رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الغزل السياسى الرفيع بين الإخوان وإيران «2-2»


احتفى الشيعة بحسن البنا احتفاءً كبيرًا، حتى إن آية الله الخمينى أطلق على نفسه - وفقما قال المستشار الدمرداش العقالى - لقب المرشد إيمانًا بالدور الذى لعبه البنا فى فتح الطريق أمام الشيعة فى مصر.

وفى الدراسة التى كتبها الرمز الإيرانى الشيعى الكبير هادى خسرو شاهى عن حسن البنا قال فيها «كان اهتمام الشيخ حسن البنا وباقى قادة حركة الإخوان المسلمين بحركة التقريب بين المذاهب الإسلامية يشكل أحد الدوافع والعوامل لمهاجمته ومهاجمة أفكاره وجماعة الإخوان المسلمين غير المنصفة من جانب السلفيين مع مختلف أطيافهم، ففى أدبيات السلفيين الجدد تعتبر علاقات الإخوان المسلمين وقادتها مع من يدعى بمعارضى السنة والشيعة منهم خاصة أمراً مرفوضاً، ويعتبرون ذلك أحد الأدلة فى وجود الانحراف والبدع فى هذه الجماعة».

وتستطرد الدراسة «وقد تجلى عمق الخلافات بين الإخوان المسلمين والتيارات الزاعمة للسلفية فى الأحداث الأخيرة إبان الهجوم الوحشى للصهاينة على لبنان وحزب الله والمقاومة الإسلامية، وقد بلغ ذلك الحد الذى جعل وللأ سف بعض العلماء السلفيين يعتبرون الدعاء لنصرة المقاومة الإسلامية اللبنانية بسبب الحضور الملحوظ وغير المنافس لحزب الله اللبنانى فى هذه الجبهة أمراً محرماً ومرفوضاً، غير أن الإخوان المسلمين وزعماءهم – خاصة فى مصر- أبدوا دعماً واسعاً للمقاومة الإسلامية فى لبنان واعتبروا فتاوى بعض العلماء السلفيين أمراً مرفوضاً ومصدراً لإثارة الفتنة والفساد».

وفى موضع آخر من الدراسة يقول خسرو شاهى «كان حسن البنا يرى أن حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية تشكل جانباً من دائرة حركة الوحدة الإسلامية، وهى فى خدمة الأهداف السامية للحركة الإسلامية، باعتباره مفكراً من أهل السنة ومؤسساً ومرشداً للإخوان المسلمين قد أرسى منذ القدم علاقاته مع علماء الشيعة وحوزاتهم العلمية واتخذ خطوات نحو تقوية حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية، كما خطى أخلافه من زعماء وقادة الإخوان المسلمين اقتداء به خطوات إيجابية نحو هذا الجانب. ويعتقد أن الاختلافات الفقهية لا ينبغى أن تكون سبباً فى التفرقة بين المذاهب الإسلامية، إذ من شأن تشديد الخلافات أن يشكل مصدراً لضعف الأمة الإسلامية، ويمهد لتشتت وتفرق المجتمع الإسلامى».

