رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف نخاطب العالم؟


فى العام الماضى زار مصر وفد إعلامى إفريقى مكون من 28 مديرًا للتليفزيونات الإفريقية، يمثلون دولهم بشكل رسمى، ضمن برنامج ينظمه معهد تدريب الإعلاميين الأفارقة بوزارة الإعلام ووزارة الخارجية.. وفى أول لقاء لى معهم كان سؤالهم: لماذا لا تصاحبهم سيارات حراسة مع الأتوبيس الخاص بهم؟.. وهل هناك حراسات أو تأمين بزى مدنى مصاحب لهم؟، وكان السؤال الثانى: ما طبيعة الجولة الحرة التى يتضمنها برنامج الزيارة.. وكيف سيسيرون فى شوارع القاهرة مساء بعد العاشرة وفى الميادين صباحا؟.. السؤال لم يكن يحمل سوى دلالة واحدة، هى أن هناك صورة لمصر مازالت ترسخ فى أذهان العالم الخارجى، وهى مرتبطة بأحداث يناير والحرائق والسرقات وعنف للبلطجية، وأن الدبابات مازالت فى الميادين أو الشوارع.



كان على السفير حازم عمر ومساعديه وعلى فريق معهد الأفارقة مهمة أن تصل صورة مصر الحقيقية لهم.. زاروا كل ميادين القاهرة وسافروا إلى الإسكندرية والغردقة والتقوا شيخ الأزهر والبابا تواضروس ورئيس مجلس النواب.. كما زاروا مدينة الإنتاج الإعلامى ومؤسسات إعلامية وتلقوا محاضرات وحضروا ورش عمل فى مبنى ماسبيرو لمدة واحد وعشرين يومًا.. نجحت الزيارة فى تغيير صورة ذهنية عن مصر لدى الأفارقة.. كان تعليقهم فى النهاية: لماذا تتركنا مصر للقنوات الغربية ولـ«الجزيرة» القطرية؟!.. لماذا لا يصل إرسال التليفزيون المصرى وشبكات إذاعاته إلى كل شبر فى إفريقيا؟!.. ولماذا غابت مصر عن إفريقيا أصلًا؟!.. أسئلة عديدة تدفعنا إلى السؤال الأهم: المسئول عن صورة مصر فى الخارج.. هل المكاتب الإعلامية التى أُغلق أغلبها وأهمها حالياً.. أم وزارة الخارجية بسفارات يُنفق عليها ما يقارب المائة مليون دولار.. أم المكاتب السياحية والثقافية والعمالية الموجودة فى كل السفارات وبكل منها مستشار يصل راتبه إلى 15 ألف دولار شهريًا.. بالإضافة لملحق إدارى وسكرتير محلى وسيارات وسائقين؟!.

كل هذه البنود والحصيلة صفر.. إذا كان الإعلام هو المسئول الأول، كما يلصق به كثيرون التهمة: فأين إذن كل الجهات الأخرى؟!.. ولماذا ألغت الخارجية ندب المستشارين الإعلاميين للعمل فى المكاتب الخارجية.. خاصة فى العواصم المهمة بالنسبة لنا؟!..

الهيئة العامة للاستعلامات منذ إنشائها والدور المنوط بها هو تحسين صورة مصر فى الخارج والرد على ما قد يشوب هذه الصورة أو ما قد يوجه لمصر من اتهامات أو إبراز إنجازات الدولة.. وكذا مرافقة رئيس الجمهورية وإعداد المؤتمرات الصحفية له والإشراف على المؤتمرات الصحفية فى مصر.. ناهيك عن دور مهم داخل البلاد توقف وانتهى.

وفى الندوة التثقيفية الأخيرة للقوات المسلحة التى حضرها الرئيس السيسى، ناقش د. عبدالمنعم سعيد قضية الإعلام الخارجى وصورة مصر فى الخارج.. وأيًا كان الهدف من الطرح لكنه لاقى قبولًا لدى الرئيس الذى يحلم دائمًا بإعلام قوى يُسانده كما ساند عبدالناصر والسادات.

