رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يعصف الربيع الفارسى بالملالى؟


تدور الأيام والأعوام، وبعد سبع سنوات من التشجيع الإيرانى لأحداث يناير ٢٠١١ فى مصر والوطن العربى، وترحيب على خامنئى بالربيع العربى، ينطلق الربيع الإيرانى بنفس المطالب ونفس السيناريو، ونفس الهتافات. سبع سنوات ظل النظام الإيرانى يملك القرار أو يحركه فى لبنان وسوريا والعراق واليمن وليبيا.
مرت السنوات وانطلق الإيرانيون فى مدينة مشهر بإقليم خراسان على الحدود الأفغانية وبعض المدن أو المناطق التى يقطنها الأهواز العرب. جاءت هذه المظاهرات لتنذر بتغيير النظام الإيرانى، تغير سيصل إلى تغيير استراتيجية النظام الإيرانى فى المنطقة الشرق أوسطية، فسيضطر إلى مواجهة أزماته الاقتصادية الداخلية ومحاولة حلها، وبدلًا من ضخ أمواله لتمويل الإرهاب، سيضطر إلى ضخها إلى الداخل، لمواجهة نسبة بطالة وصلت إلى ١٢٪. المراقبون يؤكدون أن هناك فرقًا كبيرًا بين ما يحدث الآن فى أكثر من ثمانين مدينة لا علاقة له بالثورة الخضراء التى وقعت أحداثها عام ٢٠٠٩ ضد الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، ولكن هذه المظاهرات أيًا كان من يحركها، إنما اندلعت تحديدًا ضد حسن روحانى الذى وعد شعبه برفع العقوبات بعد التوقيع على اتفاق ٥+١ ومع ذلك تم توقيع الاتفاق، ولم ينعم الشعب الإيرانى بالرخاء، بل على العكس عانى مزيدًا من القمع. الزعيم الروحى الإيرانى يقول اليوم إنه فى أحداث الأيام الأخيرة اتحد الأعداء مستخدمين وسائلهم: المال والأسلحة وأجهزة الأمن لإثارة مشكلات للنظام الإسلامى.. تذكر خامنئى أخيرًا أن إيران التى تمسك بخيوط القرار فى سوريا والعراق ولبنان واليمن وحتى شمال إفريقيا كما يقول هو، قد جاء الوقت لتتفكك خيوط الداخل لديها والذى يشهد فيه الملالى من شرفات منازلهم صور الخمينى وآيات الله، وهى تحرق فوق الأعمدة ولأول مرة بعد هتافات التأييد فى ٢٠٠٩ يسمع روحانى وخامنئى هتافات لا للديكتاتور ولا غزة ولا لبنان أرواحنا فداء لإيران «ولا نريد الجمهورية الإسلامية». إيران الآن تمنع وسائل التواصل الاجتماعى، وتغلق محطات مترو الأنفاق وسط المدينة لدواعٍ أمنية، ولمنع تدفق المحتجين إلى محيط جامعة طهران والنظام يستنفر طلبته المؤيدين لهم للهجوم على الطلبة المحتجين.. الطلبة يناشدون الشرطة والجيش حمايتهم.. سيارات تدهس المتظاهرين.. مدن بعيدة مثل ساوة وزنجان تحتج.. الحرس الثورى يقتل متظاهرين فى درود بغرب إيران ومدينة غرام أباد الغربية.. سيناريو يذكر بنفس الملامح ونفس الأحداث بيناير ٢٠١١ فى مصر وتونس بعدها سوريا وليبيا واليمن.. السيناريو يتكرر ويدخل الرئيس الأمريكى على الخط، ليعلق على المظاهرات فى إيران، بأن سكان هذا البلد يريدون التغيير ومؤكدًا أن الأنظمة القمعية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، ونشر ترامب على تويتر مقطعًا من خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة فى سبتمبر هاجم فيه النظام الإيرانى، وجاء فيه أن الأنظمة القمعية لا يمكن أن تستمر إلى الأبد، وسيأتى يوم يختار فيه الشعب الإيرانى.. وتصف هيذر نويرت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية إيران بأنها «دولة مارقة مستنزفة اقتصاديًا تقوم صادراتها الأساسية على العنف وسفك الدماء والفوضى».. فيما يجدد وزير الخارجية الأمريكى ريكس تيلرسون، دعمه لما وصفه بعناصر داخل إيران تسعى إلى انتقال سلمى