رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حلم الخلافة الإسلامية والاستفتاء فى تركيا


بعد سنوات من الحلم التركى، الذى لم يتحقق، ومن المؤكد أنه لن يتحقق بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى.. قرر أردوغان أن يحول الحلم التركى من الانضمام لأوروبا إلى إعادة حلم الخلافة الإسلامية مرة أخرى.. حلم الخلافة الذى يُداعب الأتراك منذ إلغاء مصطفى كمال أتاتورك للخلافة فى 3 مارس 1942 وحتى الآن مازال الحلم يداعب الأتراك فى عودة الدولة العثمانية وعودة الخلافة الإسلامية، وأن تعود سلطات الحكم إلى الباب العالى مرة أخرى.. تسعون عامًا منذ ثورة أتاتورك وسيطرة التيار العلمانى على تركيا وحتى الفترة التى حكم فيها أردوغان فى سنواته الأولى لم يكن للأتراك سوى حلمهم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، وفى مقابل ذلك ألغوا عقوبة الإعدام وأعطوا تصريحات لبيوت الدعارة وإباحة الحياة وتولى المناصب للمثليين.

دفع أردوغان الثمن مقدما.. قبل اللاجئين السوريين وفتح الباب أمام القواعد الأمريكية وتنازل عن أشياء كثيرة، إلا أن حلمه أجهض، فكان البديل هو الاتجاه إلى التيار الإسلامى والابتعاد عن تيار القوميين الأتراك.. وتولى قادة التنظيم الدولى للإخوان توجيه الفكر السياسى والتوجه الاقتصادى فى السنوات الأخيرة فى محاولة لدعم حركات الإخوان المسلمين فى مصر وتونس وسوريا، وكان الهدف الأول أن قيام حكم إسلامى فى تركيا مع تحرك ثورات الربيع العربى سيدعم فكرة إنشاء دولة الخلافة الإسلامية.. لعب الإخوان وأردوغان دورًا هامًا فى فكرة إنشاء الهلال السنى لمواجهة الهلال الشيعى الممتد من إيران إلى جنوب العراق ثم سوريا فلبنان عبر الوجود القوى لحزب الله.. وتحت شعار مواجهة النفوذ الإيرانى كان التدخل التركى والسعودى فى سوريا والقطرى التركى فى ليبيا والدعم لحركة النهضة فى تونس.. ودعم حكم مرسى فى مصر.

وجاءت الرياح بما لا تشتهى السفن.. فسقط حكم الإخوان فى مصر عبر ثورة 30 يونيو وعاد الحكم فى مصر مرة أخرى لتبدأ مرحلة مواجهة وقطيعة بين نظامى الحكم فى القاهرة وإسطنبول.. وبدأت مطاردات لكل من مؤيدى النظامين فى البلد الآخر.. انتهت بتواجد لمجموعة كبيرة من مؤيدى فتح الله جولن فى القاهرة للعمل فى مجال استثمار التعليم والتصدير والاستيراد.. وفى المقابل تحولت مطارات أنقرة وإسطنبول إلى المحطة شبه الأخيرة لقادة الإخوان بدءًا من إبراهيم منير، أمين التنظيم الدولى، وانتهاء بصلاح عبدالمقصود وحتى أيمن نور وطابور طويل من مؤيدى الإخوان وقياداتهم، وأصبحت تلك المطارات أيضا هى الممر لقيادات الإخوان والجماعات الإسلامية وشبابهم إلى سوريا للمشاركة فى حرب الجهاد ضد الشيعة والروس، ولإحياء أول أقسام دولة الخلافة الإسلامية.. الدور التركى لم يقتصر على ذلك بل فتح استوديوهات إسطنبول لمحطات التليفزيون الإخوانية.. ومن مطارات تركيا عبر رفاعى طه، زعيم الجناح العسكرى للجماعة الإسلامية، والذى أسس مع عصام دربالة ومصطفى حمزة ومحمد شوقى الإسلامبولى وطارق الزمر حزب «البناء والتنمية» الذراع السياسية للجماعة الإسلامية، وانتهى به الحال قتيلًا فى إحدى الغارات فى أبريل 2016 ولحق به أبوالعلا عبدربه والذى قتل أيضًا وهو أحد القيادات المتهمة بقتل فرج فودة والذى أفرج عنه مرسى.. ومن تركيا إلى سوريا أيضا توجه أحمد سلامة مبروك، أحد قيادات الجهاد، والذى قتل بعد ظهوره مع محمد الجولانى، قائد تنظيم جبهة النصرة، وكان قد بدأ حياته عضوا بالجماعة الإسلامية.

