رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر قادمة


أسبوع عربى فى الولايات المتحدة الأمريكية.. شارك فيه الرئيس السيسى، ثم الملك عبدالله، ملك الأردن، فأبومازن، وسبقهم من أسابيع قليلة الأمير محمد بن سلمان، ولى العهد فى المملكة، أو الرجل القوى فى المملكة العربية السعودية.. وعقب تلك الزيارة شهدت العلاقات المصرية- السعودية تحولاً مهما تمثل فى عودة ضخ البترول عبر شركة أرامكو السعودية بعد توقف لأشهر وشهدت لقاء مهمًا بين الملك سلمان والرئيس السيسى على هامش القمة العربية الأخيرة فى الأردن والتى لم تشهد أحداثاً مهمة ولحقت بأخواتها من القمم العربية الفاشلة، وربما كانت صورة اللقاء بين الملك سلمان والرئيس السيسى بما تحمله من دلالات تشير إلى انتهاء مرحلة باردة من العلاقات طوال شهور مضت والتى بررها سياسيون بالموقفين المصرى والسعودى من الصراع فى اليمن وسوريا وليبيا.



الأسبوع العربى فى أمريكا سبقه تحرك سياسى للرئيس السيسى ضمن لقاءات فى القاهرة إلى سفره للأردن والمشاركة فى القمة العربية الأخيرة.. السيسى ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية يحمل ملفات مهمة منها ما يحدث فى الشرق الأوسط ومحاولات التقسيم لدول عربية ودعم دول كبرى لمنظمات إرهابية وموقف مصرى واضح من أزمات سوريا واليمن والعراق وليبيا ومحاولة إحياء ملف القضية الفلسطينية والذى تضاءل حجمه وانزوى بعد بروز ملفات أخرى أكثر التهابًا وأهمية.

زيارة الرئيس السيسى لأمريكا تأتى أيضًا ضمن برنامج للرئيس الأمريكى دونالد ترامب لاستعادة القيادة الأمريكية للعالم.. ومحاولات أمريكية لعودة الدور الأمريكى فى الشرق الاوسط إلى سابق عهده.. فمنذ أن أطلق الرئيس السادات مقولته الشهيرة إن 99% من أوراق اللعب فى الشرق الأوسط فى يد الولايات المتحدة الأمريكية، وحكام المنطقة نقلوا حجهم السياسى إلى البيت الأبيض وتحول الرئيس الأمريكى إلى الآمر والناهى فى شئون الشرق الأوسط، فيما تسابقت رءوس الأموال العربية اإلى الارتماء فى أحضان السوق الأمريكية.

ومع وصول بوتين إلى قيادة روسيا تحولت الدفة شيئاً فشيئاً.. ورغم اهتمام أمريكا ودعمها لمشروع الشرق الأوسط الأكبر وعبر سياسة جورج بوش الأب والابن وأوباما ومحاولات مادلين أولبرايت وكونداليزا رايس وهيلارى كلينتون ومارى اسكوبى وآن باترسون، طابور طويل من المحاولات المتتالية لإعادة رسم حدود الشرق الأوسط تمهيداً لتمكين إسرائيل من قيادة المنطقة وتقزيمًا للدور المصرى وإبرازا لأدوار دول عربية أخرى.. سنوات طويلة بدأت مع نهاية الثمانينيات باحتضان عناصر الإخوان المسلمين ثم تدريب أجيال جديدة من السياسيين الشبان المصريين عبر وحدات المركزين الجمهورى والديمقراطى.. والعمل على تقسيم العراق وسوريا ولبنان ومحاولات خلق أو صناعة الهلال الشيعى وفى مقابله الهلال السنى ثم إشعال المنطقة بثورات الربيع العربى ، طابور طويل من المؤامرات دفع السادات حياته ثمنا له، ثم دفع مبارك سقوطه من الحكم ثمنا له، وكذا قتل القذافى وإعدام صدام حسين ورأى حكام الخليج عبرة فى ذلك، فسارعوا إلى الطاعة والتسليم لأمريكا.

وفى وسط كل ذلك ظهر بوتين ليبدأ معركة سياسية ناجحة مع الغريم التقليدى ويتزامن ذلك أيضا مع ظهور الرئيس السيسى فى مصر، وجاءت ثورة يونيو 2013 لتطيح بالحكم الإخوانى وتعيد الإخوان إلى مكانهم المفضل تحت الأرض سواء فى السجون أو مطاردين.

وبعد مرحلة استمرت لست سنوات استطاعت فيها روسيا أن تضع قدمها بكل قوة مرة أخرى فى الشرق الأوسط عبر تدخل مباشر وقوى فى سوريا ولتحسم الموقف أو تؤجل الحسم النهائى لصالح بشار الأسد ولتشارك الجيش العربى السورى فى تحرير حلب ثم استرداد الكثير من المدن والقرى ولتغير خريطة الحرب فى سوريا وأيضا تسهم فى تغيير الوضع فى العراق.. وفى المقابل جاء الرئيس السيسى ليضع سياسة متوازنة لم يسقط فى فخ الحلم الأمريكى ونسبة الـ99% من أوراق السياسة ولكنه اتجه وبذكاء سياسى إلى الحليف الروسى، والتقى الطرفان عبر أهداف واضحة، روسيا تحاول استعادة الشرق الأوسط وما كان لها فيه ومصر تحاول النهوض جيشًا واقتصادًا ورأى السيسى فى حليفه الروسى سندًا فى ذلك.. وفى المقابل بعد انتهاء حلم أوباما وكلينتون ومجىء دونالد ترامب. جاء السيسى إلى واشنطن من موقف قوى.. جاء حاكماً لدولة نجت من المؤامرات واستطاعت وقف الإرهاب وقريباً إنهاءه والقضاء عليه.. لذا كانت كلماته فى أول لقاء رسمى مع دونالد ترامب تعبر عن ذلك، عندما قال جئنا لنقف بجوار أمريكا فى مواجهة الإرهاب.. لم يقل خلفها أو يساندها ولكن بجوارها ليؤكد قوة الموقف المصرى..وفى المقابل كان الوعد الأمريكى بمساعدة عسكرية غير مسبوقة لمصر وهى رسالة للكل فى الشرق الأوسط.. مصر تتحول إلى القوة العسكرية الأولى فى الشرق الأوسط وعلى الجميع أن يعى ذلك، فهنا جيش قوى يتم تسليحه بالأحدث والأقوى والأهم من الأسلحة وستكون كلمته هى الحاسمة فى المرحلة المقبلة.. السيسى لم يذهب إلى أمريكا فقط من أجل ذلك، لكنه أيضا التقى العديد من الرموز الاقتصادية القوية والتى أعربت عن اهتمام قوى بمصر.. زيارة الرئيس السيسى إلى الولايات المتحدة الأمريكية واللقاء الحميمى مع دونالد ترامب والاستقبال الحافل وتأكيد ترامب أنه من الآن أصبح لمصر حليف قوى هو الولايات المتحدة الأمريكية، كل ذلك يؤكد أن مصر قادمة بكل قوة عسكريًا واقتصاديًا وسياسيًا، وأن ما يحدث حاليًا هو مرحلة ستكون أخيرة، بعدها ستكون كلمة مصر فى الشرق الأوسط هى الحاسمة.