رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخاطفون تركوا الجنود.. وماذا عن سيناء؟


وجدنا الخاطفين الذين خاف مرسى على دمائهم وحياتهم يتركون الجنود حتى يصلوا إلى الوسطاء ليسلموهم إلى القوات المسلحة، ولا نعلم إذا كان التسليم قد تم بلا شروط، فلماذا كان الاختطاف؟ ولماذا كانت الشروط والطلبات للإفراج عن الإرهابيين؟ هل هى مسرحية يتسلى بها الخاطفون؟

سيناء أرض الفيروز، البوابة الشرقية للوطن التى شاهدت وشهدت انتصارات وانكسارات الوطن عبر التاريخ، سيناء التى احتوت وأوت الشعب اليهودى عند الخروج وهى التى على أرضها تسلم موسى عهدى الشريعة وعند نزوله إليهم وجدهم يعبدون العجل لأنهم شعب غليظ الرقبة كما قالت عنهم توراتهم، سيناء التى شهدت رحلة العائلة المقدسة عند مجيئها إلى مصر حماية من هيرودس، سيناء اختطفت فى حرب فلسطين 1948 اختطافا جزئيا وتم اختطافها 1967 اختطافا كليا وعندما عادت فى أبريل 1982 عادت شكلياً.

نعم سيناء لها ظروفها الجغرافية الخاصة ومشاكلها التى لا يعرفها غير سكانها، لها تاريخها الذاتى ومازالت تتمسك بعاداتها وتقاليدها وأعرافها البدوية وثقافتها الخاصة، فاستحسنت الأنظمة الكسولة ذلك واستلمحت الأنظمة الفاشلة هذا فمنذ تحريرها لم نجد وعدا تحقق ولا فعلا مورس لاحتواء ودمج هذا الجزء العزيز من الوطن، فلم نجد غير الشعارات والأغانى الفارغة التى تدغدغ المشاعر كالحرث فى الماء، أو كأنه الكلام الساكت، فقد تم التعامل ومازال مع المصريين فى سيناء على أنهم شعب ملحق بالوطن فلا التزام ولا حقوق ولا معاملة، السيناوى يأتى إلى القاهرة بمراسم الأجنبى بلا احترام، فلا حق لأهل سيناء فى أن يكون منهم ضابط أو مستشار أو من هو فى أى جهاز سيادى، لا خدمة ولا تنمية، فكان من الطبيعى أن تتكرس حالة من الاغتراب النفسى والجسدى عن الوطن، فى مقابل علاقات ومعاملات مع العدو الصهيونى فرضت قهراً بعامل الاحتلال وطوعا بعامل الاغتراب.

ولذا وعلى ذلك كان طبيعيا أن يتم استغلال هذه المنطقة بمواصفاتها الجغرافية وإهمالها سياسيا وتعثرها اقتصاديا من قبل الجماعات الجهادية من مصر وخارجها «حماس» وغزة قربا و«طالبان» و«القاعدة» فى أفغانستان بعداً.

فكانت العمليات الإرهابية فى طابا 2004 وشرم الشيخ 2005 ودهب 2006، وكلها فى أعياد قومية ووطنية مثل ذكرى تحرير سيناء وذكرى ثورة يوليو وهذه رسائل لها مغزى، فى الوقت الذى لم يظهر فيه النظام غير الورقة الأمنية ليس فى مواجهة الإرهاب فقط ولكن فى مواجهة أهل سيناء جميعهم، وكانت يناير 2011، وتم اقتحام السجون وتهريب الأهل والعشيرة من هم من مصر ومن غزة وحزب الله، فكانت سيناء ملاذاً ومسرحاً لعملياتهم التى تمهد وتعد المسرح لإعلان دولة الخلافة.

فوجدنا حاملى الأعلام السوداء وصور بن لادن، عم الهجوم والاستيلاء على قسم أول العريش وقتل ضباطه وجنوده واحتلاله بل إعلان سيناء إمارة إسلامية وكان كل هذا يحمل رسائل عدة ومتعددة، ناهيك عن تفجير خط الغاز مع إسرائيل عشرات المرات ذراً للرماد فى العيون، حيث إنه بعد وصول الإخوان لم يتم التفجير بعد ذلك، وزاد الطين بلة فبعد وصول مرسى إلى موقع مندوب للإخوان فى الاتحادية فقد صدرت له التعليمات بأن يصدر قرار عفو عن الأهل والعشيرة من الإرهابيين الذين كانوا فى السجون سواء رداً لجميل المساندة فى الانتخابات أو نظرا للعشرة داخل السجون، الشيء الذى حول سيناء إلى مرتع للإرهاب بمن كانوا وبمن لحقهم بإفراج مرسى، خاصة أن هناك معلومات عن مشاركة بعض من المفرج عنهم فى عمليات إرهابية، ولذا كان من الطبيعى على ذلك وبعد وصول مرسى أن تتم عملية قتل جنودنا الستة عشر فى رفح وفى توقيت يدل دلالة قاطعة على أن هؤلاء يتعاملون مع الدين والإسلام من باب المصلحة والتقية، فوجدنا مرسى يأخذ دور القائد العسكرى الذى يعلن الجهاد ضد القتلة ويعد بضبطهم ومحاكمتهم، بل قال إنه سيحرر سيناء من أمثالهم.

