رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المواطنة والولاء والبراء


الشيخ عمرو خالد، داعية دينى معروف، ظهر فى أيام مبارك، وفتحت له كل الأبواب، وكان له أتباع ومريدون، لأن خطابه الدينى وقتها كان معتدلا، ولأنه على طراز دعوى يختلف عن الطراز التقليدى للدعاة، فقد كان يرتدى الزى الإفرنجى، ويتحدث بلهجة ولغة الشباب، فأحبوه والتفوا حوله.

كل هذا جميل، ولكن عندما كتب عن الولاء والبراء فى صحيفة «الدستور» يوم 3 أبريل 2017، وتحدث عن علاقة الولاء والبراء بالمسيحيين والأقباط، لم يكن موفقا، من ناحية أن الولاء والبراء حسب عقيدة من شرحوها فى كتبهم أو كتبوا عنها أو فسروها، لم تقل شيئا جميلا فى كل من خالف ديننا.



أما أن يسقط هذا الموضوع على علاقتنا بالمسيحيين والأقباط، فهو إسقاط فى غير محله، ولا يجوز أن تحكم علاقتنا بالآخرين فى ضوء تفاسير منذ أكثر من مئات السنين . وهؤلاء المفسرون والشيوخ القدماء، لم يكن ببلادهم مسيحيون ولا يهود ولا أقباط، وبالتالى لم يتعاملوا معهم، وحتى عندما تعاملوا معهم تأثروا بمعاملة اليهود مع المسلمين فى يثرب.

تلك المعاملة التى قيل فى شأنها الكثير، وهو ما كتبه الداعية بنفسه فى متن المقال وقال: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد عاد المرضى من غير المسلمين، وقبل الهدايا من غير المسلمين، وقدم الهدايا لهم، واستأمن على نفسه فى الهجرة دليلا من غير المسلمين وأباح طعام غير المسلمين وأكل وشرب معهم، وأمر بحماية كنائسهم ومعابدهم، وأحسن إلى رهبانهم وأسكن نصارى نجران المسجد النبوى أثناء حواره معهم، وقَبِل أن يصلوا فيه صلاتهم.

وجعل النجاشى ملك الحبشة المسيحى قبل أن يسلم وكيلًا له فى زواجه من السيدة أم حبيبة، عندما كانت مهاجرة بالحبشة. فهل المتشددون أكثر تدينًا من رسول الله، أم أنهم أكثر فهمًا للولاء والبراء من رسول الله؟.. الولاء والبراء فى الحرب فقط.. أما غير ذلك فالأصل هو العدل والبر والتعاون والتراحم مع كل الناس.

ولو قرأنا معانى الولاء والبراء، فإننا لن نجد فيها ما قصده شيخنا الدكتور عمرو خالد أبدا. الولاء: مصدر الموْلى والوالى: المعتق والحليف والولى.. والموالاة: اتخاذ المولى. برئ إذا تخلّص، وبرئ إذا تنزّه وتباعد، وبرئ إذا أعذر وأنذر.. إذن الولاء لغة يطلق على عدّة معان منها: المحبة، والنصرة، والاتباع، والقرب من الشىء، والدنو منه. والبراء لغة يطلق على عدة معان أيضاً منها: البعد، والتنزه، والتخلص، والعداوة.

وكل ما كتبه المفسرون والشراح، والفقهاء فى تفسير وشرح معانى البراء والولاء، هو هجوم شامل على علاقة المسلمين بالمخالفين لهم، وهى ما بين الازدراء والتعريض بهم والتضييق عليه واحتقارهم وتهميشهم.

فلم يكن من اللائق أن يستجلب الداعية الشيخ، تلك المعانى القديمة الموضوعة منذ مئات السنين ليسقطها على تلك العلاقة الخالدة بين المسلمين والأقباط فى مصر..والغريب فى الأمر، أن كثيرا من الشباب والمتدينين يسقطون تعاليم ابن تيمية وغيره من غلاة الشيوخ المتشدين، على علاقة المسلمين والأقباط فى مصر، دون أن يتبينوا أن المناخ الذى عاش فيه هؤلاء الشيوخ يختلف تماما عن المناخ الذى نعيشه نحن منذ أكثر من ألف عام.

لأجل هذا تمنيت ألا يستعين شيخنا وداعيتنا، بأحكام عقيدة الولاء والبراء ليسقطها على تعاملنا مع إخواننا الأقباط الذين نكن لهم ولعقيدتهم كل تقدير واحترام.. وآن لنا أن نتعامل بمبدأ المواطنة والشراكة فى الوطن لنحافظ على وحدتنا الوطنية.