يحلم الرئيس بإعلام يقف وراء إنجازاته ويكشف له سلبيات حكومته.. ليس إعلامًا يسعى إلى حملات الإعلان ويدخل الاستديو بعربات الكشرى والكبدة... ما أثارته الندوة كان من المفروض أن تعقبه لقاءات لرئيس هيئة الاستعلامات التابعة لرئاسة الجمهورية حاليًا بعد فصلها عن وزارة الإعلام أثناء حكم «الإخوان» الذين أدركوا أهمية دورها، فحاولوا وضعها تحت إشراف الرئاسة المباشر.. ولكن ككل قراراتهم أتت بنتيجة عكسية.. هذه الهيئة تعرضت وتتعرض لمشاكل كثيرة مثلها مثل كل أجنحة إعلام الدولة.. تعرضت لاستيلاء وزارة الخارجية على كل المناصب الخاصة بالمستشارين الإعلاميين فى الخارج.. وتم تعيين المستشارين فى لندن وباريس والولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا والدول العربية المهمة من أبناء الخارجية.. وتم إغفال الإعلاميين سواءً من أبناء الهيئة أو الهيئات الإعلامية الأخرى، وبدأت أيضًا تجربة أن يكون رئيس الهيئة من الخارجية ومن أيامها وحتى الآن اختفى دورها وتلاشى.

قُلنا نتذكر أيام صفوت الشريف وممدوح البلتاجى وحتى نبيل عثمان.. كان صوت الاستعلامات عاليًا فى مصر وخارجها.. اليوم تم إغلاق 21 مكتبًا من إجمالى 36 مكتبًا كانت تتبع الهيئة خارجياً.. وأيضا تم إلغاء ندب المستشارين فى باريس والخرطوم وأبوجا وكمبالا والرباط، وتوقف العمل تقريبًا بالهيئة سواءً فى الداخل أو ما تبقى لها من مكاتب فى الخارج.. تم إغلاق المكاتب الخارجية ولم يتم وضع البديل.. وتعاملوا مع القضية اقتصاديًا.. المكاتب تكلفتها كبيرة، فيتم توفير التكلفة وتضيع صورة مصر.. لم نفكر فى كيفية الاختيار لمن يشغل المنصب.. ولم توضع خطط علمية تدرس كيف نتعامل مع الدول وكيف نخاطب الشعوب.. الدول الكبرى والصغرى والمؤسسات العالمية تتعاقد مع شركات دولية متخصصة فى مجالات العلاقات العامة لتحسين صورتها أمام الدول.. وحدث ذلك أيام الرئيس الأسبق مبارك، وحدث ذلك مؤخرًا مع جماعة «الإخوان» التى تعاقدت مع مؤسسة علاقات عامة ودولية لتحسين صورتها فى الغرب.. ومن خلال التنظيم الدولى نجحوا فى كسب تعاطف حكومات، وربما يستطيعون تغيير رأى الرئيس الأمريكى فيهم.. كما تقدموا فى المملكة السعودية بعض الشىء.. وربما تكشف الأيام القادمة عن قرارات فى صالحهم.

الإيمان بالتخصص والبحث عن المتخصصين.. هو أول سُبل النجاح.. وإغلاق المكاتب الخارجية للاستعلامات أو إنهاء دورها والبحث عن إنشاء كيان جديد يجب أن يخضع لدراسة متأنية.. يجب أن تلتفت الحكومة إلى الكيانات الموجودة، اتحاد الإذاعة والتليفزيون المصرى يملك 60 إذاعة موجهة للعالم باللهجات المحلية تحتاج دعمًا ماديًا ولوجستيًا أفضل من الصرف على مشروعات جديدة تعتمد على استضافة الفنانين وتكتفى بمخاطبة المصريين.. يمتلك أيضًا قناة فضائية موجهة للأمريكتين وأخرى ناطقة باللغة الفرنسية والإنجليزية تحتاجان إلى دعم لوجستى وتمتلكان كوادر بشرية رائعة.. وزارة الإعلام لديها معهد لتدريب الأفارقة يستضيف سنويًا ثلاثمائة إعلامى إفريقى، يجب الاهتمام به وبشكل أفضل.. وهو مشروع مشترك للإعلام والخارجية.

إعادة هيئة الاستعلامات لدورها الأصلى واختيار إعلاميين أكفاء لمكاتبها الخارجية والداخلية ورئاستها.. دعم مؤسسات موجودة وعلاج أخطائها أفضل كثيرًا من بناء مؤسسات جديدة فى الوقت الحالى.

صورة مصر فى الخارج أهم كثيرًا من أشياء أخرى يتم الصرف عليها بالملايين.. يجب أن نتعلم كيف نخاطب الآخر.. نحن دولة تبنى من جديد ويتحقق على أرضها إنجازات واستقرار، والعالم فى أغلبه لا يعلم عنا شيئًا لأننا نتكلم هنا فى مصر مع المصريين فقط.. تابعوا حملة ترشح ممثل قطر لليونسكو، وتابعوا حملة السفيرة مشيرة خطاب.. تابعوا حملات كثيرة وتعلموا كيف نخاطب العالم فى وقت مهم نحتاج بالفعل فيه أن نعرف كيف نخاطب العالم ولا نكتفى بمخاطبة أنفسنا.