رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلمى النمنم وأسطورة بحر العسل


بقلم رشيق مشوق فتح الكاتب الكبير حلمى النمنم فى كتابه القيم « حسن البنا الذى لا يعرفه أحد» تحقيقاً تاريخياً متعمقاً حول دور البنا فى عمليات الاغتيال التى حدثت فى الأربعينيات خاصة عملية اغتيال « المستشار الخازندار»، هل كان حسن البنا خالى الذهن مما حدث فى جماعته من اغتيالات أم أنه كان شريكاً فيها ولو بالموافقة؟.

فى تحقيقه المدقق لم يعد حلمى النمنم إلى كتابات أو مذكرات سطـَّرها خصوم الإخوان، ولكنه عاد إلى مذكرات الدكتور عبد العزيز كامل عضو مكتب الإرشاد وقتها (فى نهر الحياة)، وكان مما أورده عبد العزيز كامل فى مذكراته هذا النص الذى خضع لتحليل وثائقى من النمنم والذى ظهر فيه أن البنا تنصل من مسئوليته عن اغتيال الخازندار حيث ألقى بالتبعة على « عبد الرحمن السندى» فى حين صمم السندى فى مواجهة جمع من الإخوان منهم عبد العزيز كامل وفى حضور البنا على أنه نفذ تلك العملية بأمر من البنا، وفى ذات الوقت لم يقم البنا باتخاذ أى إجراء عقابى داخلى ضد السندى بل ولم يقم بسداد دية القتيل رغم أنه كان قد أعلن للإخوان أن الجماعة ستقوم بسداد هذه الدية !! وقد وردت تفصيلات مشابهة لما كتبه عبد العزيز كامل فى مذكراته فى كتب أخرى منها مثلا مذكرات الأستاذ محمود عساف، سكرتير حسن البنا، والذى كان مرافقاً له فى كل الأوقات.

ولأن الشيخ حسن البنا سلك فى بدايته طريق الدعوة الخالصة لذلك كان الأهم فى كتاب النمنم هو ما يتعلق بأفكار هذا الداعية ومقدار علمه ودراسته وحفظه للقرآن، هل كان البنا يحفظ القرآن كما يظن الناس؟، وهل تخرج فعلاً فى كلية دار العلوم أم أنه كان فى مدرستها المتوسطة حيث لم يؤهله مؤهله المتوسط إلا للعمل كمدرس للخط العربى فقط ؟! ويبدو أن جانب الدعوة ونهاية البنا المأساوية هو الأمر الذى قدَّس البنا حيث وصل إلى الدرجة التى أصبح فيها فى عيون مريديه وكأنه هو الإسلام حيث يقترب فى الأذهان من صورة الحبر الذى من خلاله يكون المسلم فى معية الله ولم لا فهو - أى البنا - صاحب القداسة المطاعة .

وقد استلفت نظر حلمى النمنم فى كتابه أن درجة التقديس للرجل وصلت إلى حد أن مطابع الإخوان أخرجت كتاباً للناشئة تحت عنوان «حسن البنا مؤسس الدعوة الإسلامية» !! ويبدو - وفقاً للكاتب - أن هذا الخلط بين البنا والإسلام لدرجة وضع عنوان يخاصم الفهم الإسلامى السديد حدث فى أذهان الإخوان بسبب البنا نفسه، ففى إحدى فقرات الكتاب يقول المؤلف «يقدم محمود عساف فى كتابه تفاصيل اختبار البنا لمن يرغب فى ضمهم للنظام الخاص إذ كان يقول لهم : «هل إذا حدث انقلاب فى الإخوان وأبعد حسن البنا هل تظل تعمل فى الجماعة»، وكانت الإجابة يترتب عليها دخول الشخص للنظام الخاص أم إبعاده تماما عن هذا المجال ... ولشرح العبارة السابقة روى محمود عساف على لسان البنا أنه قال له «انظر يا محمود .. إن الإيمان بالإسلام يقوم على الشهادتين : لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ولا تصلح الشهادة الأولى وحدها ليصير الشخص مسلماً ذلك لأن النبى صلى الله عليه وسلم يتجسد الإسلام فى شخصه وبالتالى يجب أن يكون الإيمان بالفكرة مرتبطاً بها وصاحبها وبما أننا كإخوان دعوة فيجب أن نؤمن بها وبصاحبها معاً») !! .

هكذا اختلط البنا فى ضميره بالإسلام فصار هو الدعوة والدعوة هو، وحين استطرد حلمى النمنم فى التحليل النفسى للبنا من حيث اندماجه بالدعوة تداعى إلى ذاكرتى ما كتبه العقاد فى كتابه «التفكير فريضة إسلامية»: الدين الإسلامى دين لا يعرف الكهانة ولا يتوسط فيه السدنة والأحبار بين المخلوق والخالق، وليس فيه صاحب قداسة مطاعة، وهو الدين الذى يلزم كل إنسان طائره فى عنقه، وكلكم آتيه يوم القيامة فرداً»، وتداعى إلى ذاكرتى أيضاً القول الشهير للإمام مالك وهو من هو فى العلم والفقه فقد قال : كل يؤخذ منه ويرد إلا صاحب هذا القبر وأشار إلى قبر الرسول صلى الله عليه وسلم .

فتح حلمى النمنم بقلمه الرشيق وأسلوبه الشيق مجالاً لمن يريد أن يجرى دراسة حرة مستفيضة حول شخصية البنا الداعية ونصيبه من العلم وأظن أن هذا الكتاب سيتفجر من بين بنانه ـ أو صفحاته ـ عشرات الكتب التى ستلج مجالات جديدة للبحث حول شخصية البنا.. ذلك الشيخ الذى قال الكاتب عنه إنه - كما تقول الأسطورة القديمة - وقع فى بحر العسل فتمنى الناس أن يكونوا معه يخوضون فى العسل وهم لا يدركون أن من وقع فى هذا البحر لا يستطيع السباحة للزوجة العسل ولا يستطيع الخروج إلى الشاطئ ليمارس حياته ... فهل وقع البنا فى بحر العسل كما قال النمنم ؟