للسلطة.. ويسبق ذلك ترامب أيضًا، فيرفض التصديق الدورى على الاتفاق النووى ويضع الحرس الثورى على قائمة الإرهاب لأول مرة فى أمريكا، وفى ٢٣ أكتوبر يقول ترامب عبر تغريدة له على تويتر «لن ننسى حزب الله.. الموقف الأمريكى من إيران معلن ومعروف، والدعم لما يحدث واضح والثأر بين أمريكا وإيران يعود لفترات طويلة، والمخابرات الأمريكية التى صنعت الخمينى ونظامه تعود اليوم لإسقاطه. الولايات المتحدة تعتبر إيران أحد أسباب فشل المشروع الأمريكى فى تقسيم العراق، وأنها تحولت من جار للعراق إلى صاحبة قرار، وأن ميليشيات الحشد الشعبى المدعومة من الحرس الثورى، كانت أحد أسباب سقوط تنظيم داعش الذى تدعى أمريكا محاربته وهى صانعته». الولايات المتحدة لا تنسى أن لدى إيران جيشًا قويًا، وأن قوات الحرس الثورى تشكل إزعاجًا لأهدافها فى الشرق الأوسط وتهديدًا لأمن إسرائيل.. وتقف الولايات المتحدة لدعم ما يحدث داخل إيران، ساعدها فى ذلك ما يحدث فى الداخل الإيرانى. فالنظام انتهج سياسة القمع والتضييق والتمييز، وقمعت الحكومة الإيرانية كل الأصوات التى تعارضها فى الداخل، واغتالت الكثيرين فى الخارج.. النظام الإيرانى حول المواطن الإيرانى من داعم إلى مناهض له، بعد أن رأى أن كل المليارات التى حصلتها إيران من ثرواتها، تتبعثر فى سماء المملكة العربية السعودية، على شكل صواريخ بالستية يطلقها الحوثى على مطار الرياض أو قصور الأمراء أو يراها أموالًا يفتخر حسن نصر الله أمين عام حزب الله اللبنانى بقوله إنه ما دام لدى إيران أموال فلدينا أيضًا، أو يراها فى شكل متفجرات أو أحزمة مفخخة ترسل لتزعزع الوضع فى البحرين.. يرى المواطن الإيرانى أيضًا جواز سفره ممنوعًا فى أغلب الدول ومثيرًا للشكوك فى دول أخرى، ويرى دخوله إلى الولايات المتحدة محظورًا بقرار من ترامب، وهو أيضًا ما نال من كرامته وأثر بشكل سلبى على الفرص الاقتصادية والعلمية والترفيهية. سياسة إيران ضد السعودية والمتمثلة فى دعم الحوثى فى الصراع اليمنى، أدت بولى العهد السعودى إلى تهديده بنقل الأحداث إلى طهران، ردًا على إطلاق الحوثيين صواريخ بالستية على الرياض.. إيران أيضًا تثير قلق الجميع بمحاولات السيطرة على باب المندب، وبمحاولاتها نشر التشيّع فى دول كثيرة بدءًا من مصر إلى ليبيا، إلى الشمال الإفريقى كله. عوامل كثيرة أدت إلى وقوف الغالبية ضد النظام الإيرانى والدعم الإعلامى أو السياسى لما يحدث داخل إيران، ولكن الأهم هل تواصل الولايات المتحدة وحلفاؤها دعم التغيير، أم أنها محاولة لتحجيم النظام الإيرانى ولفت نظره إلى عدم تعديه مناطق نفوذه المسموح بها، وأن يتناسى حلمه بالهلال الشيعى؟ وهل تنتهى الأحداث بسقوط النظام وخروج الملالى مطرودين أو حاملين ثرواتهم إلى بلاد أخرى وحلول نظام جديد ربما يسعى إلى تنفيذ سياسات جديدة أو يهتم بالداخل الإيرانى؟، وهو ما سوف يغير دون شك ملامح الخريطة الإقليمية، ففيلق القدس الداعم للجيش السورى قد يعود، والوضع فى العراق لا بد أنه سيتأثر، وربما تؤدى الأحداث إلى خفوت نجم حزب الله، وإلى انهيار الحوثيين فى اليمن.. وتوقف الدعم لجماعات إرهابية عديدة.. المستفيدون من سقوط النظام الإيرانى كثيرون أولهم الشعب الإيرانى نفسه والمضارون أيضًا كثيرون، ولكن ما يحدث فى إيران حاليًا لا شك سيترك تأثيرًا كبيرًا على أحداث الشرق الأوسط سواء سقط الملالى أو تعلموا الدرس. فالمنطقة حبلى بأحداث جديدة بدأت مع عام ٢٠١٨ وربما تستمر لأعوام أخرى.