رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رسائل الرئيس من أسوان


فى منتصف الثمانينيات وصل إلى القاهرة قادمًا من سوهاج وأسيوط والوادى وقنا مجموعة من خريجى صحافة سوهاج جاءوا بحلم العمل فى القاهرة، وتوالى وصول خريجى صحافة سوهاج تباعًا، واليوم عندما تتابع أغلب الصحف ووسائل الإعلام ستجد أن مجموعة كبيرة منهم هم رؤساء التحرير أو رؤساء مجالس الإدارة.. هذه المحافظات التى كانت ومازالت تحت اسم صعيد مصر قدمت على مر التاريخ قادة الفكر والثقافة والعلماء والسياسيين.. مازلت أذكر تحت قبة مجلس الشعب وفى لجانه المختلفة مناقشات ممتاز نصار وإيهاب مقلد مرورًا بأجيال مختلفة معارضين أو فى حزب الحكومة.. هذا الصعيد ظل من عشرات السنين يقدم أبناءه ليكونوا القادة فى كل المجالات، ولكنه ظل الوطن المنسى، فالتنمية فى القاهرة والإسكندرية والمصانع والمدارس الدولية والجامعات الخاصة والمشروعات الكبرى فى دلتا مصر ومحافظات القناة.. فظل الصعيد ومازال طاردًا للسكان.



فى القاهرة شوارع كاملة يمتلك عماراتها أبناء سوهاج وقنا.. فى الإسكندرية ربما أحياء كاملة.. السويس كذلك وكنت دائمًا أسأل أصدقائى من أبناء الصعيد لماذا لا يتم هذا الاستثمار فى الصعيد؟.. لماذا لا نبنى هذه العمارات والمشروعات فى الصعيد؟.. كانت الإجابة أنها بلدان منسية لن تصل إلى ما وصلت إليه القاهرة أو الإسكندرية أو حتى بعض مدن الدلتا.. ومرت سنوات وأحلام التنمية تداعب أبناء الصعيد.. وجاء الأسبوع الماضى ليضع حدًا ربما فاصلاً بين مرحلة النسيان والوعود ومرحلة التذكر والعمل.. كثيرون تحدثوا عن مؤتمر الشباب بأسوان.. البعض تندر بأن اختيار أسوان جاء لأن هذا وقت زيارتها السنوية، ولا أسوان فى يناير من أفضل المدن، وبالتالى فإن مؤتمر الشباب هو رحلة للمسئولين والإعلاميين ولا استكمال الشكل الظاهرى.

يأتى شباب من محافظات أخرى وتعد مكافأة لهم.. هكذا تصور خيال البعض ممن تعودوا على أن الدولة لا تعمل وأن الوعود لا تتحقق.. تابعت مناقشات المؤتمر ورأيت الوجوه السمر تحيط برئيس الدولة عن يساره ويمينه.. رأينا المستقبل الأفضل لمصر فى عيون شبابها ورأيت الإصرار على عرض المشاكل، وأيضا اقتراح وتقديم الحلول..

ورأيت وهو الأهم متابعة الرئيس والمسئولين.. تحدث الشباب الأسوانى عن مشكلة محطة كيما ولم يكتف الرئيس بالاستماع لرأى وزير الإسكان أو المحافظ بل بادر وبشكل مفاجئ لزيارة المكان وتوضيح موقف المشروع.. اكتشف الرأى العام أن هناك إنجازاً وعملاً وخطة ومشروعًا حقيقيًا يتم تنفيذه طبقا لخطة زمنية.. زيارة الرئيس اختصرت وقت التنفيذ.. هناك إذن عمل يتم، وهناك إعلام غائب عن الترويج للإنجاز، وهذا موضوع مهم يجب تداركه، فالشعب الذى يتحمل كل يوم آلام ونتائج الوضع الاقتصادى الحالى لابد أن يرى أن هناك إنجازًا وعملاً يتم بالفعل، وأن هناك من يعمل ليس لمواجهة الأزمة وتجاوزها ولكن من أجيال عديدة قادمة.

