رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المساواة والمواطنة في أشعار سيد حجاب


ودّعت مصر، منذ أيام، فى مشهد مهيب، إلى مثواه الأخير، ابنها البار، الشاعر، والكاتب، والمثقف، والوطنى الكبير، «سيد حجاب»، محاطًا بقلوب الآلاف من محبيه، الذين تدفقوا للصلاة على جثمانه، ولقاعة العزاء، فى مسجد «عمر مكرم»، فيما يُشبه الاستفتاء التلقائى على قيمة الشاعر، وما حفره عميقاً فى الوجدان المصرى، وفى وعى وضمير المصريين، من كل الأعمار والنوعيات والأديان والعقائد!.



والحق أن كلمات «العم سيد»، العاميّة الراقية، عمل على صياغتها بدأب، ومهارة، وشغف، كالصائغ الماهر وهو يصقل جواهره الثمينة، واستفاد فى إيصالها إلى الناس، بالمعنى الواسع، أى ست البيت والعامل ورجل الشارع والموظف والمثقف والشاب والفتاة، وأهل الريف والبندر... إلخ، من تطور وسائل الاتصال الحديثة، والفضائيات، وانتشار أجهزة التليفزيون على كل الأصعدة، ومن شعبية المسلسلات المتعددة الحلقات، وعبر «التترات» المميزة، التى أصبحت علامة ثقافية رائجة ومضمونة، لما تضمنته من قيم ومواقف ورؤى ومفاهيم، على درجة عالية من العمق والسمو الفكرى والأخلاقى، مما يدفعنا إلى المزيد من الاهتمام بالفن والإبداع والثقافة، كأدوات فعّالة، فى محاربة الخراب النفسى والسلوكى الذى انتشر كالنار فى الهشيم، ونشعر به من حولنا، ونشكو منه دائماً، وكوسائل ناجحة فى تربية الأمم وترقية وعى الشعوب، والسمو بسلوكها، ونشر مبادئ التحضر والإنسانية فى جوانبها.

وكمثال على ما تقدّم، فلننظر إلى مبادئ كَثُرَ الحديث عنها فى السنوات الماضية، وخاصة بعد ثورة 25 يناير، وأصبحت شعارًا لايختلف عليه اثنان، وإن تباينت بالطبع رؤى كل طرف، وفهمه لمضمون هذا الشعار، حسب موقعه الاجتماعى، عن الطرف الآخر، مثل فكرتى «العدالة الاجتماعية»، و«المواطنة»، وكيف عبّر عنهما «سيد حجاب» فى كتاباته وأشعاره.

يبدأ الشاعر من فكرة بديهية، هى فكرة «المساواة» التى فطرنا الخالق عليها، فكلنا نولد متشابهين، لا يُميّز أحدنا عن الآخر شىء، باعتبارها «حجر الأساس» فى دعوته، فبما أن هذا الوضع هو الوضع «الطبيعى»، فالطبيعى أيضاً أن يستمر هذا الحال، وأن تكون قاعدة «المساواة» هى أساس الحياة، وشكل العلاقات الاجتماعية بين الناس:

«مين اللى قـال الدنيـا دى وِسِـيّة/ فيها عبيد مناكيد ... وفيها السِيِد/ سـوّانا رب الناس سـواسيّه/ لا حـد فينا يزيد ... ولا يخس إيد».

إن الحياة تتسع لمجمل أبناء البشر، بلا تمييز أو انحياز، وخيرات الكون تكفى لكل أبنائه، ويمكن أن تتحول الدنيا إلى جنَّة على الأرض، لو تعاونوا بنيّة صافية لحل مشكلاتها، واقتسام ما تجود به من عطايا:

«باحلم وافتّح عينيه/ على جَنَّة للإنسانية / والناس سوا بيعيشوها / بطيبة وبصفو نيّة».

لكن الوصول إلى هذه الغاية السامية يحتاج إلى ألا نيأس من الفرج، وأن نتماسك فى مواجهة الشدّة، وأن نقهر التحديات التى يفرضها من يريد «التكويش» على كل شىء، ويرفض أن يشاركها الآخرون فى نصيبهم العادل من الخيرات، رغم أننا جميعا ولدنا متساوين فى الحقوق والواجبات، لا فضل لأحدنا على الآخر إلا بالجهد والعمل. فلنتسلح بالأمل، ولننتبه ولتكن عيوننا مفتوحة حتى لا تضيع أحلامنا:

«وكل ضيقة وبعدها وسعة.. واهى دى الحقيقة بس منسيّة/ وكلنا ولاد تسعة وبنسعى.. ودى مش وسيّة والناس سواسيّة».

«من اصطبار الروح ييجى النهار.. من انحسار اليأس ييجى الأمل/ من اختمار الحلم ييجى الصباح ... يعود غريب الدار لأهل وشجن».

«لملم جروحك يا حزين وامشى.. خطوة كمان وتخف آلامك/ واحلم بعين صاحية ولا تنامشى.. غير لما تشرق شمس أحلامك». «يتبع»