رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شريف شعبان: الفراعنة شرحوا بالصور آيات من القرآن الكريم

جريدة الدستور

لعل تناول فكرة الجحيم في تاريخ الفنون من أمتع وأكثر الموضواعات ثراءً، ربما فهي الفكرة التي يعتمد عليها رجال الدين عبر العصور وفي كل عقيدة في السيطرة على فكر العامة وإخضاعهم بالترهيب، وبالتالي تعتبر مناظر الجحيم هي أدواتهم في نشر تلك الفكرة على نطاق كبير، ولكن هل يتشابه الجحيم بما ورد في المقابر الفرعونية مع الديانات؟

ومن منطلق أن «أهل مكة أدرى بشعابها»، فقد توجهت «الدستور» للدكتور شريف شعبان، الكاتب والخبير في الآثار المصرية القديمة، وتاريخ الفن والمحاضر في كلية الآثار جامعة القاهرة.

وقال الدكتور شريف شعبان، إن الجحيم وفلسفة العالم الآخر تتبلور في مصر القديمة، حيث اهتمت الحضارة المصرية القديمة منذ بداياتها بفكرة العالم الآخر ومعبوداته ومكوناته، واهتم المصري القديم بمصيره بعد الموت وما يمكن أن يلاقيه من أهوال، ولقد تبارى الفنان المصري القديم في تصوير تلك الفكرة من خلال تصويره للكتب الدينية المختلفة، والتي تتناول العالم الآخر على جدران مقابر ملوك الدولة الحديثة في وادي الملوك، حيث ظهرت مناظر المعذبين والعصاه مصورة ضمن تفاصيل كتابي البوابات والكهوف على جدران مقابر ملوك الدولة الحديثة مثل سيتي الأول ورمسيس السادس وتحتمس الثالث وتاوسرت وست نخت وحور محب.

وتابع شعبان: «قد يعتلينا الذهول عندما نرى الفراعنة وقد شرحوا بالصورة على جدران مناظرهم آيات من القرآن الكريم، فنرى على جدران مقبرة الملك رمسيس السادس قلوب المعذبين ملقى بها في أفران ضخمة تماشيًا مع قوله تعالى: ﴿نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ ◌الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ◌ إنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ ◌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَةٍ﴾»، مضيفا أننا نرى نفس التشابه الكبير في مقبرة سيتي الأول، حيث منظر لبحيرة النار مأوى الخطاة، حيث يفر منها الطيور عندما ترى نارها ومياهها الدموية وتشم رائحة التعفن الخارجة منها. وتصور بحيرة النار بمجموعة من القردة تحرس شواطئها يمثلون القضاة الذين يقررون من يدخل إلى الأماكن المقدسة بالغرب ومن يلقى به إلى زبانية الجحيم، وهو ما يأتي متوافقًا مع قوله تعالى بسورة الكهف: ﴿إنا اعتدنا للظالمين نارًا أحاط بهم سرادقها﴾.

وأضاف شعبان، أن الفنان المسلم سار على نفس النهج في تمثيل الآخرة، رغم اختلاف الآراء الفقهية وموقفها من التصوير، ما بين التحريم والإباحة النسبية والإباحة الكاملة، فإن الفنان المسلم في القرن الخامس عشر تخطى كل مراحل الجرأة وقام برسم رحلة المعراج في مخطوطات غاية في الروعة أطلق عليها «معراج نامة» محفوظة أغلبها في المكتبة الوطنية بباريس، وتصف بالشكل رحلة المصطفى عليه الصلاة والسلام، حيث يركب البراق ويرى مجموعة من الخطاة والعصاه معلقين من أجسادهم وأسفلهم النار تأكلها بينما يقف زبانية الجحيم يحرسونها في غلظة.

وأشار شعبان، إلى أنه ما يجعل دهشتنا تتزايد عندما نرى نفس الفكرة في ظهور الزانيات والعصاه معلقين من أجسادهم، مصورة بنفس الأسلوب على جدران كنائس العصور الوسطى ولوحاتها، مثل ما قام به الفنان جيوتو في كنيسة آرينا بشمالي إيطاليا من تمثيل المعذبين والخطاة على يسار المسيح، وهم ينالون أشد صنوف العذاب.