رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في انتظار توجيهات الرئيس


عندما تواجه عدواً واضحًا.. رجلاً لرجل.. سلاحاً لسلاح.. المعركة هنا واضحة المعالم أعرف عدوى وأراه وأحكم على قدراته وقوته.. أدرس وأتوقع تصرفاته وردود فعله.. كلانا سيخوض المعركة بخطط مُعدة سلفاً وبتوقعات لما قد يحدث.

هكذا يكون الوضع عندما تُحارب الجيوش النظامية فى أكتوبر 73 كنا نُحارب جيشًا واحدًا معلومة لدينا قدراته وإمكانياته وعلى أرض مفتوحة تعرف تضاريسها ودروبها.. وعندما تُحارب بعض الحشرات كبعوض يحاول الاقتراب منك أو مجرد مجموعة من النمل صغيرة الحجم تتسلل إلى ملابسك وأنت نائم أو ذبابة صغيرة تسللت إلى غرفتك وتظل تطاردها فتختبئ هنا أو هناك.. ستبذل مجهودًا ذهنيًا وعضليًا أكثر بكثير مما تبذله فى مواجهة رجل يتشاجر معك.. وهذا هو الوضع عندما يُحارب جيش نظامى مجموعة من العصابات.. الطائرات لن تستطيع دخول الكهوف.. قد تدمر مدخلًا أو سيارة لكنها لن تستطيع مطاردة أشباح يتحركون وسط أشجار ومزارع الزيتون إلا أن تحرق كل ما هو فوق الأرض وتهدم مدنًا أو تمحو قرى من الوجود.

ولذا فالمعركة فى سيناء ليست سهلة.. استطعنا تحريرها كاملة عندما كُنا نواجه جيوشاً نظامية.. استطعنا ساعتها أن نحقق النصر، ولكن على القاطنين على صفحات التواصل الاجتماعى والمناضلين خلف شاشات الكمبيوتر أن يتنبهوا لحقائق عدة.. الإرهاب لم يتمكن من سيناء.. سيناء التى تصل مساحتها إلى حوالى 60 ألف كيلو متر مربع يقبع الإرهاب فى حوالى المائتين وخمسين كيلو مترًا مربعًا وهى مساحة مثلث رفح - العريش- الشيخ زويد ومنها حوالى 60 كيلو مترًا مربعًا مساحة جبل الحلال وهو ذو طبيعة خاصة أشبه بجبال تورا بورا.. فالكهوف والمغارات به يصل عملها إلى أكثر من مائتى متر.. ودروبه من الصعب دخولها بآليات عسكرية كبيرة أو ثقيلة، بالإضافة إلى كونه منطقه معقدة جغرافيًا لا يعرفها سوى القليل من قصاصى الأثر البدويين وهم يخشون الجماعات الإرهابية وليس ببعيد جرائم القتل لشباب البدو ونتذكر جميعاً قتل أحد قصاصى الأثر فى الجيزة لتعاونه مع الشرطة فى الإرشاد عن دروب جبلية.

ورغم تقدم أجهزة المراقبة العسكرية وكشف الألغام.. إلا أن قدرة التخفى لدى العصابات تتفوق، فالأسود لا تستطيع تمييز الأفعى الملونة من فروع الأشجار أو العشب على الأرض.. سيناء إذن معركة ذات طبيعة خاصة.. ومثلث العريش تحديداً به عشرات من مزارع الزيتون وكانت هناك فرصة لما يقرب من ثلاثة أعوام لحفر وبناء أنفاق تصل بين غزة والعريش ساعدت فى ذلك أجهزة مخابراتية أجنبية.. ورعت ذلك قوات حفظ السلام.. ومولت ذلك جماعات ودول ومكنت لهم جماعة الإخوان بدعمها لهم خلال الفترة ما قبل 30 يونيو 2013 ومنذ 25 يناير 2011.. هناك ثلاثون شهرًا كانت سيناء بعيدة عن السيطرة الكاملة للقوات المسلحة والشرطة.. فالمنطقة «ج» وطبقا لاتفاقية «كامب ديفيد» لا يوجد بها قوات مسلحة، وحتى قوات الشرطة الموجودة تحمل أسلحة خفيفة.. فكان من السهل على جماعة تنظيم «بيت المقدس» وبمساعدة حمساوية وبتخطيط تركى وبتمويل قطرى ورعاية إخوانية أن تنفذ إلى شمال سيناء وتغلغل مستغلة طبيعة البدو وحمايتهم لمن يستجير بهم وأيضًا استعدادهم الفطرى للتدين واتباع أغلبهم للمذاهب السلفية.. فنمت بينهم أيضا السلفية الجهادية ولعب إهمال الدولة عبر عشرات السنين لسيناء خاصة الشمال دورًا أهم فى ابتعاد البدو عن السلطة ورغبتهم فى عدم التعاون مع النظام واكتفائهم بالانكفاء على البحث عن أرزاقهم أو تنمية ثرواتهم.. هذا لا يقلل من بطولات عديدة قدمتها قبائل البدو.. ورغم ذلك هى أيضا التى قدمت المنيعى وأبوشاويش وآخرين.

