رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أشرف عبد الشافي يكتب: هشام جنينة فى جزر البهاما


لو أن جماعة الإخوان الإرهابية وتنظيمها الدولى استأجرت خبيرًا عالميًا لتشويه مصر ونظامها فى هذا التوقيت ما كان توصل إلى تدبير جريمة «شوارع» بحق المستشار الجليل هشام جنينة، فكيف يمكنك أن تقترب من الرجل الذى اختار معسكرهم وانحاز إليه والدماء تسيل منه؟ كيف يمكن انتقاد رجل مهيب يتعرض للضرب أمام أهل بيته؟ وكيف تنجو من اتهامات بالتطبيل والعمالة للنظام إن قلت شيئًا غير «لا حول ولا قوة إلا بالله» وتصعّبت على حال البلد الذى يقتل معارضيه؟!

هكذا قلت لنفسى وأنا أفكر فى الأمر، فقد كنت بصدد تجهيز ملف عن «يوسف ندا» الذى تجرأ فى «يناير ٢٠١٨» وظهر على الهواء مباشرة ليفرض شروط جماعته الإرهابية مقابل التصويت لسامى عنان فور اعتزامه الترشح للانتخابات الرئاسية، فالوقاحة التى جعلت زعيم مافيا إرهابيًا يتحدث عن انتخابات مصر ويعلن صفقة رخيصة مع أحد المرشحين، صدمة كبيرة لمن يعرف «يوسف ندا» ملياردير الظل الذى يدير عصابة الإخوان فى الخارج، ويحرس لهم ثرواتهم فى البنوك العالمية، وعودته للظهور تستوجب ملفًا يكشف بعض غموض ملياردير التنظيم، وبالطبع كان الملف سيتوقف طويلًا أمام موقف المستشار هشام جنينة الذى اختاره سامى عنان نائبًا أول له، وهو الاختيار الذى يؤكد أن سيادة المستشار اقترب من الجماعة وتواصل مع قياداتها فى الخارج فور خروجه من منصبه، فى واقعة شهيرة وغامضة المعلومات حتى الآن، فما قيل وقتها إن الرجل أُطيح به لأنه كشف فساد الكبار!، وتم ترويج هذا المعنى دون أن يمتلك أى شخص على ظهر الأرض معلومات واضحة ومحددة عن هذا السر الكبير الذى احتفظ به فى قلبه منذ إعفائه من منصبه.

اليمين والشمال والوسط تعاطف مع المستشار الذى ظهر كشهيد للنُبل والنزاهة، وكنت واحدًا ممن يترقبون تلك اللحظة التى يخرج فيها سيادة المستشار ليكشف عما جرى وراء الكواليس، لكنه انشغل بأمرين لا ثالث لهما، الأول: رفع الدعاوى القضائية لعودته لمنصبه، والثانى: مد حبال الود والمحبة للجماعة التى تبرأ منها مع ثورة ٣٠ يونيو، رافضًا وصفها بالانقلاب، وموجهًا طعنة إلى قلب معزولها وأنصاره، فقد جاء به مرسى فى سبتمبر ٢٠١٢ رئيسًا للجهاز المركزى للمحاسبات لمدة ٤ سنوات، وتلك ثقة كبيرة جعلت عصابة الإخوان تضعه على رأس أهم جهاز رقابى على السلطة التنفيذية فى مصر، وظل فى منصبه حتى صدر قرار بإعفائه من منصبه فى مارس ٢٠١٦، بعد تصريحات مثيرة عن تكلفة الفساد التى قال إنها وصلت لـ٦٠٠ مليار جنيه فى مصر خلال ثلاث سنوات، وهذا رقم مفزع دفع السيسى إلى تشكيل لجنة حكومية للتأكد من صحته، وقالت اللجنة إن تصريحات جنينة «مُضللة»، وإن المبالغة فيها مقصودة لإثارة القلق والفوضى، وقالت نيابة أمن الدولة العليا إن المستشار هشام جنينة قام بجمع المستندات والتقارير والمعلومات والاحتفاظ بصورها وبعض أصولها، مستغلًا صلاحيات منصبه، ولاحقًا، شدّد جنينة على أنه يحتفظ لنفسه بحق الرد على كل بند من بنود تقرير اللجنة، وبكل أسف ما زال الرجل- قبل الضرب وبعده- يحتفظ لنفسه بما لا يجوز معه «الاحتفاظ» أو الصمت، مكتفيًا بالدعاوى القضائية ضد قرار إعفائه من منصبه!.

