رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كينيا تواجه اختبارًا حقيقياً للديمقراطية

كينيا تواجه اختبارًا
كينيا تواجه اختبارًا حقيقياً للديمقراطية

يترقب الكينيون خلال الأيام القليلة القادمة قرار المحكمة العليا في الطعن الذي تقدم به رئيس الوزراء المنتهية ولايته، رايلا أودينجا، والذي هزم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أمام منافسه أوهورو كينياتا.

وتقدم أودينجا في السادس عشر من الشهر الجاري بطعن أمام المحكمة العليا يطلب فيه "أن تضع جانبا نتائج الانتخابات المعلنة في 9 مارس وإعلان أوهورو كينيانا الرئيس المنتخب، وإبطال كافة العملية الانتخابية".

وكانت الانتخابات الرئاسية التي جرت في الرابع من مارس الجاري قد أسفرت عن فوز أوهورو كينياتا، مرشح تحالف حزب التحالف الوطني، برئاسة البلاد بعد حصوله على 50.07% من إجمالي أصوات الناخبين متقدمًا بذلك على أودينجا أقرب منافسيه، بأكثر من 800 ألف صوت في حين حصل هذا الأخير على 43.31% من الأصوات.

ووفقًا لتحالف الإصلاح والديمقراطية، الذي ينتمي إليه المرشح المهزوم أودينجا، فإن الانتخابات شابتها عدد من التجاوزات شملت تغيرات على سجل الناخبين ورفع عدد الناخبين المسجلين، بالإضافة إلى استخدام اللجنة الانتخابية معدات الكترونية "رديئة الاختيار" تم تصميمها لبث النتائج.

ويعتبر المراقبون أن الطعن الذي تقدم به أودينغا لإبطال فوز كينياتا يعد بمثابة أول تحدي حقيقي للمحكمة العليا التي أنشئت حديثا في كينيا بموجب دستور أقره استفتاء عام 2010، كما ينظرون إلى ذلك الطعن وكأنه اختبارًا للديمقراطية في كينيا، خاصةً وأن تلك الانتخابات هي أول انتخابات تجرى بعد انتخابات 2007 التي شابها أعمال عنف أدت إلى مقتل 1200 شخص، وتشريد أكثر من نصف مليون من ديارهم.

وقدمت كينيا خلال تلك الانتخابات الرئاسية الأخيرة نموذجا للديمقراطية وظهر ذلك في عديد من المؤشرات. أولها أن معظم استطلاعات الرأي كانت ترجح فوز أودينغا بمقعد الرئاسة للعديد من الأسباب منها ارتفاع شعبيته وقدرته الكبيرة على تعبئة الجمهور وحنكته السياسية.

ثم جاءت اللجنة الانتخابية لتفاجئ المراقبين والجماهير بإعلان فوز منافسه الرئيسي كينياتا، المطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية بتهمة التورط في التحريض على أعمال العنف التي اندلعت عام 2007 وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.

وعلى الرغم من ذلك ناشد أودينجا أنصاره بالتزام الهدوء وعدم اللجوء للعنف مكتفيا بالطعن في النتائج أمام القضاء ليقدم بذلك نموذجا لرجل دولة شغل منصب رئيس للوزراء قبل ترشحه للرئاسة ويحترم أحكام القانون.

وتنفس كثير الصعداء بعدما أعلن أودينجا عن موقفه هذا إزاء النتائج المعلنة، حيث كانوا يخشون من تكرار أعمال العنف التي اندلعت عقب انتخابات عام 2007 واستمرت شهورا طويلة.

واعتبر هذا الأمر أيضا مؤشرا لنجاح الدستور الجديد الذي تم إقراره عام 2010، وعالج الكثير من نقاط الضعف في النظام الكيني خاصة ما يتعلق بفصل السلطات وتوزيع الثروات، والحد من السلطات المطلقة للرئيس فضلا عن دعم الحكم اللامركزي للولايات.

أما ثاني مؤشرات الديموقراطية التي اتسمت بها تلك الانتخابات الأخيرة هو أن كينيا استعانت بتكنولوجيا جديدة في محاولة لضمان شفافية الانتخابات، وهو نظام الفرز الالكتروني. ووفقا لهذا النظام فإنه بمجرد فرز الأصوات يتم بث النتائج من كل لجنة اقتراع الكترونيا إلى لجنة الانتخابات المركزية إلى جانب عرضها علانية. ويهدف هذا النظام الجديد إلى القضاء على الأخطاء ومنع الاتهامات بالتلاعب في الأصوات.

والأهم من ذلك أن هذا النظام شمل أيضا انتخابات مجلسي النواب والشيوخ والمحليات وحكام الولايات، والتي تمت بالتزامن مع الانتخابات الرئاسية. ورغم حدوث بعض المشكلات التي واجهت الناخبين بسبب كثرة أوراق الاقتراع إضافة إلى حدوث تعطل وإعادة فرز الأصوات يدويا بعد نقل أوراق الاقتراع إلى المقر الرئيسي للجنة الانتخابية إلا أن الفشل كان بسبب خطأ في البرمجة لأنها التجربة الأولى من نوعها، كما أن نسبة الأصوات الباطلة لم تتجاوز نسبة 1%.

وإضافة لما سبق فقد تم الإشراف على تلك الانتخابات من قبل عدد كبير من المراقبين حيث ضمت لجنة المراقبة نحو 23 ألف مراقب من بينهم أكثر من 2500 مراقب أجنبي وهو ما أعطى العملية الانتخابية قدر كبير من المصداقية والشفافية.

ونتيجة لذلك ذهب العديد من المتخصصين في الشئون الكينية للقول بأنه في حالة صحة الاتهام الذي وجهه تحالف أودينغا إلى لجنة الانتخابات بالسماح بالتزوير في عمليات التصويت، فإن هذا الأمر سيكون على الأرجح قد حدث نتيجة حدوث خلل فني في نظام التصويت الإلكتروني، أو لأن حملة كينياتا قد سجلت ناخبين أكثر وحصلت على المزيد من القوة الجاذبة.. واستبعد هؤلاء المتخصصون أن يكون فوز كينياتا جاء نتيجة لتزوير منهجي ومنظم في تلك الانتخابات التي بلغت نسبة الإقبال عليها 84%، وكانت مراقبة بشكل كبير.

وعلى الرغم من أن المجتمع الكيني مجتمع قبلي غير متجانس اثنيا وتقطنه أكثر من 42 عرقية تهيمن قلة منها على السلطة والثروة، إلا أنه ضرب نموذجا يحتذى به خلال الانتخابات الأخيرة فلم يستجب لاستفزازت البعض الذين يهيجون مشاعر المواطنين ويدفعونهم لأعمال العنف والتخريب والتزم بضبط النفس، وقلب كافة التوقعات وذلك من أجل تغليب مصلحة الدولة التي أصبحت على حافة الهاوية في ظل اقتصاد يتداعي، وفقر مدقع ينتشر بين ملايين الكينيين، ومتوسط دخل الفرد اليومي لا يتجاوز الدولار.

وفي انتظار ما ستئول إليه قرارات المحكمة العليا بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يمكن القول أن كينيا قدمت نموذجًا جيدًا للمجتمع الأفريقي الذي نجح في تجنب اندلاع عنف عرقي جديد على غرار ما حدث عام 2007 واستطاع أن يحقق لبلاده الاستقرار والوئام الشعبي والقبلي.