رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

محمد مرسى: أنا الرئيس لا كذب


ذات يوم بائس علينا وعلى مصر منذ عام إلا قليلا، جلس رجل على منصته ليقول بلسان الحال والمقال: أعلن أنا المستشار فاروق سلطان المشتوم من كل الإخوان فوز الدكتور محمد مرسى رئيساً للجمهورية، رفعت الأقلام وجفت الصحف، ثم بدأت رحلة المتحولين للهرولة نحو الرئيس الجديد،

الذى قال لسان حاله : أعلن أنا الدكتور محمد مرسى رئيس الجمهورية فوزى بمنصب لم يرد على بالى ولم يجر فى خيالى، أعلن أننى أنا الرئيس لا كذب، أنا الرئيس المنتخب، وبما أن ذلك كذلك فإننى أعلن تأميم جمهورية مصر العربية شركة مساهمة إخوانية، بعدها ستصير مصر شُعبة من شُعب الإخوان المسلمين، ثم ولاية فى دولة الخلافة الإخوانية المنتظرة .

أما منصب الخليفة فسيظل شاغراً إلى أن يحصل عليه الخليفة المقدس «خيرت الشاطر» وقتها سيكون محمد مرسى جالس على الكرسى أحد الولاة فى دولة الخلافة يرد عليه ما يرد على باقى الولاة، فمن الممكن أن يتعرض للعزل من قِبل الخليفة وفقاً لدستور دولة الخلافة الذى ستضعه جماعة الإخوان فى عهدها الجديد، ولكن ما هو شكل الدولة التى يرسم الإخوان معالمها منذ إعلان النتيجة حتى الآن، مصر التى مرت عليها تلك الشهور الحزينة، واقعة تحت حكم مجموعة من الطغاة البلداء الذين ليس لهم حس ولا مشاعر ولا قيم، بل حتى ولا دين، دولة الإخوان فى مصر هى دولة مركزية شمولية تقوم على التوسع فى آليات الرقابة على كل الأنشطة الإنسانية اجتماعية كانت أم اقتصادية أم إبداعية، ففيها حالياً الرقيب الأعلى للمطبوعات والرقيب الأعلى للفنون المرئية، وقد استقدم الإخوان هذا الرقيب وجعلوه وزيراً للثقافة من وادى المجاهيل، والمطلوب منه أن يفعل الذى كان يفعله فاروق حسنى مع مبارك، ولكن ستكون الجرعة عليه كبيرة لأن فاروق حسنى كان فناناً وهذا لا علاقة له بالفن، ولكن علاقته وثيقة بالفت، فقد فت ذات يوم فى صحيفة الإخوان فحق لهم أن يقلدوه وزيراً ورقيباً على المثقفين كلهم على كافة أشكالهم، وقريباً سيضاف إلى قائمة الرقباء الرقيب الأعلى لفنون «التصاوير» والفن التشكيلى، أضف إلى ذلك وجود رقيب على كل الأنشطة الاجتماعية المتنوعة، وسينشأ للمجالس الرقابية المختلفة المجلس الأعلى للرقابة وسيكون رئيسه هو السيد «محمود غزلان» حامى حمى الأخلاق المصرية والمانع الرسمى للأفكار الليبرالية والعلمانية والاشتراكية، ولأن لكل شىء رمزاً فسيكون رمز محمود غزلان هو «القفل دون المفتاح» القفل هو رمزه أما المفتاح فهو رمز فرعونى فيجب أن يتم إبادته وإلقاؤه فى البحر الأحمر .

فى دولة الإخوان المسلمين فى مصر ورئيسها محمد مرسى ستجد حتماً كما رأينا فى الشهور الماضية فهم الجماعة للدين وأفكارها هو المرجعية العليا للرقابة، وبطبيعة الحال وفقاً للجين الإخوانى الكامن فى جسم الإخوان فإننا رأينا على أرض الواقع أنه يستحيل على محمد مرسى أن يستقل فى قراراته عن «الجماعة» حيث إن مصلحتها هى الهدف الرئيسى، فطريقتهم الفكرية تقوم على أساس أن مصلحة الجماعة هى التى تحقق مصلحة مصر، ومصلحة الجماعة هى مصلحة الإسلام، والإسلام أشمل من الوطن، ولكننا طوال الشهور الماضية لم نر من الإخوان إسلاماً، بل رأينا تكفيراً وتخويناً، وكأن الله أعطى لهم توكيلا يكفرون به من يشاءون من عباد الله، وكشف لهم سرائر القلوب حتى يخوِّنوا من يريدون، فى الشهور الماضية عرفنا يقيناً أن هذه الجماعة جعلت من نفسها طبقة تظن أنها هى الطريق الوحيد إلى الله، والمكان الوحيد الذى سيطير أصحابه إلى الجنات، ولذلك يتحدثون وكأنهم أوصياء على البشر .