وكعادته لم نجد شيئا من هذا قد حدث، فعملية «نسر» قيل إنها توقفت بناء على تعليمات مرسى حتى لا تتم ملاحقة الأهل والعشيرة، ثم وجدنا من الطبيعى أن يتم خطف الجنود السبعة وأن يتم تركهم ولا أقول هنا تحريرهم، فالتحرير يعنى مواجهة بين الخاطف والمحرر، وهذا لم يحدث، فقد وجدنا الخاطفين الذين خاف مرسى على دمائهم وحياتهم يتركون الجنود حتى يصلوا إلى الوسطاء ليسلموهم إلى القوات المسلحة، ولا نعلم إذا كان التسليم قد تم بلا شروط، فلماذا كان الاختطاف؟ ولماذا كانت الشروط والطلبات للإفراج عن الإرهابيين؟ هل هى مسرحية يتسلى بها الخاطفون؟ وإذا كانت عملية الخطف قد مثلت صفعة على وجه الوطن وهزة لهيبته خاصة بعد إعلان الفيديو المهين للجنود، فهل مقابل ذلك أن نكتفى بأن نجعلهم يتركون الجنود ولا يتم القبض عليهم ومحاكمتهم؟ خاصة أن وزير الداخلية قد أعلن والرئاسة بأنهم يعرفون الخاطفين بالاسم والمكان، فلماذا لا يتم القبض عليهم؟ أم أن الصفقة كانت تحتم ذلك؟ الأهم نعم قد عاد الجنود وهذا فى حد ذاته جميل من حيث الجانب الإنسانى لهم ولأهاليهم، ولكن هذا لا يكفى ولا يعيد هيبة الوطن ولا كرامة الدولة، فمتى نعيد سيناء إلى الوطن كجزء أصيل وأساسى منه؟ سيناء الآن مختطفة من قبل الجماعات الإرهابية الجهادية، تفعل ما تريد وعملية خطف الجنود وتركهم حتى ولو دون مقابل فهذه رسالة خطيرة تقول إنهم يستطيعون أن يفعلوا ما يريدون، وأنه يمكن تكرار هذه العملية، سيناء مختطفة بكم الأسلحة والصواريخ المضادة للطائرات والمدافع والمدرعات هذه أسلحة جيوش نظامية وليست أسلحة لأفراد أو لتنظيمات، فمن الذى جاء بهذه الترسانات؟ وستستعمل ضد من؟ هل ضد إسرائيل وهذا يعنى أنهم قد أصبحوا دولة داخل الدولة فهم قادرون على إعلان الحرب ضد إسرائيل؟ أم أن هذه لعبة مكشوفة فلم يتم قتل أو خطف إسرائيلى ولكن يتم هذا مع الجيش المصرى، فهل هذا السلاح أعد لمواجهة جيش مصر ولصالح من؟ وهل علاقة الأهل والعشيرة بين الجهاديين والإخوان، والجمايل بينهما والاستراتيجية التى تجمعهما جعلت الإخوان ومرسى يخاف على دماء الخاطفين، ويفرج على المحبوسين؟ وفى هذا أين سيناء وأمنها والأمن القومى المصرى؟ وما علاقة إسرائيل بما يتم؟ لاشك أن ما يحدث فى سيناء والترسانات الموجودة بها لا تعنى إسرائيل ولا يخيفها لأنها تعلم أن ما يتم هو ضد الأمن القومى المصرى الذى هو فى صالحها، نعم صرح مرسى بأن العمليات ستستمر فى سيناء للقبض على الإرهابيين ولتطهير سيناء من البؤر الإجرامية.

نعم هذا جميل ومعك فى هذا، ولكن لننتظر فحتى الآن لا يثق الشعب فى وعود لم تنفذ، فهل هذا وعد كسابقيه؟ نقول الأمن القومى وسلامة الوطن لا يحتمل هذا الهزل وتلك المراوغة، سيناء لن تعود إلا بعد تحريرها من الإرهاب ليتم تنميتها وربطها بالوطن، نعود، بعدها يشعر المواطن هناك أنه مصرى له كل الحقوق وعليه كل الواجبات، فهل يعى الإخوان هذا؟ أم أنهم لديهم سعيهم الخاص لدولتهم الخاصة التى للأهل والعشيرة؟ المصريون لن يقبلوا غير مصر لكل المصريين فالثورة بدأت والنضال دائم والقطار تحرك ومن لا يسرع بركوبه سيدهسه لا محالة.

■ كاتب سياسى وبرلمانى سابق