب إنه مقطع البطاقة وكده. الطرق فى مصر تزدحم بشدة فى أيام المدارس، خاصة بين السادسة والثامنة، وتزدحم بشدة حتى التاسعة بسبب الموظفين المتأخرين عن العمل، وتزدحم أيضا حتى الحادية عشرة بسبب طلاب الجامعات، وحتى الواحدة ظهرا تستقبل نوعيات جديدة هربت من أشغالها لإنهاء مصالح أو كانت تعمل فى المصالح وقررت التزويغ، ما بعد الواحدة هى مرحلة خروج المدارس والثانية إلى الرابعة مخصصة لخروج الموظفين، بعد ذلك ما بين طلاب الدروس الخصوصية والموظفين الذين يعملون فى فترات مسائية، والمواطنين الذين يقلبون عيشهم.. فى الحقيقة يا مونيكا اليوم كله مزدحم فى الشوارع.. حتى إن المواطن العادى، الذى تضطره الظروف للنزول لزيارة مريض أو الأهل أو حتى الفسحة، يسأل سؤالا منطقيا: «أنزل إمتى؟».
لم أحدثك يا مونيكا عن أخطر أنواع القيادة فى مصر.. وهى قيادة النساء.. أظن أننى سأكتب عنها فى خطاب لاحق.. إذا لم تصدمنى إحداهن.
خالص تحياتى
إيطاليا - بجوار محطة البنزين
شكرًا ساعى البريد