رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العريان.. الرجل الذى فقد ظله


«طالب الولاية لا يولى» أظنها قاعدة تسير عليها جماعة الإخوان حيناً من الدهر وتهجرها حينا آخر، تسير عليها حينما يكون المطلوب تصعيده لموقع إخوانى كبير لا يرضى عنه أولو الأمر الإخوانى، أما إذا كان من يراد تصعيده يحظى بالرضا والقبول

فحينها يتم تطبيق قاعدة أخرى هى «اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم» حينها يصبح المرضى عنه عضوا بمكتب الإرشاد بالمخالفة لكل اللوائح ومسئولا عن ملفات مهمة وصاحب رسالة أسبوعية مثله مثل المرشد كتفا بكتف.

عصام الدين محمد حسين محمد الشهير بـ«عصام العريان» هو أكثر الشخصيات الإخوانية طموحا، فقد كانت تراوده منذ أن رأى المرشد الثالث- عمر التلمسانى -أحلام الزعامة الإخوانية وطموحات الوصول إلى موقع المرشد، ولكنه فى نفس الوقت أكثر الشخصيات الإخوانية التى عجزت عن تحقيق طموحاتها، حتى رئاسة حزب الإخوان فشل فيها وعاد يجرجر أذيال الخيبة وهو يحمل فى كفيه خفى الأخ «حنين» وفى جميع انتخابات مكتب الإرشاد كان الأخ عصام يقدم كل قرابين الولاء ليصل للعضوية «المقدسة» إلا أنه كان يحظى بالفشل الدائم،- اللهم إلا المرة الأخيرة- التى رضى عنه فيها الأخ خيرت- حينما كان محبوسا- فقرر إطلاق سراحه وإعطاءه عضوية مكتب الإرشاد «تحت الاختبار» ثم سرعان ما أعطاه «شلوتا» لفوق حينما أعطاه موقعاً شرفياً فى الرئاسة، فغادر موقعه فى مكتب الإرشاد وهو يعض على نابيه.

أكدت الأحداث التى مر بها الأخ عصام على مدار وجوده بالجماعة بعد وفاة مرشده «الأستاذ التلمسانى» أنه رجل بلا جذور فى جماعة تحركها الأهواء، أما السبب الذى جعل العريان هو الرجل الذى ليس له جذور فى جماعته هو ظهوره أمام الجميع «بوجهين» يسير على الحبل مثل «بهلوان يوسف إدريس» وفى الوقت ذاته لم يعرفه الرأى العام كطبيب كبير، أو مفكر متميز، أو سياسى بارع، بل كان فى كل هذه الأشياء شخصية باهتة لا قيمة لها، ومع تدنى مستواه الفكرى حاول فى فترة من الفترات أن يظهر على الميديا وكأنه «رجب طيب أردوجان مصر» وهو خالى الوفاض مما يؤهله لهذه المنزلة.

أما عن فكر عصام العريان فيبدو أنه هو الذى وضعه فى خلفية الصورة التنظيمية فالعريان محسوب على التلمسانى وهو من جيل الطلبة الذين دخلوا الإخوان على محفة «أبو الفتوح»، وعندما كانت الغلبة لهؤلاء داخل الجماعة كان العريان يعبر عن أفكارهم وكأنها أفكاره وينادى بالدعوة ويمارس السياسة ويحمل خطابا سياسيا يتعامل به مع القوى السياسية والأحزاب المعارضة ويعد دراسات عن الحركات الإسلامية الأخرى فى تركيا وإندونيسيا وماليزيا والمغرب وباكستان، كان هذا هو زمن الأخ عصام المستنير.

استمر العريان على طريقته يصطنع «الاستنارة» ويظهر فى صورة الباحث الإسلامى العميق وهو خلى، إلا أنه عندما وجد أن هذا الفكر لا يرضى عنه رجال التنظيم الأقوياء ولا يحقق طموحاته بدأ فى التخلى عنه شيئاً فشيئاً وكأنه يمارس رقصة «الاستربتيز الفكرى»، فبعد أن كان لا يرى غضاضة من أن يكون رئيس الدولة قبطياً أو امرأة عدل عن قوله مخافة أن يغضب منه رجال التنظيم الحديدى وقال إن الشرع لا يرضى بذلك.. وبعد أن كان يبدى آراءً جريئة حول التعددية وبقاء الأحزاب فى حالة قيام دولة لها مرجعية إسلامية وإمكانية أن يكون رئيس الدولة ليبراليا أو شيوعيا مسح كل هذه الآراء بـ«أستيكة» التنظيم ووضعها فى طى النسيان وكأنها لم تكن آراءه، وأصبح العريان يمارس على مسرح الإخوان للباليه رقصة «كده استنارة وكده استظلام».

