رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

يا سيدى يا غايتى.. تلك هى وجيعتى


سيدى وحبيبى وتاج رأسى محمد بن عبد الله النبى الأمى «عليك الصلاة وأزكى السلام» بعد حمد الله والصلاة والسلام عليك يا رسول الله وبلا مقدمات، هل تسمح لى بأن أتجرأ وأتطفل على مقامكم النورانى وأرسل إليك هذه الرسالة، ولعل ما دفعنى إلى كتابتها

هو أننى أعرف أنك يا سيدى أفضل خلق الله سماحة وسعة صدر، فمما لا شك فيه أننى قد لا أستطيع مخاطبة حاكم أو وزير أو حتى رئيس مجلس إدارة شركة مفلسة، ولكننى والحمد لله أستطيع أن أخلو إلى نفسى وأكتب إليك ما يعتمل فى مشاعرى وأشكو إليك ما حدث فى أمتك، أو بالأحرى ما حدث من أمتك، أستطيع أن أكتب إليك دون أن أخشى لوم اللائمين أو تقعر المتقعرين أو انفلات المنافقين أو تحريم المتشددين أصحاب الغلو فى الدين، وأكاد أنظر إلى نفسى وأنا أقول إلى هؤلاء وهؤلاء اتركونى أتحدث مع حبيبى «صلى الله عليه وسلم» وأناجيه، فلا ريب أننى لو كنت قد عشت فى زمن الرسالة لكان من السهل والميسور أن أدخل يا سيدى إلى مسجدك أو إلى بيتك أو أن أقابلك فى طرقات المدينة وأجلس معك وأتحدث إليك بما قد اعتمل فى ضميرى ووقر فى مكنون مشاعرى دون أن يوقفنى حاجب أو يمنعنى حارس.

لذلك فإننى عندما أتحدث إليك الآن أكاد أشعر بلمسات يدك الحانية وهى تربت على رأسى، وأكاد أرى ابتسامتك الهادئة المنيرة وهى تملأ قلبى بالطمأنينة والأمان.

لم تكن أبداً يا رسول الله «صلى الله عليك وسلم» فظاً أو غليظ القلب أو إرهابياً، ولم تكن سباباً أو لعاناً أو فاحشاً أو بذيئاً، بل نهيتنا عن سوء الخلق وأمرتنا بالحياء، وقالت عنك أمنا أم المؤمنين عائشة «رضى الله عنها» كان خلقه القرآن، وما كنت تخير بين أمرين إلا وقد اخترت أيسرهما ما لم يكن إثماً، وكنت حليماً صبوراً رحيماً بالمؤمنين ورحيماً بالعالمين رءوفاً عادلاً لا تفرق بين فاطمة ابنتك ـ رضى الله عنها ـ وبين غيرها من المسلمين، عفواً يا سيدى يا رسول الله لقد استطردت فى الحديث دون أن أقدم نفسى، فأنا من أمتك، أقصد أننى من المفروض أن أكون من أمتك، ولكننى أنظر إلى الأمة فأجدها وقد حادت عن الحق بعد أن خدروها وغيبوا وعيها، لذلك فإننى أستطيع تعريف نفسى بأننى أنتمى إلى هذه الأمة التى من المفروض أن تكون أمتك!! وأننا نعيش الآن بعد مرور أربعة عشر قرناً من هجرتك، كما أستطيع أيضاً أن أقول، ويا أسفى على ما سأقول، إن معظمنا فى زمننا ـ إلا من رحم ربى - ينتمى إلى الإسلام بالميلاد، ولدتنا أمهاتنا فوجدنا أنفسنا مسلمين هكذا بقدر الله، ومعظمنا يا حبيبى يا رسول الله يقيمون الشعائر التعبدية، إلا أنهم يقيمونها شكلاً ورسماً لأنها أصبحت عادة لا بحسبها عبادة! فالعبادة فى زمننا أصبحت عادة، فنحن نصوم رمضان.. عادة، ونصلى الصلوات الخمس.. عادة، ونذهب للحج والعمرة.. عادة، وهكذا.

ولكن يبدو أن مرور أربعة عشر قرناً على بعثتك جعلتنا ننسى مقاصد الشريعة الإسلامية وحكمة الشرع الحنيف، بل يبدو أننا نسينا الإسلام نفسه! عذراً يا حبيبى يا رسول الله عذراً يا من «صلى الله عليه وسلم»، فإننا الآن فى هذا الزمن وإن كنا كثرة إلا أننا كغثاء السيل، هكذا حدثتنا أنت يا سيدى وهكذا أخبرتنا،أنه سيأتى زمن نكون فيه كغثاء السيل حيث تتكاثر علينا الأمم، الآن توجد دولة واحدة اسمها أمريكا هى التى تفعل بنا الأفاعيل وتتعلق بها أنظارنا ويخاف منها حكام المسلمين، أما باقى شعوب العالم فقد تجرأت علينا كما لم يتجرأ علينا أحد من قبل، حتى إن الدول الصغيرة التى لا قيمة لها جعلتنا أضحوكة وأخذت تستهزئ.