ولكنك عندما تبذل قصارى جهدك كى تعرف ما هو الإيمان الذى هم عليه، وما هى تلك الكهانة التى يتقربون بها لله، وهل يجوز أن تجعل طبقة من المسلمين من نفسها طبقة كهنة لا يستطيع أى مسلم أن يعرف ربه إلا من خلالهم، ولنا أن نبحث عن مقاصد الشريعة الحقيقية، أين هم منها، وأين هى منهم ؟ أين العدل فى دولة الأخ محمد مرسى مندوب جماعة الإخوان فى الرئاسة، هل مهد الإخوان له للعدل وليس لمرسى بطبيعة الحال طريقاً أو جعلوه منهجا لهم؟ حال الإخوان كمؤسسة حاكمة يدل على غير هذا فلا عدل ولا أمانة، لم يطبق الإخوان قواعد العدالة بينهم ونسوا حظاً مما ذكروا به، فهم يقرأون من القرآن «اعدلوا هو أقرب للتقوى» ولكن ما يقرأونه لا يجاوز تراقيهم، وأظن أن كل الخلافات التى حدثت داخل الجماعة كان سببها الظلم وتمييز أصحاب الحظوة وتقديم أصحاب الولاء على أصحاب الكفاءة، وليس أدل على ذلك من تجربتهم القصيرة فى الحكم، فحين بحثوا عن رئيس للوزراء بحثوا عن الذى يدين لهم بالولاء بغض النظر عن الكفاءة، وحين بحثوا عن وزير ثقافة لم يجدوا إلا من يقدم لهم فروض الولاء والطاعة، وحين بحثوا عن وزير للداخلية بحثوا عن الذى يبحث عن مصالحه لا مصالح مصر، لأن مصلحته ستكون معهم، وسيكون فى أيديهم كالخاتم فى الإصبع !! .

وأين الحرية فى حكم الإخوان ؟ لا تجد هذه الجماعة أى مختلف معها إلا شيطان رجيم حتى ولو كان من الرموز الوطنية الرائعة، وما فعلوه مع كل ممن اختلف معهم بدءاً من الذى كان فى تنظيمهم وانتهاءً بالبرادعى وحمدين وفؤاد جاد الله مستشار الرئيس القانونى، فما أن قال واحد من هؤلاء كلمة نقد ضد الإخوان حتى انهالت عليه أقلامهم بالتخوين والتحقير والتكفير وكأن لديهم جنود أمن مركزى على استعداد لعض كل مخالف طالما أشار لهم سيدهم بذلك دون أن يفهموا أو يعقلوا أو يميزوا، لا يعرف الإخوان حرية إبداء الرأى ولا تنوع الآراء والأفكار، بل يعرفون فقط اللون والواحد والحرف الواحد والوجه الواحد، وكأنهم دولة كبيرة تتكون من الريبوتات .

وأين حفظ الكرامة فى حكم الإخوان ؟ تلك الكرامة التى قال الله سبحانه عنها « ولقد كرمنا بنى آدم » فهل يحفظ الإخوان كرامة الناس وهم ينظرون إليهم عند الاختلاف فى الرأى ويقولون لهم «نحن أسيادكم» فيتصورون أنهم السادة وباقى الناس عبيد إحساناتهم .

وأين وأين وأين، لا أرانى مغاليا لو قلت إن الإخوان لا يسعون أبداً ولم يسعوا إلى إقامة دولة تنشد مقاصد الإسلام، ولكنهم يسعون فقط لإقامة دولة إخوانية تمهيداً لإقامة خلافة إخوانية على نهج حكم الأسر، فإذا سأل الإخوان : أين دولة الخلافة ؟ فما علينا إلا أن نقول لهم : تعالوا ونحن نقول لكم ؟.