رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى انتظار مفوضية مناهضة التمييز الدينى


نعم، أكره مُعلقات الشكوى والنحيب، وأبغض من يرفعها فى ذلة ومهانة، أكره الوقوف على أرصفة الأنين لعرض مظلوميات الضعف والاستكانة طلباً لرفع الظلم الواقع على أفراد أو جماعات لأسباب مهنية فئوية أو التى تتعلق بطلب الحصول على حقوق حياتية للعمل والسكن والغذاء والعلاج والتعليم وغيرها، أو حتى من يُظلمون على أساس الجنس أو الإعاقة أو الهوية الدينيةأوالمكانة الاجتماعية عبر ممارسات تمييزية جائرة أكره تلك البكائيات لأنها ــ وبحكم العادة ــ تظل مجرد بكائيات- لا تُحرك ساكناً لدى متخذ القرار على أرض المحروسة، وحتى بعد خروج الجماهير بالملايين ليسقطوا أنظمة قامعة ديكتاتورية طلباً للحرية والكرامة الإنسانية والعيش والعدالة الاجتماعية، فمازال أمر حقوق المُعاق والمرأة والفقير والمسيحى من لا ظهر لهم فى دنيا الأكابر وأصحاب القرار معلقةً، ولم تبارح مكانها للأفضل مع الأسف!!

وهذه المقدمة ليست دعوة انهزامية تدعو لليأس والإحباط والسكون المؤلم، ولكنها دعوة لأن تحتشد الأحزاب، وكذلك منظمات المجتمع المدنى بمافيها النقابات والمراكز الفكرية والإعلامية والثقافية فى عمل دؤوب جماعى لتجاوز تلك المظالم ودمج كل هؤلاء فى حالة «اندماج وطنى» مستحقة.. إلا أن أمر المواطن المسيحى كان دوماً مختلفاً وأكثر تعقيداً عن كل أقرانه من أصحاب معلقات المظالم المبكية، فقد بات يعتقد أنه يواجه ما يشبه التحالف ضد الحصول على أبسط حقوقه، فالكنيسة والبرلمان والحكومة والمحليات ونظم التعليم ونوافذ الإعلام والتشريعات وكل قوى التطرف والشارع الذى بات طائفياً فى كثير من الأحوال، جميعهم يعملون فى الاتجاه المعاكس لكل مصالحه الوطنية أحياناً، وتعويقاً لوجوده بشكل إنسانى لائق فى أحيان أخرى، بل والمغيب له تماماً فى مناهج التعليم وبرامج الميديا الخاصة والعامة والاختفاء القسرى من على كراسى الإدارة العليا فى الجامعات والمحليات والجهات السيادية إلخ... لقد كان أمر تمرير قانون بناء الكنائس عبر جولات تلبيس مشروع المواد ما يجعلها محل رضا السلفيين أمراً مخيباً للآمال، و مع ذلك ما رضوا وما اقتنعوا أن على الأرض بشراً لهم حق العبادة مثلهم، فامتنعوا عن التصويت على القانون، وخرج كبيرهم ورمزهم الدينى «عبد المنعم الشحات» عبر شاشات الميديا ليعلن تحريمه أن يشارك المسلم فى عملية بناء الكنائس فى دعوة كراهية ونبذ وازدراء وتحقير للآخر، ولم يجد أمامه المذيع أو الضيف المسيحى الذى كان ينبغى أن يكشف للمشاهد الأمر الأخطر فى كلام الداعية فى أن أمر تحريمه المشاركة فى بناء الكنائس على هذا النحو يعنى بالتالى وبالأساس أمر تحريم الموافقة على البناء من جانب المسلم صاحب القرار وهو مابرر خروج رجاله من البرلمان عند التصويت على القرار باعتبار الموافقة خروجاً عن مبادئهم، وهو الأمر الأخطر!! أما عن الكنيسة، فقد لعب ممثلها السياسى الدور المعاكس والمحبط لكل أحلام المواطن المصرى المستنير بشكل عام والمسيحى بشكل خاص فى الفترة الأخيرة، بداية من المشاركة فى وضع الدستور أكثر من مرة، فيخرج الزعيم الروحى السلفى «البرهامى» ضاحكاً مزهواً معلناً انتصاره الرائع على العلمانيين والأقباط على حد قوله، و وصولاً إلى مشاركة ممثل الكنيسة السياسى فى وضع مواد قانون بناء الكنائس، وتمرير قانون يعيدنا إلى ماقبل 160 سنة ياهووووووووه!!ويبقى ماطرحه الكاتب «آرنست وليم» عبر حوار أدلى به، قال «لابد أن يعلم الجميع مرة وإلى الأبد أن رجال الدين المسيحى بكل طوائفهم على وجه العموم – فى شرقنا – ليسوا مع الدولة العلمانية، لأنهم يخافونها – يخافونها لأنهم يغارون على حكمهم وتصدرهم للمشهد وما أوتوا من الرفعة درجة بل قل درجات، فإن صارت الدولة علمانية يصير المقيد فى سجلات الدولة على أنه من الملة المسيحية فى حل من الخضوع لقوانين الكنيسة إن أراد الاحتكام للدولة، وهذا فوق قدرتهم على الاحتمال ففيه شبهة فقدان جزء من سلطانهم ..!!

ويبقى للمواطن المصرى فى كل حالاته أن يعيش ويأمل ويحلم بالعيش فى ظل نظم وأحكام دولة مدنية، والمصرى المسيحى بحلم تفعيل مواد الدستور بإقامة مفوضية مناهضة التمييز الدينى.