ولأن «الرقص مع الذئاب» لا يجدى لذلك حاول العريان أن ينصب من نفسه وسيطا «فوق العادة» بين الإخوان والأمريكان، بدأ العريان مشوار الوساطة عن طريق سعد الدين إبراهيم منذ عشر سنوات، وبعد سنوات أراد أن يؤكد لأمريكا أنه رجل صاحب كلمة عليا فى الجماعة فكشر عن أنيابه وألقى تصريحا منذ خمس سنوات لصحيفة «الحياة» اللندنية، ومن بعدها لموقع «إسلام أون لاين» قال فيه إنه فى حال وصول الحزب المرتقب للإخوان إلى السلطة فى مصر فإنه سوف يتعامل بواقعية سياسية مع إسرائيل حيث ستحكم البراجماتية حركة هذا الحزب، وهو ما يفسر بوضوح ذلك النص الذى ورد فى برنامج الحزب بأن الإخوان يؤكدون احترام الحزب لجميع الاتفاقات والمعاهدات الدولية التى وقعتها مصر، والحقيقة أن هذا التصريح أصابنا وقتها بصدمة، إذ لم أتصور- رغم أن عندى قدرة عالية على التصور- أن جماعة الإخوان تصل إلى هذه الدرجة من البراجماتية والذاتية والبحث عن مصالح التنظيم الذى من أجله تهون الأمة، وفى سابقة غير معهودة يهون الإسلام، وكأن سلامة التنظيم ووصوله إلى الحكم تعادل الإسلام فى نظرهم!! وعندما أراد العريان تبرير التصريح- لاحظ أن الإخوان منذ سنوات يصدرون التصريح ثم يصدرون معه «مانفستو» التكذيب أو التبرير- فقام بتجميل التصريح عندما قال لإسلام أون لاين أنه باعتباره ممثلا للحزب الإخوانى الافتراضى فإنه يفصل بين موقف الحزب من إسرائيل وموقف الجماعة منها فبينما الجماعة لا تعترف بإسرائيل إلا أن حزب الجماعة سيعترف بها !! وذلك وفقا لنظرية دكتور جيكل أند مستر هايد فالإخوان هى النصف الطيب أما الحزب فهو النصف الشرير الذى يتعاطى السياسة.

وصدق ما قاله الأخ عصام، وأصبح الإخوان بعد الثورة المصرية هم حلفاء الأمريكان فى العلن، وعندما تشتد عليهم وطأة الحكم يذهب سفيرهم الأخ عصام إلى واشنطن ليقابل الحلفاء ويستنجد بهم «ولله فى خلقه شئون».

ولكن هل شفعت له تلك الوساطات عند بنى الإخوان؟ وهل نال الشفاعة الإخوانية ؟ بالطبع لا فقد فشل فى اكتساب ثقة «الشاطر» فما كان منه بعد الثورة إلا أن أظهر وجها سياسيا قبيحا مليئا بالبثور والتقيحات، تحول إلى رجل متغطرس متعالٍ متكبر، ورغم ذلك كله لن يستطيع العريان الوصول إلى شىء فى الجماعة لأنه صاحب عقل متواضع لا يستطيع أن يرى أمامه أبعد من شبر واحد، وسيظل عند الشاطر وإخوانه متغطى بأفكار جيل الوسط والمتغطى بهم «عريان» أما الذى لم يتعاط مع هذه الأفكار من البداية فهو « شاطر » ولم يكن العريان «شاطر».

أما نحن فإذا أعدنا قراءة هذا الرجل بعين منصفة واستعدنا تاريخه وأفكاره ومواقفه التى سريعا ما يتخلى عنها، سنعرف أنه لم يصل إلى ما يحب حتى الآن لأنه رجل يمارس طموحاته ولا يمارس أفكاره