رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خسرنا بطولة وكسبنا جيلًا


أعادت مباريات كرة القدم فى دورة إفريقيا للمصريين روحًا افتقدوها.. لمة المصريين.. إحساسهم بأن هناك شيئًا واحدًا ينتظرونه ويتمنون تحقيقه.. إذا كانت نتيجة مباراة الختام ليست فى صالح فريق المنتخب، فإنها حققت هدفًا أهم.. ها هم المصريون بكل انتماءاتهم الفكرية والعقائدية.. بكل أعمارهم شيوخًا وشبابًا وأطفالاً.. رجالًا ونساءً.. يلتقون مرة ثانية.

المكسب الآخر لم يكن «التجمع العادى».. بل حققت لنا «دويلة قطر وجزيرتها» أكبر مكسب، فقد عاد المصريون إلى اللمة الكبيرة فى النوادى والشوارع والتجمعات.. ليلة المباراة كان أغلب الشعب فى تجمعات كبيرة.. لم يحدث فى تجمع منها حالة تحرش.. لم تحدث حالة سرقة.. لم تحدث حالة خطف.. كانت الفرحة واحدة والحزن واحدًا.. إنها الفرصة لنبنى عليها مرة أخرى.. اجمعوا المصريين حول هدف واحد وسوف ترون شعبًا جبارًا.. حاولت «دويلة قطر» قتل فرحة المصريين بمشاركة منتخبهم.. لم يفكروا لحظة فى إسعاد الشعب المصرى.. تعاملوا مع قضية البث باحتراف غبى وغباء سياسى.. ظنوا أن المصريين لن يتابعوا منتخبهم.. أو أن قناتهم ستمنع عنا فرصة المشاهدة أو سنرضخ للاشتراك بها.. وكان الرد المصرى الشعبى.. لم تتدخل فيه حكومة ولا رجال أعمال كبار.. تجمع الشباب فى الأندية ومراكز الشباب وعلى نواصى الشوارع والمقاهى والجراجات.. ومع كل خطوة يتقدمها فريق مصر.. كانت قوة عودة المصريين لأحضان المصريين.. حكى لى أصدقاء، وشاهدت فى متابعتى للمباريات وسط التجمعات.. كيف كان اللقاء بين المصريين حارًا.. لم يكن أغلبهم يعرفون بعضهم.. ولكن عادت الروح الجميلة.

حرص الشباب على الفتيات.. حرص الصغير على الكبير.. حنان الكبار ومداعباتهم للأطفال.. حماس وحرص الأطفال على حمل علم مصر.. لم يخرج طفل إلا ومعه علم وطنه.. تحول العلم إلى حلم لأطفال مصر.. كل هذه مكاسب حققتها مباراة كرة قدم.. ليس لأنها مباراة وليس لفريق محلى ضد آخر.. ولكن لأنها مباراة لفريق مصر.. فأيقظت حلم المصريين بأن تعود إليهم الريادة مرة أخرى.. الفرصة هنا لم تكن مرتبطة فقط بهدف يحققه لاعب فى مرمى الخصم.. ولكنها كانت فرصة بأن علم مصر عاد مرة أخرى يرفرف على ملاعب كرة القدم.. كما عادت أسماء لاعبينا تتردد مرة أخرى معًا فى فريق واحد.. لم يعد هناك محمد صلاح لاعب روما.. ولا الننى أو صبحى أو المحمدى.. كلهم يلعبون مرة أخرى تحت اسم مصر.. عادت مصر إذن، بروح مباراة قدم نجحت الفكرة فيما فشل فيه وزراء ومفكرون.. ابحثوا إذن عما يفرح المصريين.. ابحثوا عن السبب الحقيقى فى خروجهم جميعًا.. روح افتقدناها كثيرًا.. منذ 30 يونيو لم يخرج المصريون هكذا.. لم يدفعهم الإعلام، بل كان سببًا فى إحباطهم بعد أن رفع لهم سقف الطموح.. وصور لهم أن المباراة الأخيرة هى حفل ختامى للحصول على الكأس.. وهى قضية هامة يجب أيضًا أن نستفيد منها.. نحن شعب يبحث عن الفرحة والأمل.. ويوم أن تحرك الشباب فى يناير.. خرج معهم الشعب متوهمًا أن القادم هو الأفضل، وأنها أيام وتنتهى كلًا مشاكله.. وخرج الإعلام ليسهم فى رفع سقف الطموح.. بل خرج إعلامى كبير صديق ليبشر المصريين بأن كل منهم سيحصل على مئات الدولارات من فلوس مبارك المنهوبة.. وبدأ الجميع لحظات الهدنة والانتظار.