اختيار الصعيد وتحديدًا أسوان لم يكن عشوائيًا.. كان رسالة لأبناء الصعيد، وكان أيضًا رسالة للمسئولين أن مصر لم تعد شرم الشيخ فقط، ولم تعد قاعة المؤتمرات أو الماسة هما المقصد، وأن الرئيس سيكون كل شهر فى محافظة ما.. فليستعد كل المحافظين للعمل حتى لا يتم وضعهم أمام الرئيس فى مأزق، كما حدث فى أسوان.. الشباب فى لقاءاتهم المباشرة بعد ذلك لم يخافوا من كشف فساد أكبر أو عرض مشاكل، فالتواصل الذى صنعه الرئيس بينه وبينهم ستأتى ثماره ولم يعد الرئيس بعيدًا عن الشباب ولم يعد الشباب يجدون أن التواصل مع رئيسهم مستحيل.

الرسالة من اختيار المكان كانت الإعلان عن أن التنمية ستصل إلى أبعد مكان فى مصر، وأيضًا أن التنمية يجب أن تبدأ من هنا.. من الجنوب من مناطق تمتلك ثلث آثار العالم وتمتلك تاريخًا وحضارة، وتمتلك أفضل أرض زراعية، وتمتلك بحيرات ومنها انطلقت شبكات الكهرباء لتنير مصر كلها.. التنمية فى الجنوب لا تحتاج فقط جهداً حكوميًا ولكنها تحتاج مشروعات وتحتاج تمويلاً، تحتاج أن يعود أبناء الصعيد من كبار رجال الأعمال إلى محافظاتهم لبناء مدرسة أو مستشفى أو جامعة خاصة.. كل مشروع من هؤلاء سيبقى على أبناء الصعيد بمحافظاتهم وسيسهم فى حل مشاكل كبرى بالقاهرة وسيقضى على مجتمعات ومناطق عشوائية، عندما تبحث فى قائمة رجال الأعمال فى مصر ستجد الكثيرين من أبناء محافظة أسيوط.. ثم يصدمك الواقع عندما تجد أن نسبة الفقر فى محافظة أسيوط تصل إلى حوالى 60%، ورغم أن جامعة أسيوط هى أقدم جامعات الصعيد فإن خريجيها يسافرون للعمل بالقاهرة فور تخرجهم لعدم وجود فرص عمل بها.. وعندما تبحث فى قائمة الشعراء والكتاب والمفكرين سيلاحقك أبناء المنيا، وعندما تعود إلى تقارير عن حالة التعليم تجد أن المنيا بها حوالى 30% أميين.. وكذا فى قنا وسوهاج والأقصر وأسوان.. هناك مناطق كثيرة مازالت بيوتها دون أسقف، وتسعى جمعيات متعددة لبناء أسقف لها بينما أكبر مقاولى مصر من أبناء هذه المناطق.

وإذا كان الرئيس منذ بدأ خطة العمل والتنمية فى الصعيد وأصدر قرارًا مهمًا بإنشاء هيئة تنمية جنوب مصر، فإن الكرة الآن فى ملعب أبناء الصعيد.. عودوا إلى محافظاتكم.. ابدأوا مشروعات فيها، ابنوا مدارس وجامعات ومستشفيات شاركوا الحكومة فى مشروعاتها.. عندما تتاح فرص العمل لأبناء المحافظات ستجدون من يدفع مصروفات المدارس والجامعات والمستشفيات الخاصة.. عندما تقام مدن جديدة ومصانع سيتحول أبناء المناطق الفقيرة إلى من يستطيع المشاركة فى التنمية..

مؤتمر الشباب فى أسوان حقق أهدافه وكشف الغطاء عن أشياء كثيرة، مشروع كيما سيكتمل بعد زيارة الرئيس، وجامعة الأزهر بالمنيا ستعمل بعد أن علم الرئيس وزارها رجال الرقابة الإدارية وأكدوا جاهزيتها للعمل.. والأمل أن يعود مجمع نجع حمادى للألومنيوم للعمل بطاقته الكاملة وتعود مصانع السكر والورق للعمل.. الصعيد هو الحل.. هو الأولى بالاهتمام وهو الذى ستنطلق منه مسيرة التنمية نحو المستقبل.