رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة كولن باول


فى الخامس من فبراير عام 2003م، انعقد مجلس الأمن الدولى فى جلسة خطيرة، تحدث وزير الخارجية الأمريكى كولن باول، عن معلومات وصلت للإدارة الأمريكية تؤكد امتلاك العراق أسلحة دمار شامل، واستمر مفندًا الأدلة المزعومة، ثم خرجت الولايات المتحدة فى مارس من العام نفسه، لتقود ضربة عسكرية خارج إطار الشرعية الدولية، بل رفضت دول عديدة المشاركة فى التحالف الأمريكى بسبب عدم صدور أى قرار من مجلس الأمن بالتصريح بشن عملية عسكرية.



واستند التحالف الأمريكى فى الحرب على العراق إلى قرار سابق من مجلس الأمن 1441 الصادر بتاريخ 8 نوفمبر 2002م، وهو قرار خاص بتفتيش العراق، لكن القرار لم يصرح باستخدام أى عمليات عسكرية، بل أرجع الأمر لمجلس الأمن للتصرف، وكانت فجيعة حرب العراق التى لا تزال المنطقة تعيش آثارها إلى الآن!.

بعد سنوات عدة، تحديدا فى سبتمبر 2015م اعترف كولن باول أن الإدارة الأمريكية أخطأت بشنها هذه الحرب!، حيث قال فى مقابلة لشبكة إن بى سى الأمريكية إن تنفيذ الحملة العسكرية كان معيبا وبه أخطاء، وإن قرار حرب العراق قام على أساس تقييم موحد قدمته أجهزة الاستخبارات الأمريكية «!»، وكأن ملايين الأرواح العراقية قد ذهبت بسبب خطأ معلومات أجهزة المخابرات الأمريكية، ونتيجة لهذه الخطيئة، ولهذا الإجرام الأمريكى، انهار الجيش العراقى، وانهار التوازن فى المنطقة مع إيران، وانفتحت أبواب جهنم فى الصراع الطائفى المقيت السنى الشيعى، واستفحلت التيارات الإرهابية، من أبى مصعب الزرقاوى وصولا لأبوبكر البغدادى أمير تنظيم داعش الإرهابى!.

نفس اللعبة السوداء تعود من جديد فى سوريا، فحين حدث الهجوم فى خان شيخون بريف إدلب، سارعت المندوبة الأمريكية بمجلس الأمن لاتهام النظام السورى باستخدام الأسلحة الكيماوية، وقدم المندوب الروسى تصورا بأن الطائرات السورية قصفت مستودعا للأسلحة تمتلكه المعارضة السورية المتشددة، وأن هذا المستودع كان به الغاز الكيماوى الذى تسرب بعد القصف، وطالب المندوب الروسى بفتح تحقيق دولى، فأكدت المندوبة الأمريكية أن أمريكا ستتخذ الإجراءات المناسبة «حال فشل مجلس الأمن فى الوصول إلى نتيجة!»، ولم تمض ساعات حتى قامت الولايات المتحدة بضربتها على قاعدة الشعيرات العسكرية خارج إطار الشرعية الدولية أيضا!، وكأن مجلس الأمن دوره أن يخدم التصورات الأمريكية، وحين لا تتمكن واشنطن من إقناعه، فإنها تتصرف منفردة دون أى اهتمام لا بقانون دولى، ولا بشرعية دولية!.

فى مجلس الأمن بعد الضربة، قال المندوب الروسى للولايات المتحدة: أنتم تخافون فتح تحقيق دولى فى حادثة خان شيخون. ورفع مندوب بوليفيا فى مشهد عظيم، صورة كولن باول وهو يكذب بمجلس الأمن عام 2003م مدعيا أن العراق تمتلك أسلحة دمار شامل، وأيدت السعودية والإمارات وتركيا وقطر وإسرائيل الضربة وطالبوا بالمزيد، ورغم أن كارثة العراق لا تزال فى الأذهان، فليس المقصود إسقاط نظام بشار الأسد رغم كل ملاحظاتنا على خطاياه الجسيمة، لكن المقصود هو خلق مشهد جديد لمزيد من الفوضى فى المنطقة، بكل تأكيد لمصلحة إسرائيل، وتيارات الإرهاب التى تتمدد على الأرض، فالإرهاب المتأسلم الذى يدّعى كذبا طلبه «دولة إسلامية» إقصائية، هو الذريعة الواضحة للإرهاب الإسرائيلى الداعى «لدولة يهودية» إقصائية كذلك.. وسوريا تدفع الثمن!!.