رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وجوه المسيح.. الصينيون صوروه ضيق العينين وقصير القامة.. والأفارقة رأوه ضخمًا مفتول العضلات.. وأديرة فى مصر تصوره كبير الجبهة ونحيف الوجه

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

طالما كانت هيئة السيد المسيح محل مناقشات ساخنة منذ قرون عديدة، ولا تزال تثير جدلًا حتى يومنا هذا، فكل ثقافة ترى صورة المسيح بحسب أفكارها ومعتقداتها، فيتخيله الصينى ضيق العينين وقصير القامة، بينما يراه الزنجى أسمر ومفتول العضلات، بما يؤكد أن المسيح ليس حكرًا على ثقافة واحدة ولا ملكًا لأصحاب شكل ما دون غيرهم. وظهرت صور مختلفة، شكلت تصورًا لهيئة المسيح فى جميع أنحاء العالم، من بينها من اعتمد على الأساطير لتجسيد ميلاده طفلًا صغيرًا ملفوفًا فى قطعة قماش، مرورًا بكل مراحله العمرية. ويتصور ذوو البشرة البيضاء المسيح بأنه شخص أبيض البشرة يحمل ملامح ملائكية، فيما رفض ذوو البشرة الداكنة الاعتراف بتلك الصورة، ما دفعهم إلى تصور هيئة جديدة للمسيح، حملت ملامح البشرة الداكنة والشعر المجعد وبنية الجسم الضخمة، وذلك حتى يشعر التابعون بأنه لا يختلف عنهم كثيرًا إنما هو فرد منهم. تطرقت صحيفة «فوروس دى لا بيرخين» الإسبانية إلى إحدى النقاط الجدلية حول هيئة المسيح التى كان على رأسها «ماذا لو كان المسيح فى الأصل أسود البشرة؟» معتبرة أن ما نشرة الأوروبيون من هيئة للمسيح تعكس ملامح السلالة القوقازية من شعر أشقر وبشرة بيضاء وعينين زرقاوين، ما هو إلا خيالات لا أساس لها من الصحة. وعلى الرغم من أن جنسية السيد المسيح محل جدل بالنسبة لأصحاب الأديان الإبراهيمية، إلا العهد الجديد بالكتاب المقدس، يخبر بأن المسيح يهودى الأصل، وتتسم الطائفة اليهودية بالتنوع العرقى والشكلى، فيوجد أناس يحملون مختلف أنواع البشرة والملامح. وهذا ما أثار السؤال السابق لدى البعض.. لماذا أجزمنا بأن المسيح له بشرة بيضاء وأصبحت الصورة الأشهر له أبيض البشرة؟ هذا التسليم رفضته الثقافات المختلفة حول العالم ما دفعهم الى تصور المسيح وفقًا لطبيعتهم العرقية والثقافية، بدءًا من ملامح البشرة وحتى الملابس التى يرتديها. واحدة من أشهر تلك التصورات للسيد المسيح أسود البشرة كانت هيئة «سكيبولاس» التى صورت يسوع المصلوب فى أمريكا الوسطى، ووجدت فى كنيسة إسكيبولاس فى المدينة التى تحمل نفس الاسم فى جواتيمالا. كذلك من أشهر التصورات المؤيدة لهيئة المسيح أسود البشرة كانت صورة المسيح فى «مانيلا» عاصمة الفلبين، وكانت أحد تصميمات نجار ميكسيكى مجهول نجح فى تقديم نموذج يصور المسيح فى هيئة رجل أسود البشرة فى عام ١٦٠٦. وكانت الثقافات الإفريقية هى من أوائل الثقافات، التى سعت نحو ترسيخ فكرة المسيح ذى البشرة الداكنة لإظهار العرق الإفريقى، حيث السمات الشكلية والصفات البيولوجية الأصلية للسكان بإفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى.
وفى هذا الإطار، يقول مينا كامل أسعد، أستاذ اللاهوت الدفاعى، إن الفن فى واحد من تعريفاته هو تجسيد للواقع والمجتمع، وكل فنان يتأثر ببيئته ومحيط مجتمعه والثقافة القادم منها، والتى شكلت جزءًا من وجدانه، وتترك سماتها على فنه، سواء كان لوحة أو مقطوعة موسيقية أو لحنًا.
لهذا فمحاولة رسم السيد المسيح بشكل مختلف لا يقلل من العقيدة فى شىء، بل هو إثبات أن المسيحيين حول العالم يعتبرون أن المسيح هو قريب لهم وجزء من ثقافتهم الخاصة.
وقال أستاذ التاريخ الكنسى، شريف مرقس، إن الرسالة المسيحية هى رسالة محبة، وإذا كان رسم الصور للسيد المسيح جاء ليصور يسوع القريب المحب للبشر فلا مشكلة فيها، مضيفًا أنه على مدار القرون المختلفة للمسيحية تأثرت الصور والأشكال واختلفت حتى فى البلدة الواحدة، فعلى سبيل المثال فى مصر يوجد فى بعض الأديرة التى بنيت فى العصور الرومانية صور للمسيح واسع العينين وكبير الجبهة ونحيف الوجه، كما فى الفن الرومانى، وتأثر أيضًا الفن القبطى، فرسم المسيح بشكل أكثر جدية عما هو عليه الآن، ما يعنى أن الفنون هى وليدة عصرها، ولا تنبع من الثقافة التاريخية فقط، لكن بالظروف البيئية والتوقيت الزمنى.