رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فتوى البر.. وثوب عمرو


وضع الشيخ عبد الرحمن البر مفتى جماعة الإخوان فتوى بتحريم تهنئة الأقباط بأعيادهم، وكان قد ذهب إليهم فى الكنيسة العام الفائت مهنئاً مباركاً، وحين واجهه الناس بتناقضه أصدر بياناً ليزيل التناقض فأنكر الفتوى ثم أكدها فى آن واحد، وبذلك يكون البر قد جمع بين الشيء ونقيضه،

والحرام والحلال، والجائز وغير الجائز، ووضع الجميع فى إناء واحد ويبدو أن هذه طريقة جديدة فى الفقه سيكتبها التاريخ باسم عبد الرحمن البر، فهو صاحبها ومخترعها، وبذلك أيضاً يكون الأخ البر قد وضع لنا قاعدة جديدة فى كيفية استخدام التقية، فى حين وضع عنترة بن شداد قاعدة للشجاعة لخصها فى بيت شعر شهير قال فيه ( يُخبرك من شهد الوقيعة أننى أغشى الوغى وأعف عند المغنم ) كان عنترة يتحدث فى شعره مع حبيبته عبلة، يغازلها ويخطب ودها ويتفاخر بشجاعته أمامها فقال لها إنه يخوض غمار المعارك ويدخل إلى ساحة الوغى وعند توزيع المغانم يعف ويتعفف، كان عنترة هو أحد الذين وضعوا قواعد الشجاعة قبل الإسلام، وقاعدة عنترة فى الشجاعة تتشابه نوعاً ما مع القاعدة الثالثة من قوانين نيوتن للحركة التى تتحدث عن العلاقة بين الفعل ورد الفعل فتقول: «لكل فعل رد فعل مساو له فى المقدار ومضاد له فى الاتجاه» إلا أن هذه القاعدة قاعدة الحركة لا علاقة لها بطبيعة الحال سواء مع «حركة الإخوان» أو مع « تنظيم القاعدة «، والحركة كما تعلمون جميعاً عكس البلادة، لأن الإنسان البليد شخص قعيد لا يتحرك والشخص البليد هو التطبيق العملى لحالة نفسية تسمى «الركود الإنسانى»، وهى تلك الحالة التى يقف فيها الإنسان عاجزاً مبهوتاً أمام قواعد الحركة الصحيحة .

ولأن عنترة كان يمثل أعلى ما يكون من الحركة الإيجابية، فإنه كان يتحرك لأرض المعركة كى يواجه فعلاً لا يرضى عنه، فيتحرك ضد هذه الفعل بمقدار الاعتداء فلا ينقص ولا يزيد، ومن هنا كانت معارك عنترة تطبيقاً عملياً لقانون نيوتن، ولأن لكل قاعدة شواذ، فإن عبد الرحمن البر كان هو الشاذ لهذه القاعدة، شاذ لقاعدة الشجاعة وشاذ لقاعدة الحركة ولذلك فهو شاذ، ولأنه لا يحب أن يغشى الوغى فقد ابتعد عن ساحة المعركة الحقيقية، ولأنه لا يفهم فى قوانين الحركة لذلك لم يتحرك إلا حركة «الذى يتخبطه الشيطان من المس» وهى كما يقول المفسرون (الخبط هو المشى على غير استواء، يقال خبط البعير إذا اختل جهة مشيه) أو كما يقول البعض الآخر من المفسرين ( الرجل الذى مسّه الشيطان فصُرع وتغيّر حاله ودارت عينه وزال توازن جسده وزبد فمه إذا أراد أن يقوم لبقية ما فيه من الشعور يقوم بعض القيام بكل انحراف وتأرجح ثم يسقط على الأرض) .

فحين نشرت الصحف فتواه التى وضع فيها أفكاره، واستخدم القياس فى التحريم، مع أن الأصل فى الأشياء الإباحة ولا يجوز التحريم إلا بنص صحيح صريح لا لبس فيه ولا تأويل، وغاية ما وصل إليه الفقهاء من علم أن القرآن الكريم لم يرد فيه نص بالتحريم، وكذلك السنة النبوية، أما من قالوا بالتحريم فقد أعملوا قواعد القياس فى غير محلها، ولأن فتوى عبد الرحمن البر أصابت دماغ الإخوان بالوجع فى وقت هم فى غنى عن هذا الوجع لذلك سارع البر بإنكارها وإثباتها فى آن واحد متخلياً بذلك عن كل قواعد الشجاعة، لم يستطع البر مواجهة الرأى العام، ولم يفعل كما يفعل الرجال، هل تريد أن تعرف ماذا يفعل الرجال ؟ الرجل يواجه ولا يستتر، الرجل يرفع هامته ولا يخفيها فى كُم حبيبته، الرجل يدافع عن رأيه ولا يختبئ هو وراء رأيه، أما بيانه الذى أصدره فقد قال فيه «إن الصدق زين لأهله، وإن التدليس والإيهام عيب يتنزه عنه الشرفاء، ولهذا فقد دأبت دائماً على الوضوح والصراحة، وفى كل المسائل العلمية أو الشرعية التى أتعرض لها أكون واضحاً فى بيان رأيى واجتهادى، بما لا يدع مجالا للتلبيس والتدليس» ثم عطف على ذلك بقوله «رأيى الذى أعلنته ولا أزال مقتنعاً به ولا أفرضه على أحد ولا ألزم به أحدا: أن تهنئة شركاء الوطن من النصارى فى مناسباتهم وأعيادهم المختلفة من الإحسان الذى أمر الله به، ومن البر الذى لم ينهنا الله عنه فى قوله تعالى «لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَن الَّذينَ لَمْ يُقَاتلُوكُمْ فى الدّين وَلَمْ يُخْرجُوكُمْ منْ ديَاركُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسطُوا إلَيْهمْ إنَّ اللَّهَ يُحبُّ الْمُقْسطينَ» .

ثم عاد البر وقال «التهنئة بما يناقض عقيدتنا ويصادمها مصادمة واضحة فأمر غير مشروع من وجهة نظرى، كالتهنئة بما يسمى عيد القيامة، فعقيدتنا نحن المسلمين التى لا تحتمل لبساً أن المسيح عليه السلام لم يُقتَل ولم يُصلَب، بل عصمه الله من اليهود ورفعه إليه، فعيسى عليه السلام لم يصلب حتى تكون له قيامة، وبالتالى فلا يلزمنا تهنئة أحد بما نعتقد يقينا بطلانه» ، ثم عاد وقال « ولكن التهنئة بعبارات مثل كل سنة وأنتم طيبون فلا حرج على الإطلاق أن يقولها المصرى المسلم لغير المسلمين فى أى وقت، وفى كل مناسبة».

ما قاله مفتى الإخوان سلفاً يعنى أنه أباح التهنئة ثم حرمها ثم أباحها، وكل ذلك فى بيان واحد، وهو فى ذلك فعل مثل ذلك الشاعر الذى طلب من خياط أعور أن يخيط له ثوباً، فقال الخياط، والله لأخيطن لك ثوباً لا تعرف أرداء هو أم إزار، فقال الشاعر : فإن فعلت فسأكتب فيك شعراً لا تعرف أمدحاً هو أم هجاء، فخيط الخياط ثوباً محيراً، فكتب الشاعر : «خاط لى عمرو قباء .. ليت عينيه سواء