رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تأملات هادئة.. للتهدئة


زهرة جميلة احتضنتها أصابعي. تناسقت وريقاتها فى لون هادئ بارع وجميل يتناغم من بين أوراقها ذلك الرسم الإلهى، تتعانق وتتضافر، مكونة أيقونة بديعة يفوح منها العطر والأمل والجمال تبث عطرها النادر مع موسيقى تغازل القلب فيحن الفؤاد ويخفق متودداً إليها. فتهدأ روع القلب وتبسط نياطه للراحة والأمان. يسافر عطرها إلى أعماق النفس القلقة. محاولة اصطحابها صوب رحلة تيقظ الطمأنينة للروح القلقة التى تتغنى متمتعة بجمال خلقتها الإلهية. فهى المعبر الهادئ الذى يهدهد على ضفاف الجسد المتألم أحياناً والمرهق باستمرار. لتقول له الوردة من خلال أريجها استرح قليلاً.. كفاك جهداً.. أيها المنهك الحزين.

فالأصابع التى حملتنى فى فرح. أسعدتنى رغم تكبيلها لتجاوبى مع الطبيعة. مرت اللحظات. وبدت تقاسيم أوراق وردتى الحبيبة تتخذ شكلاً إنسانياً عاطفياً.. رغم إحساس بألم داخلى انتابنى لأننى انتزعتها من يد الحارس الكرام الذى يرعى كرمته فى مكان بعيد وكأن قد بدا عليه إحساس بالأسى حينما سمح لى بأن تكون بصحبتى وردة من كرمته أداعبها وأسامرها.. أعيش معها لحظات تأمل وتبادلنى هى تلك اللحظات تقديراً وإحساساً رقيقاً اختزنته بداخلها عبر تجارب متعددة. عدت إلى نفسى أسألها هل أنا الآن متلعثم، هل نحن الآن فى موعد الخريف أم نعيش رغبات القطوف. وكيف تحصل أناملى على تدريب ناعم يؤهلها لرحلة القطوف.. حتى لو كان الأمر كذلك.. فالقطف لحظة تؤلم الزهور وتثير فى أعماقها أحزان عودة الفصول تناقشها فى تحرر وفضول.

مازالت الوردة الجميلة مع عظم المفاجأة والتأمل تداعبها أصابعى ربما تشعر هى بأن ذلك صورة عبثية لا تروق لإحساسها الناعم الرقيق بحق أحسست بأننى أرهقتها مازلت أمارس معها لغة الدعابة لعلها تقبل منى هذا الفكر الإنسانى الذى قد لا يناسبها أو ربما تطمع هى بدافع رقتها فى أسلوب أمثل للتعامل مع طبيعتها الرقيقة الحالمة والمتألقة فى كرمة زاخرة بالورود والزهور وخضرة السنابل وانسيابها فى تواضع ودعة، حيث تعلمنا أن انحناء السنبلة فضيلة وهى الغنية بما يحمله جسدها من عطاء خير للإنسان يقيته ويدفع به إلى عالم الأمان.

مازالت وردتى الجميلة رهن حراستى التى ترفضها لكن تخجل أن تحرجنى فى البوح بها. علمتنى وأنا فى رفقتها كيف أستمتع بصوت البلابل وأشدو معها مشاركاً لها الغناء. وكانت البلابل مشرئبة الأجنحة فرحة العيون، رشيقة القوام تتراقص فهى تعرف أن كل ما حولها من صفاء وزهور قد صنعه الله لها لتمارس الزهو والحرية والغناء تنظر مع شدوها ورحيق وردتى إلى فوق لتمجد الإله فى كل لحظة تمر دونما مواعيد للصلاة.. أنا لا أملك حكمة أبينا سليمان الحكيم لأناجى وردتى فى لغاها.. أو أسايرها فى همسها ورحيق تضرعها لكن وردتى تساعدنى رغم ما سببته لها من ارهاق. لشدة رقتها تحملت المتاعب لتكون صانعة لنسيج راحتى.. عادت لتستريح أو بالأدق أن تجاملنى لترسو متنقلة بين راحتى يداى. عدت أبادلها تأملى الإنسانى الذى لا يرقى لرهافة قلبها.

بقدر ما استطعت رحت أفرد مساحات يدى المحدودة بين خطوط يد الكف وانتظام الأصابع التى جبلها الإله نضيراً يساعد على سلامة الحركة والاتجاه، بعد كل هذه التأملات والمبادلات التى لم أرتق فيها لرقة ورقى وردتى أحسست أن ثقلاً أصاب أيقونتى الجميلة.وانحناءة متواضعة حزينة لشدة ما أجهدتها. لم تقل لى مللت من أناملك.. لم تبرق لزميلاتها من الورود تحذرهن من جرأة الإنسان حينما يرغب فى الامتلاك دون أن يراعى مشاعر الورود. أصابنى خجل شديد رجوتها ألا تشكونى وقد عانت منى ومعى. قلت فى نفسى ألا تكفينى لغة العيون. والمشاهدة الرائعة من خلالها بكل همس دون لمس. أحسست أن صديقتى الجميلة فى حاجة للراحة وشعرت بشدة بروعة ألحان تفرزها أعماقها فى عزف متورد رقيق. لم تشك منى ولن تشكونى للرفاق من الزهور لكنها قالت لى فى وداع.. أنت أيها الإنسان القلق.. المتوتر.. عندما استنشقت رحيقى.. لم تعط جوانحك فرصة التمتع بالرحيق. لتطرد حزنك العليل. ليتك أيها الإنسان تحرص على ألا تضيع الفرص المجانية التى يمنحك إياها الإله دون المساس بأحد.