ويفاجئنا الشيخ الشيعى هادى خسرو شاهى بمفاجأة تاريخية حينما قال «وقد اعترف الشيخ بالمذهب الإمامى الشيعى نظراً للحقائق والدور القيم للشيعة فى اعتلاء الإسلام والحضارة الإسلامية، واقتدى بذلك بكبار علماء جامع الأزهر- كالمرحوم الشيخ محمود شلتوت قبل إصدار فتواه الشهيرة – فى الاعتراف بالمذهب الشيعى الجعفرى باعتباره المذهب الخامس للمسلمين. وقد أرسى البنا علاقات طيبة مع علماء الشيعة، وكان يعتبر من جملة الطلائع فى حركة التقريب بين المذاهب الإسلامية، وكان ضمن المؤسسين الأوائل «لجماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية فى القاهرة إلى جانب العلامة الشيخ محمد تقى القمى»، تجدر هنا الإشارة إلى ثلاث نقاط وذكريات تاريخية بشأن الدور التقريبى للمرحوم حسن البنا: كان آية الله السيد رضا الصدر من العلماء المعروفين فى الحوزة العلمية فى قم (نجل المرحوم آية الله السيد صدر الدين الصدر والأخ الأكبر للإمام موسى الصدر) حيث كان يقدم دروساً فى الأخلاق لطلابه فى ليالى الخميس فى بيته (وقد طبعت كلماته فى تلك الليالى فى عدد من المجلات). فى عام 1375هـ أى حوالى قبل نصف قرن، فى الليلة التى كنت حاضراً تحدث السيد الصدر حول أسرار الحج وآثاره الاجتماعية ودوره فى إيجاد الوحدة الإسلامية بين طوائف المسلمين. فقال أثر التبليغ والإعلام السيئ من جانب السلفيين الوهابيين، احتج بعض المصريين فى أحد المراسم التى أقيمت فى موسم الحج - التى كان قد حضرها حسن البنا - من منطلق عدم معرفتهم لحقيقة التشيع، على الشيعة المشاركين فى الحج... وعندما عرف المرحوم حسن البنا بالأمر حضر فى مركز تجمع الحجاج المصريين وألقى كلمة تنويرية محذراً فيها من مغبة هذا الشىء وقال: لا يحق لأى فرد أن يهاجم المسلمين الآخرين، وأضاف بعد ذلك فى كلمته قائلاً: إن الفرق الموجود بين بعض أهل السنة وبين الشيعة هو أن الشيعة يحبون أهل بيت الرسول أكثر من غيرهم وهذا الشىء أداء لهم للدين، فينبغى أن يشكل هؤلاء القدوة لنا نحن المصريين الذين لنا ولاء لأهل البيت، ثم أضاف آية الله الصدر قائلاً: لقد لعبت هذه الكلمة للشيخ حسن البنا دوراً أساسياً فى تغيير التعامل مع الشيعة، خاطرة أخرى كان يرويها المرحوم العلامة الشيخ محمد تقى القمى مؤسس «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» فى مصر؛ فكان يقول: بعد مقتل «أبى طالب اليزدى» فى الحجاز من جانب السعوديين توقفت زيارة الإيرانيين للحج عدة أعوام.... وبعد بذل المزيد من الجهود لإزالة الشبهات، قامت «دار التقريب» بطباعة كتيـّب مناسك للحج اعتماداً على المذاهب الأربعة لأهل السنة ومذهب الشيعة الإمامية ليتضح وجود الإجماع الكلى بين المذاهب الإسلامية فى مسائل الحج كذلك. لكن المؤسف هو أن المسئولين على الحج منعوا نقل هذه المناسك إلى الحجاز وعندما طرح هذا الموضوع على الشيخ حسن البنا، والذى كان من مؤسسى دار التقريب، طرح حلاً ملفتاً للنظر لنقل مناسك الحج «للمذاهب الخمسة» وهو أمر بطبع جميع مسائل الحج وفق آراء فقهاء المذاهب الإسلامية، فى الصحيفة الرسمية الناطقة باسم الإخوان المسلمين. ثم بعث الصحف بواسطة الحجاج المصريين إلى الحجاز وتم توزيعها على الحجاج وترك ذلك أثراً بالغاً فى إيجاد الوحدة بين المسلمين... والنقطة الأخرى فى هذا الجانب هى لقاء الشيخ حسن البنا مع آية الله كاشانى فى زيارة الحج هذه، وبعد إجرائهما الحوار قررا عقد مؤتمر إسلامى فى طهران تشارك فيه شخصيات من العالم الإسلامى كى تتم فيه تقوية العلاقات الودية بين المسلمين أكثر فأكثر. لكن الشىء المؤسف عندما تابع آية الله كاشانى هذا الموضوع فى طهران قوبل بمخالفة الحكومة التى تميل لقومية إيرانية، آنذاك، وقد منع بحجة عدم وجود (الميزانية اللازمة لانعقاد المؤتمر)... والأدهى من ذلك هو أن حسن البنا بعد عودته إلى مصر وبعد فترة وجيزة قد اغتيل من جانب حكومة الملك فاروق).

وتذهب الدراسة إلى أن البنا قـُتل من أجل أنه كان يقوم بالتوفيق بين السنة والشيعة، وأنه كان على وشك النجاح لولا هذا الاغتيال.

ولاشك أن جعل الأمة تحت راية واحدة هو من الأمور المرجوة، ولكن دون أن يبدد أهل السنة عقيدتهم، فالواقع يقول أن طريق «التقريب» كان يسير فى طريق واحد، هو تقريب السنة للشيعة، دون إن يخطر فى بال من أنشأوا دار التقريب، تقريب الشيعة للسنة، فلم نسمع مثلا من المراجع الشيعية من يجيز التعبد لله على مذاهب أهل السنة، ولكن الطريق يسير فى اتجاه واحد فقط تجاه إيران، وفى السياسة الحديثة وبعد أن وصل الإخوان للحكم كانت الأخبار التى حملتها الأحداث لنا تشير إلى أن الشيعة يطلبون أولاً، ثم يعدون ثانيًا، ولعل ما قاله الدكتور عبد الله النفيسى مؤخرًا بهذا الخصوص هو أخطر ما وصل إلينا، فالشيعة طلبوا من الحكومة المصرية أن يسمح لهم بإدارة المساجد التى بنيت فى عهد الفاطميين، وأن يسمح بسفر الطلبة المصريين لإيران لتلقى العلم هناك، فى مقابل أن تكون هناك سياحة دينية شيعية لمصر بأعداد كبيرة كل عام، وعلى وعد بأن تسدد إيران لمصر بضعة مليارات من الدولارات على دفعات، وإذا كانت هذه هى طلبات إيران فإن هذا يدل على أن التقارب المطلوب ليس سياسيًا، ولكنه سيكون دينيًا لا يقبله أصحاب العقيدة النقية.