رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر بين الدراما والواقع


أربعة أسابيع ونفاجأ بقدوم شهر رمضان المبارك.. حوالى الثلاثين يومًا وتأتى المفاجأة السنوية التى تصحو عليها الحكومة ذات صباح.. فتدرك أننا فى رمضان.. مشهد يتكرر كل عام وهو عادة مصرية.. نحن نحب المفاجآت ونعمل فى آخر دقيقة فى الخارج يستعدون لقضاء إجازات عام 2020 من الآن يحجزون جداول الرحلات وينتظرونها ونحن نبحث كثيرًا وبكد وجهد عن ماذا سنفعل هذا المساء؟.

أسلوب حياة يجعل الطالب المصرى يذاكر ليلة الامتحان والعريس يشترى بدلة الزفاف قبلها ربما بساعات.. وهكذا تستعد الحكومة لرمضان المبارك.. وفى المقابل نرى كيف استعد الآخرون. شركات الإنتاج الإعلامى استعدت بمسلسلات بدأت فى تصويرها واقترب أغلبها من الاستعداد بحلقات البث الأول.. مسلسلات نرى مصر أخرى فيها، مصر القصور والفيلات الفخمة والسيارات الحديثة ومدخنو السيجار ومرتدو الملابس ذات الماركات العالمية.. تحس وأنت تشاهد المسلسلات فى الدراما الرمضانية أننا نعيش فى مصر غير التى يتحدثون عنها.. وإذا حاولوا نقل الواقع فعليك بمشاهد إبراهيم الأبيض وهى فوضى وعلى وضعك بقى.. فتنتقل من مصر إلى مصر أخرى.. وأصبحت هذه هى المسلسلات الدرامية التى يحتفى بها ويقدمها لنا القطاع الخاص وفى المقابل اختفى المسلسل الدرامى المصرى الذى يحمل مضمونًا ورسالة.

ذلك لأن قطاع إنتاج الدولة الذى يسعى إلى مكسب بسيط ماديًا ومكسب كبير أدبيا توقف عن العمل منذ أن قدمنا ليالى الحلمية ورأفت الهجان ونحن نعيش على ذكريات تلك المسلسلات وعندما نريد أن نقارن ونتحدث بفخر ما علينا إلا أن نقول إن الدراما المصرية قدمت هذه المسلسلات وبعدها عقمت الدراما.. لم يتعلم قطاعنا الخاص من الدراما التركية، ومن مسلسل واحد تم تصويره فى القصور التركية تحولت مدن بأكملها إلى مقصد سياحى عالمى نتسابق نحن المصريين فى الذهاب إليها قبل دول أخرى.. الدراما التركية حققت المكسب المادى ليس فقط للشركة المنتجة ولكن للدولة بأكملها.. الدولة دفعت مع شركات الإنتاج وقدمت لها التسهيلات ونحن قدمنا الصعوبات.. ماذا لو شاركت الدولة وصندوق تحيا مصر والهيئة الوطنية للإعلام وغرفة صناعة الإعلام.. تخيل كل هذه الجهات لا تستطيع أن تتعاون فى إنتاج مسلسل يعيد مصر إلى سوق الدراما المحترمة والتى لا شك ستعيد السائح لمصر أو تجذب سائحًا جديدًا يرى مصر من خلال مشاهد مسلسل.. نمتلك واحات لا مثيل لها وقصورا تاريخية رائعة وثلث آثار العالم إن لم يكن أكثر، ولا نستطيع ترويج ذلك من خلال شاشة أو ميكروفون.. وفى المقابل ستلتهم الدراما حوالى الثلاثمائة مليون جنيه على الأقل فى رمضان يدفعها القطاع الخاص فى مسلسلات لا تحمل أى مضمون.. المفاجأة التى ستقع على رأس الحكومة لم تقع على رأس منتجى الدراما ولم تقع أيضا على رأس الجمعيات الأهلية والمستشفيات التى بدأت فى الاستعداد لشهر رمضان بإنتاج الإعلانات ذات الطابع الخاص والتى تسعى لحث المواطنين على التبرع، وبعد أن ترى المسلسل الذى تم تصويره فى قصر أو فيلا خاصة، أو منتجع سترى الوجه الآخر أطفالا يتسولون تبرعًا، هذا مريض بالسرطان وذاك مريض بالقلب وآخر مهدد بالعمى من مشاهد لأطفال فى مدارس أجنبية إلى أطفال فى حوارى وشوارع يتسولون.. حولنا مصر فى شهر رمضان إلى مصرين.. إحداهما تعيش فى قصورها ومدارسها وتناقش أزمتها المادية كأسرة تدفع آلاف الدولارات للمدارس والرحلات، وأخرى تعيش فى مناطق عشوائية تناقش أزمتها كيف تدبر ثمن أرغفة خبز وبعض ملاعق من الفول أو قطعة جبن على سبيل الرفاهية. مصر التى على شاشة رمضان سواء فى المسلسلات أو الإعلانات ليست هى مصر التى نعيشها، حقيقة هى جزء أكيد من مصر ولكنه الجزء الصغير، المشهد الجانبى أما المشهد الحقيقى الذى لم تنقله الكاميرات فهو الملايين من الكادحين فى الشوارع والمصانع والمزارع.. آلاف الرابضين فى جبهات قتال فى سيناء أو الصحراء الغربية أو جنوب البلاد أو مياهها لحماية حدودها.. مصر الحقيقية هى التى تنتظر أن تنتقل إليها كاميرات المسلسلات لتنقل تاريخها وحاضرها.. الرئيس السيسى طالب مرارًا وتكرارًا ولم يترك مناسبة إلا وطالب بإعلام قوى ينقل الصورة الحقيقية.. هناك فساد نعم، ولكن صقور الرقابة الإدارية تعمل ليل نهار للقضاء عليه.. نواجه إرهابًا ولكن لدينا جيش قوى وشرطة تسعى أيضًا للقضاء عليه.. بقى لنا أن يكون لدينا إعلام قوى يعبر عن مصر التى تبنى الآن، وبعد أن اكتمل المشهد الإعلامى باكتمال تشكيلات هيئاته، وعلى رأسها إعلامى كبير، يتمنى أن يعيد للإعلام المصرى هيبته ومهنيته.. أما المفاجأة فنحن نذكر بها الحكومة.. باق أربعة أسابيع فقط على رمضان.