المنطقة صعبة والمعركة أصعب.. وما يحدث الآن فى جبل الحلال تحديدًا هو بداية النهاية لمعركة الإرهاب وهى الجولة الأخيرة التى ستحسم معركة طالت لسنوات.. صعوبة المعركة تعود لأنها جولة أخيرة بالفعل.. فأفراد التنظيم الأب «داعش» لبيت المقدس يلقون يومياً هزائم فى الموصل وسوريا ووسائل التنظيم ومناشدته مؤخرًا لأبناء تنظيم داعش من المصريين والعرب بالعودة تتوالى وجثث القتلى منهم فى سيناء تنبئ عن وصول أبناء جنسيات مختلفة، وظهور عناصر خطرة كانت هاربة فى سيناء واتجاههم للترويع عبر ذبح الأقباط ليس اتجاهًا جديدًا.. ولكنه تكريس لعنف الثمانينيات والتسعينيات وامتداد لجرائم «داعش» ضد مسيحيى العراق وسوريا وأيضا امتداد لمنهج الإخوان فى حرق الكنائس بعد ثورة يونيو أو الاعتداء على الأقباط.. هى سلسلة متصلة ومنهج واحد لارتكاب الجرائم.. ولذا فالمتباكون على ما يحدث فى سيناء والنخبة التى اعتادت أن تلطم الخدود يجب أن يتفهموا جيداً ما يحدث.. هناك تقصير من الدولة فى توضيح أمور كثيرة تحدث فى سيناء وأيضا فى مواجهة أمور أخرى حدثت.. الاهتمام فقط بتأمين الكنائس حولها إلى ما يشبه قلاعا من الخارج..ولكن الأهم هو مطاردة الإرهابيين وليس انتظارهم حتى نواجههم.. الأهم أيضا هو محاولة علاج أسباب اعتناق الشباب لأفكار إرهابية.

بعض أجهزة الدولة مقصرة نعم فى مواجهة ما يحدث.. القوات المسلحة تقدم أغلى ما لديها من أبنائها شهداء، وتواجه معارك شرسة هذا هو دورها وقدرها وتقوم به.. الشرطة تحاول قدر جهودها وفى حدود إمكانياتها وقدمت ما يقرب من ألف شهيد من ضباطها وجنودها فى السنوات الأخيرة راحوا ضحية لحوادث إرهابية.. ولكن لننظر ونتوقف قليلاً عند ما حدث أثناء تنقل أو فرار بعض الأسر القبطية من مدينة العريش.. هناك حوالى 150 أسرة مسيحية فى العريش ولهم كنيستهم ولم يحدث يوماً أن تم خطف أو قتل أحدهم قبل 25 يناير، ومع ما حدث من تغيرات بعد ذلك وبعد جرائم متتالية للجماعات الإرهابية بدأت الأسر القبطية تتعرض لحوادث خطف أو قتل أو إجبار على الرحيل.

التنقل أو النزوح يحدث فى العالم كله عندما تتعرض منطقة لكارثة ولكن يتم ذلك بخطط وتحت رعاية الدولة وبدعم إعلامى.. فى تهجير آلاف الأسر فى عام 67 لم يحدث هذا الارتباك. أما ما حدث فى الإسماعيلية فيجب أن نعترف بأنه تحرك فردى قامت به الكنيسة الإنجيلية ووقفت كل الأجهزة تتفرج على ما يحدث وصورها الإعلام على أنها كارثة ولم يفق الجميع إلا بعد توجيهات الرئيس لتسافر وزيرة التضامن ولا تحرمنا من ابتسامتها وهى تصافح أسر فى كارثة ويتحرك فجأة محافظ الإسماعيلية ليتذكر أن لديه نزلًا شبابيًا دوليًا يستطيع استضافة المئات بعد أن باتوا فى حجرات وحديقة الكنيسة وسارعت الجمعيات للتبرع ببطاطين وتذكر البعض أن هناك طلبة..وسمعنا صوت محافظ شمال سيناء مؤخراً يعلن عن إعطائه إجازة للإخوة الأقباط العاملين فى العريش.. فجأة تحركت الدولة بعد أن وجه الرئيس.. واقعة تهدر جهودًا كبيرة تبذل ويجب أن يتم تقييمها ومعاقبة من أهمل.