وبدأت خطة أخونة إسطنبول، وسط أنباء عن منحهم الجنسية التركية التى منحها أردوغان لآلاف السوريين اللاجئين حتى يشاركوا فى الاستفتاء الأخير، والذى أدارته جماعة الإخوان بعد اجتماع عقد مؤخرًا فى مكتب كريكلود بلندن، وحضره إبراهيم منير، أمين عام التنظيم الدولى، وراشد الغنوشى، رئيس حركة النهضة التونسية، وهيكال يدال، رجل المخابرات التركى البارز.. وفيه تم الاتفاق على استثمار الإخوان لعشرة مليارات دولار فى تركيا لإحياء مشروع الخلافة فى 2020 وهو اتجاه تبديل المسار بعد فشلهم بعد قيام ثورة 30 يونيو.. واستكمالا لاستثمار أردوغان لمحاولة الانقلاب الفاشلة ضده فى الصيف الماضى، أعلن عن استفتاء جديد لزيادة سلطاته وتحويل النظام التركى من نظام برلمانى إلى نظام رئاسى، وتتيح التعديلات الجديدة للرئيس الاستمرار فى الحكم حتى 2029 وتوسيع صلاحياته فى تعيين وإقالة الوزراء وكبار الموظفين الحكوميين، كما يحق له تعيين نائب أو أكثر له وإعلان حالة الطوارئ فى البلاد قبل عرضها على البرلمان التركى، الذى سيرتفع عدد أعضائه من 550 إلى 600 وخفض سن العضوية إلى 18 عامًا وتعديل المدة من 4 سنوات إلى خمس سنوات.

بالإضافة إلى حقه فى التدخل بشكل مباشر فى القضاء باختياره ستة أعضاء من المجلس الأعلى، وكذلك إلغاء المحاكم العسكرية.. التنظيم الدولى حول إسطنبول وأنقرة إلى مراكز لدعم التصويت على الاستفتاء لصالح الموافقة على تعديلات أردوغان وشارك عمرو دراج ووليد شرابى ومحمد الصغير فى الدعوة للمشاركة والتصويت بنعم من على منابر المساجد فى إسطنبول وأنقرة، وتم فتح المساجد والمنابر للدعاة من الإخوان، وفى استنساخ لتجربة الانتخابات الإخوانية فى مصر.. نزلت عناصر من أمانة الشباب بحزب «العدالة والتنمية» إلى القرى والمدن فى الأقاليم التركية واستمرت حملاتهم الدعائية واستبدلوا السكر والزيت بالفحم والشاى واعتلى دعاة الإخوان المنابر وأطلقوا على أردوغان خاقان البر والبحر.

انتهى الاستفتاء وسط رفض دولى واستنكار من أحزاب المعارضة وتقارير تفيد بالتزوير.. ورغم فوز أردوغان فى الاستفتاء على تعديلات الدستور بنسبة 51 % إلا أن الكثير من الشبهات أحاطت بالعملية الانتخابية بدءًا من تزوير بطاقات الانتخابات والتصويت فى بعض القرى والأقاليم بشكل خاطئ أو جماعى، وأثارت التقارير الصادرة غضب دول أوروبا.. فى حين أكد الإخوان عبر تصريحات لقياداتهم أن الاستفتاء ونجاحه خطوة نحو تحقيق حلم الخلافة الإسلامية وانطلاقه من تركيا