فى زمننا تجبر بنو يهود وتصهينوا وسادوا ودنسوا بيت المقدس وتفاسدوا فيه وتسافدوا كتسافد الحمير واحتلوا فلسطين وقتلوا من شعبها من قتلوا، وطردوا من طردوا، وحكامنا يحملون فى مواجهتهم سيفاً خشبياً خرباً، حيث لا يعرفون سوى اجتماعات الرئاسة وأعلى ما فى جعبتهم الشجب والتنديد والمناشدة!.

رئيسنا الآن فى مصر اسمه «محمد» مرسى، وقد كان يشدد النكير على الرئيس السابق والذى بالمصادفة أيضاً كان اسمه «محمد» حسنى، لأنه يقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل ويعقد معها معاهدات، وبعد أن أصبح مرسى هذا رئيساً أصبح من أشد الناس حرصاً على العلاقات مع إسرائيل ومن أشد الداعمين للمعاهدات معها! حتى إن أوباما عندما ذهب للقدس وقال إنها عاصمة أبدية لإسرائيل، لم يتحرك لمرسى جفن، وكأن الأمر لا يعنيه ولا يعنى جماعته التى كانت تصيح كصياح الديكة «على القدس رايحين شهداء بالملايين».

أكاد أجزم يا حبيبى يا رسول الله بأننا السبب فى كل ما حدث، فقد هُنا على أنفسنا فَهُنّا على العالمين، أنظر إلى واقعنا فأجده واقعاً.. واقعاً «أى من الوقوع والتردى» فى زمن الرسالة كان الناس يعدون المنافقين على أصابع اليد حتى إنك يا رسول الله «صلى الله عليك وسلم» أخبرت أبا عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمة بأسماء المنافقين فى المدينة! الآن نستطيع أن نعد المؤمنين حقاً على أصابع اليد الواحدة، بل إنك لو بُعثت فى زماننا يا حبيبى يا رسول الله وأخبرت أحدنا بأسماء المؤمنين لوجدنا من يخاف أن يكون اسمه من بينهم.

حتى أولئك العلماء الذين شيخوهم علينا وأطلقوا عليهم ألقاباً ما أنزل الله بها من سلطان، وجدنا منهم من لا يغادر القرآن تراقيهم، ولا يصل إلى قلوبهم، ووجدنا منهم من يتمسك بالشكليات التى لا تقدم ولا تؤخر، ثم فى حياته وسلوكه تجده أشد الخصام، إن نظرت إليه وجدته أكثر الناس قسوة وفظاظة وتفريطاً فى حق الله، يأمر الناس بالبر وينسى نفسه!! يقول ما لا يفعل!! ويفعل ما يغضبك يا حبيبى يا رسول الله «صلى الله عليك وسلم» ليُرضى نفسه وشيطانه!.

أحياناً يضيق صدرى ولا ينطلق لسانى إلا فى هذه اللحظة التى أخاطبك فيها، إذ تعترينى حالة شعورية خاصة تدفعنى لأن أحكى لك ما حدث لنا، حيث أصبحنا يا سيدى يا رسول الله «صلى الله عليك وسلم» محاصرين بالقبح الذى أحاط بنا وتوغل فى أنسجتنا، ومن عجائب هذا الزمن أن الناس أصبحوا يحبون القبح ويكرهون الجمال حتى أصبح القبح هو راية هذا الزمان وعلامته وكأننا نخاصم «إن الله جميل يحب الجمال»، ناهيك عن باقى التلوث فقد استنشقنا بأنوفنا سحائب الدخان، وشربنا وأكلنا شراباً وطعاماً مسمماً هرى أبداننا ومزق أجسادنا، ثم جاءت جماعة تسمى الإخوان زعمت أنها تملك مشروعاً اسمه «النهضة» وأنها ستنهض بنا من خلاله، وبعد أن وصلوا للحكم أنكروا مشروعهم ثم مدوا أيديهم لصندوق النقد الدولى ليستدينوا منه بالفوائد الربوية التى كانوا يحاربونها قولاً قبل الحكم، وأصبحت دولتهم التى وعدونا إياها هى دولة الشحاذة العالمية ومد اليد لكل الدول تحت شعار «الأجر والثواب على الله، وياللخزى الذى أصابنا».

أنا فى شدة الأسف كنت أريد أن أكتب إليك ونحن فى حال أفضل كنت أريد أن أخبرك أننا أصبحنا سادة الأمم وخير البلاد وأفضل الخلق، ولكننى للأسف أكتب إليك خطابى هذا ونحن فى ذيل الأمم، أمة مهيضة الجناح بل بلا جناح ! أمة وقعت رهينة فى يد الإخوان.