رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاعتذار عن المنصب الوزاري خيانة


يعانى المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، معاناة شديدة فى اختيار معاونيه الجدد. خلال الأيام الماضية، عرض وزارات بعينها على شخصيات رأى أنها تصلح للعمل العام، لكن المفاجأة أن الاعتذار هو اللغة التى يتقنها كثيرون.



الاعتذار عن المنصب الوزارى الآن ليس تعففًا ولا زهدًا، ولا بُعدًا عن أبهة السلطة، فهناك كثيرون طامعون ومشتاقون، ولكنه يأتى فى الغالب خوفًا من تحمل المسئولية، والتأكد من عدم القدرة على الإنجاز؛ بسبب التحديات التى تواجه الحكومة، ثم - وهذا مهم جدًا، ولا يمكن أن نتجاهله - خوفهم الشديد من الرقابة الرسمية التى تتمثل فى الرئيس والبرلمان، والشعبية التى تتمثل فى الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعى، وهى رقابة فى الواقع لا ترحم.

مسئول سياسى كبير قال لى: إن هناك كثيرين من الخبراء يأتون إلينا برؤى للتطوير، وبمشروعات عظيمة لحل المشكلات التى تعترض طريق العمل والإنجاز، وعندما نعرض عليهم تولى المسئولية بشكل رسمى، حتى يتمكنوا من تنفيذ أفكارهم يتراجعون بسرعة ويهربون من المواجهة، ويقولون إن دورهم يتوقف فقط عند نقطة تقديم الخبرة.

ليست لدينا أزمة كفاءات إذن، لدينا فى الواقع أزمة ضمير، فمن لا يقبل تولى المنصب الوزارى، وهو قادر عليه، ليس إلا خائنًا يترك المعركة التى يخوضها الوطن ضد الإرهاب، وما يترتب عليه من أزمات اقتصادية ويكتفى بدور المتفرج والمنظر والناقد للأخطاء.

تحتاج مصر الآن إلى جهود الجميع، ليس منطقيًا أن يرفض أحدهم المنصب الوزارى لأنه لم يعد مغنمًا، بل تحول إلى مغرم ومشقة ومسئولية كبيرة، ومن ينتظر حتى ينصلح الحال ليقدم نفسه بعد ذلك، فلا حاجة لنا به، مصر تحتاج منقذين وفدائيين، لا موظفين يقدمون قدمًا ويؤخرون أخرى، حتى لا يتورطوا فى العمل العام.

أعرف أن شريف إسماعيل يجرى مشاورات وزارته الجديدة فى سرية تامة، يقابل من يقابلهم دون أن يعلن عن ذلك، ربما خوفًا من تأثير الإعلام على اختياراته وترشيحاته، لكن من المنصف أن يعلن عبر متحدثه الرسمى أسماء الذين اعتذروا عن عدم قبول المنصب الوزارى، حتى يعرف الناس من يقفون بجوارهم ومن يتخلون عنهم، ليس فى هذا فضح ولا تشهير، بل محاولة لوضع الأمور فى نصابها، ولتعريفنا بمن قبلوا خوض الحرب إلى جوار الشعب، ومن فروا من المعركة.

لقد عانينا كثيرًا ممن يقفون على الضفة الأخرى، يهيلون علينا التراب، والآن نحن فى حاجة لنعرف جيدًا فرسان المعارك الحقيقيين، الذين يعملون من أجل مجد هذا البلد، وليس مجدهم الخاص. هذا الوطن يستحق الكثير، وليس علينا إلا أن نعرف من يعطيه ومن يبخل عليه.


مصر تحتاج منقذين وفدائيين، لا موظفين يقدمون قدمًا ويؤخرون أخرى، حتى لا يتورطوا فى العمل العام.