قبل واقعة الضرب كان يمكننى اتهام الرجل بالتضليل والتدليس على الشعب، فكيف يحتفظ لنفسه بما هو حق للناس فى معرفة الفساد والفاسدين فى أرض المحروسة؟!، وقبل واقعة الضرب كان يمكننى بكل بساطة أن أراه جزءًا أصيلًا من مؤامرات الإخوان بعد قبوله المشاركة فى لعبة «كيد سياسى» متعددة الأغراض والأهداف والميول الشخصية، تديرها وتشرف عليها جماعة الإخوان بأموال جزر البهاما، وقبل واقعة الضرب كان يمكننى القول بأن «النبلاء» وأصحاب الأسرار الكبرى لا يتصارعون على منصب ولا يتعفرون بتراب المصالح، يعتكف بعضهم فى بيته لكتابة مذكراته أو ينعزل بعضهم عن مجتمع فاسد يهوى تلويث السمعة وتشويه الشرفاء، هذا ما أعرفه عن فكرة الإنسان «النبيل»، أما أن تمد حبال الود مع جماعة إرهابية تموّل القتل والتخريب فى مصر على مرأى العالم كله، فأنت «خائن» أو انتهازى على أقل تقدير، فاستغلال واقعة «ظلم وافتراء» للبحث عن مكاسب صغيرة أو كبيرة لا يصلح معه تعبير آخر.

قبل واقعة الضرب والإهانة فى الشارع كان يمكننى اتهامه بالمشاركة فى أكبر عملية غسل أموال، بوضع يده فى يد «يوسف ندا»، وقبول شروطه أو حتى الصمت حيالها، فالشائع أن المستشار الجليل كان شهيد مؤامرة فساد، و«يوسف ندا» الذى كان سيصبح «عرّاب» عنان وجنينة، ما هو إلا زعيم مافيا، يعيش كملياردير متنقلًا بين عواصم أوروبية مثل زعماء العصابات، فقد اختار «يوسف ندا» جزر البهاما مقرًا لمؤسسة مصرفية ضخمة تتمتع بسمعة عظيمة وشهرة واسعة فى كل دول العالم بمهمة «غسل الأموال»، وظهر اسم «جزر البهاما» كمكان مشبوه تستثمر فيه قيادات الجماعات الإسلامية أموالها فى فيلم «كشف المستور» للراحل عاطف الطيب، ولم أكن أعرف وقتها (١٩٩٤) أن المعلومة حقيقية، وأن هذا الفنان العظيم كان يُقدم رسالة موجهة من المؤلف «وحيد حامد» إلى جيلنا الصغير كى نبحث ونعرف حقيقة هؤلاء الذين انتشروا فى شوارعنا منذ الثمانينيات بالنقاب والجلباب، وحتى نسأل عن مصدر الأموال التى ظلت تنمو وتترعرع وتعود مغسولة من وقتها حتى الآن؟.

و«جزر البهاما» ليست خيالًا فنيًا لكنها واقع يشرف عليه ويديره رجل الظل «يوسف ندا»، الذى اختارها من بين ألف جزيرة تقع جنوب المحيط الأطلسى بالقرب من ساحل أمريكا الجنوبى، لأنها تتيح العمل بنظام «الأوف شور»، أو عدم الرقابة الحكومية فى العمليات المصرفية والاستثمارية، وقد اشتهرت بهذا النظام وأصبحت مقرًا لكل عمليات غسل الأموال فى العالم، ويعتبرها رجال الاقتصاد واحدة من أهم الجزر التى نشأ بها «البغول» أو كبار مهربى المخدرات.

قبل واقعة الاعتداء الخسيس كان يمكننى أن أنزع عنه ثوب العفة وأطالبه- وهو عنوان النزاهة- بالانتفاض وإعلان التبرؤ من سيناريو «يوسف ندا»، صاحب أكبر عمليات غسل أموال، لكننى مضطر لوصفه بـ«النبيل العفيف الشريف»، كما يجب علىّ أن أقول وهو يظهر «مسحسح فى دمه» مستباح الهيبة أمام أهل بيته، لقد تحصن تمامًا، ومن الخسة والندالة الاقتراب منه، والواجب يقتضى أن تراه ضحية نظام يستهدف معارضيه وينكّل بهم، وما دون ذلك تطبيل وتدليس!.

ألم أقل لك إن جهابذة الإخوان كانوا سيعجزون عن التفكير فى سيناريو على هذا النحو من الدقة والتحصين، وإن التفكير فى ملف عن «يوسف ندا»- الآن- يشبه عملية الانتحار!