رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر تحت حكم المرشد


بمناسبة الدماء والسحل والتعرية والقتل الذى أصبح عادة إخوانية لا تنفك عن ممارستها بات من اللازم أن أتحدث عن مصر وهى تحت يدى المرشد، ولكى أحدثكم عن واقعنا يجب أن أتحدث أولا عن حلم الجماعة، الحلم الذى عاش الإخوان من أجله

هو «حلم الحكم» إذ يكاد أبناء جماعة الإخوان يتفقون فى المشاعر والرؤى والطموحات، فمنذ أن اندلعت جماعة الإخوان كرائدة للحركات الإسلامية فى عشرينيات القرن العشرين، وكلهم يبحثون عن الحكم... يتشوقون له ويتوقون إليه ويحاولون تنسم عبيره ولو بالاقتراب من الحكام والملوك والرؤساء والتخلى فى بعض الأحيان عن طموحات الشعوب لأن طموحات الإخوان فى تقديرهم أكثر قداسة وأهم من أى شيء آخر ،وللإنصاف فإن بعض أطياف الحركة الإسلامية وليس كل لا تريد الحكم لدنيا تصيبها أو سلطة تكتنزها لنفسها ولكنها فى الحقيقة تحمل مشروعا دينيا تريد أن تضعه موضع التطبيق وهى تظن أن الإسلام هو نفسه ذلك المشروع الذى تحمله، ووصولها للحكم سيجعل الإسلام قائدا للأمة وحاكما لها، وليس من شك أن إشكالية الدعوة والحكم هى الإشكالية التى واجهت جماعة الإخوان على مدار تاريخها... كانت المشكلة الأكبر هى هذا الظن الذى تغلغل فى شرايين قادة الإخوان بأنهم هم وجماعتهم الإسلام نفسه والإسلام هم، ولكى يُقام الإسلام يجب أن يصلوا بأعينهم وأفكارهم إلى الحكم، حينها سيكون الإسلام قد حكم وتكون الخلافة الراشدة قد عادت من جديد بعد ذلك المُلك العضوض، دعك من موضوعات التعبير والإنشاء التى حفلت بها أدبيات جماعة الإخوان المسلمين مثلا والتى تقول فى بعضها «إننا نريد أن نُحكم بالإسلام لا أن نَحكم بالإسلام» أو «إننا فريق من المسلمين ولم نقل أننا جماعة المسلمين وحدنا دون غيرنا» فالشعارات المعلنة سرعان ما كانت تختفى وتنزوى وتتلاشى عند التطبيق العملي، ومن صدَّق الشعارات وقع فى فخ التنظير البارد.

ولكن طريق الحكم طويل، ومشاقه كثيرة، ودونه السجون والمعتقلات، ولأنه طويل فيجب أن يبدأ من الفرد، بحث المرشد الأول حسن البنا عن تكوين الفرد، الذى سيؤدى إلى تكوين أسرة إخوانية، ثم نصل إلى مجتمع إخواني، ثم دولة، مثل الدولة المصرية الحالية التى يقف الإخوان الآن على صدرها، ثم الحلم الكبير، حلم الخلافة، انتهاءً بالحلم الأكبر، حلم أن يتسيدوا العالم، تحت عنوان «أستاذية العالم» هذه هى معادلة جماعة الإخوان الواضحة، ومن أجلها دخلوا السجون ودخلوا القصور، تحالفوا مع رؤساء وملوك ونقضوا تحالفات واتفاقات، دبروا مؤامرات ودُبرت ضدهم مؤامرات، أحبهم الناس وكرهوهم، رفضوهم وانتخبوهم، تقدموا للأمام وتراجعوا للخلف، جلسوا فى العلالى وجلسوا فى القاع، هذا هــــو الملخص الوافى لتاريخ جماعة الإخوان مــــن الاستضعاف إلى حلم التمكين الذى يقولون عنه إنه يتحقق الآن.