لقد خرجوا فى يناير وهم متأكدون أنها ثورة حقيقية ضد نظام حكمهم ثلاثين عامًا.. ثم انتظروا تحقيق الأحلام فكانت المأساة.. وفى يونيو 2013 خرج المصريون مرة أخرى وبروح أخرى ليحققوا مرة ثانية أحلامهم ويحققوا الخطوة الأولى والأهم.. وخلعوا الإخوان من الحكم ثم عادوا بعد ذلك إلى منازلهم ينتظرون أن تحقق الحكومة أحلامهم.. وجاء الرئيس السيسى وفى كل خطاباته يؤكد أن ما يحلم به المصريون لن يتحقق إلا بالعمل والإرادة والتحدى.. وأسهم الإعلام مرة أخرى فى رفع سقف الطموح.. ثم عاد ليسهم فى رصد آلام الشعب ويثير شجون الغاضبين.

ما حدث من إحباط للمصريين بعد انتهاء مباراة الختام هو حالة مصرية.. نحن نبدأ بحماس بالغ ثم نحلم بعد تحقيق خطوة أو اثنتين ثم نتكاسل أو نتوقف.. بعد مباراة الحكام فى دورة إفريقيا على حكومتنا الرشيدة أن تنظر إلى هذا الشعب الرائع حتى تحقق له بعض أحلامه وأن تتعلم من الدرس.. فقد فشلت فى لم شمل الشعب حول هدف واحد ومشروع قومى.. الرئيس استطاع ذلك فى مشروع قناة السويس.. وفى طلبه دعم بعض المشروعات وليس ذلك بجديد على المصريين.. هاجمته المعارضة يوم دعا إلى التبرع بالفكة.. ونسيت المعارضة أو ربما تناست «مشروع القرش» فى العهد الملكى وفى عهد عبدالناصر.. وهاجموه يوم دعا المصريين للعودة إلى روح التجمع والحث على الانتماء.. وها هو الرد يوم أن وجد المصريون هدفًا لهم فتجمعوا حوله وسعوا إليه.

إذا كنا خسرنا مباراة أو بطولة.. فقد كسبنا جيلًا جديدًا ليس من اللاعبين فقط.. وإنما جيل من الشباب والأطفال وجد فى «الحضرى» العجوز نموذجًا للتحدى والإرادة والقدرة على العطاء رغم كل ما قد يعوقه.. جيل وجد أيضًا فى «صبحى» و«وردة» نموذجًا له ولجيله.. ورأى فى «صلاح» و«الننى» وغيرهما نماذج لنجاح مصرى فى الخارج.. لم نخسر إذن بكل الحسابات.. ولكننا كسبنا أشياء كثيرة.. الأهم أن نبنى عليها ونستمر.. وبعيدا عن المكسب والخسارة.. فهناك حادث قتل وقع فى مقهى بمصر الجديدة.. لم يكن مقهى فى إمبابة أو الوراق.. الجالسون عليه أولاد ناس- كما يطلق عليهم- والمقهى لا يرتاده سوى من يملك أن يدفع.. ولكن صاحبه لم يكتف بما يكسب، فزود عامليه ببلطجية.. فقتلوا شابًا اعترض على طريقة المعاملة أمام خطيبته وأصدقائه.. قضية تعيد للذاكرة حادث أركيديا وحوادث أخرى.. قضية تركتها الأخبار ومجالسها تكبر وتنتشر وتملأ شوارع مصر بدون رابط أو رقابة.. ولم تتحرك أجهزة كثيرة.. لا الصحة تابعت العاملين بالمقاهى.. ولا التموين قامت بحملات تفتيش.. ولا الحماية المدنية تابعت تجهيزاتهم.. ولا المصنفات الفنية تابعت ما يبث على شاشات المقاهى ليلًا.. ولا المرافق سألتهم لماذا يحتلون الشوارع.. حتى وقع حادث مصر الجديدة فتحركت مديرية أمن القاهرة فى مصر الجديدة فقط.. إذا كنا نريد أن نستفيد من أخطائنا.. فلنبدأ حملة مجمعة للخلاص من بلطجة المقاهى فى شوارع المدن.. هذه المقاهى غير المرخصة تحولت إلى بؤر لتجمع البلطجية وفرض الإتاوات.. حيث يشترك فى ذلك مقاهى مصر الجديدة أو الجيزة.