ولكى يتم تكوين الفرد الإخوانى يجب أن يكون الطريق إلى ذلك طريقا عسكريا، فالإخوانى هو فرد فى جيش، واحد فى جماعة، لا يجوز له أن يفكر بعيدا عن قياداته، ولا يجوز له أن يبرم أمرا بعيدا عن مسئوله، حتى ولو كان هذا الأمر من شئون حياته الخاصة، فإذا استقل فى قراراته كان مبتدعا فى الجماعة، والابتداع مرفوض، إذ هو يساوى الابتداع فى الدين، والبدعة ضلاله والضلالة فى النار، فإذا ابتدع وجب عليه أن يخرج من الجماعة ، إما مفصولا أو مستقيلا، ومن أجل ذلك اشتهرت مقولة داخل الإخوان هى : وافق أو نافق أو فارق، وفى مواجهتها رفعت قيادات الإخوان على مدار تاريخها شعارا مشهورا هو « نحن صف إذا خرج منه واحد لن يقول الناس خرج واحد ولكن سيقولون صف أعوج « لذلك ولتلافى أى انشقاقات تتم تربية أفراد الإخوان على السمع والطاعة المطلقة ومعها ركن فى منتهى الأهمية هو « الثقة فى القيادة « وهو من أركان البيعة، فلا يجوز لأحد من أفراد الجماعة كائنا من كان أن يشكك فى أمانة القيادة أو خبرتها أو مهاراتها أو حسن توجهها، لذلك فالمرشد فى الجماعة هو صاحب المرجعية العليا المقدسة حيث لا يجوز أبدا أن يخالفه أحد، ومن تمام تربية الفرد أن يُقبـِل على تقبيل يد المرشد بأريحية وسلامة صدر، وهو إذ يفعل ذلك يفعله اتباعا، فمن المعتاد أن يأخذ مسئول المنطقة بعض أفراد الجماعة الجدد لمقابلة المرشد، وهناك يقوم المسئول بالانكباب على يد المرشد ليقبلها، فيتبعه فى ذلك الإخوة الذين ذهبوا معه، وتكون هذه القبلة نيشانا على صدر الأخ الجديد، فقد أتيحت له الفرصة الذهبية كى يرى المرشد ويجلس معه ويقبل يده، وقد يكون من حسن طالعه أن يداعب المرشد أحدهم أو يضحك فى وجهه فتكون ليلة القدر قد فتحها الله له، والمرشد لا يجد حرجا فى أن يمد يده لزواره كى يقبلونها، وكأن لسان حال الإخوان الجدد يقول لقواعد الإخوان بل ولكل أبناء الحركة الإسلامية ولنولينكم قبلة غير قِبلتنا الأولى ... ومابين القِبلة والقُبلة مسافة .. ليست هذه المسافة هى الضمة والفتحة ولكنها مسافة بين تعظيم الله وتعظيم عباد الله.

وبطرق التربية الإخوانية تربى الدكتور محمد مرسى على فكر سيد قطب، ومر بكل التمرينات التربوية التى ترفع فى نفسه من قيمة السمع والطاعة، والتى تجعل من هذه الطاعة سلوكا طبيعيا عنده وكأنه الفطرة، ثلاثون عاما مرت على محمد مرسى وهو فى جماعة الإخوان، كان مشدوها بالحاج مصطفى مشهور، متيما بالأستاذ حامد أبو النصر، خاضعا للمستشار مأمون الهضيبي، تابعا مطيعا للمرشد محمد بديع، وإذا كان الحب فضيلة ترفع من محمد مرسي، فلا تثريب عليه إن أحب مرشديه، إلا أن إلغاء العقل وتسليمه للمرشد هو آفة هذا الرجل، وطاعة مسئوله بلا تفكير هى أزمته الفكرية الكبرى، محمد مرسى ليس تابعا مباشرا للمرشد بديع، ولكنه وفقا للتسلسل الإخوانى أقل درجة من آخرين، فمسئوله المباشر هو خيرت الشاطر الذى يملك أن يحركه كيف يشاء ويضعه فى المكان الذى يريده أنى شاء، وهو فى الإخوان أقل درجة من محمود عزت ورشاد البيومى فهما فى درجة «الأخ المجاهد» وهو فى درجة الأخ العامل، وفوق هؤلاء المرشد محمد بديع، لذلك إن أراد المرشد محمد بديع شيئا من محمد مرسى أو أراد أن يأمره بقرار ما، فإنه يقوم بتبليغ هذا القرار أولا إلى خيرت الشاطر الذى يتولى بعد ذلك توصيل القرار أو الأمر إلى المرشد بديع، وإذا أراد محمد مرسى أن يبرم تصرفا أو يتخذ قرارا فليس عليه أن يفعل ذلك منفردا من دون رقابة الإخوان، فعليه أن يقوم بتبليغ ما يريده إلى خيرت الشاطر الذى يقوم بنقل هذا الأمر للمرشد بديع ثم تتم الموافقة أو الرفض.

تبعية محمد مرسى لمسئوله خيرت الشاطر لاشك فيها، وتبعيته للمرشد محمد بديع لا يجوز الجدال فى شأنها، ولا يقدح فى ذلك ما قد يقال من أن محمد بديع أحل محمد مرسى من بيعته، لأن الأمر لا يتعلق بشكليات، فمحمد مرسى لم يكن موظفا فى شركة يستطيع أن يفارقها إذا استقال، ولكنه ظل عمره داخل الجماعة، فأصبحت جزءًا من نسيجه، وشرايينه، وجهازه التنفسي، أصبحت جماعة الإخوان هى حياته ومراحه وليله ونهاره، إذا فارقها حقيقة مات .

الإخوان أنفسهم لا يقولون إن محمد مرسى حاكم فرد، ولكنهم فى دعايتهم للرجل كانوا يقولون: إن مرسى فرد فى مؤسسة كبرى هى جماعة الإخوان، فإذا انتخبتموه فأنتم تنتخبون الجماعة كلها، ومعه ستكون الجماعة مؤسسة كاملة تقود مشروع النهضة، نحن لم ننتخب وفقا للإخوان رئيسا، ولكننا انتخبنا مؤسسة، شركة، جماعة، ليست لمحمد مرسى قيمة، ولكن القيمة الكبرى للمرشد بديع صاحب هذه المؤسسة والذى بيده يبرم كل التصرفات، ومعه الأخ خيرت الشاطر، عزيزى المصرى ابتسم أنت الآن فى دولة دينية استبدادية عسكرية وهابية حنبلية قطبية تكفيرية شاطرية بديعية