رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الكاريكاتير .. وقضايا المجتمع


.. كان معروفًا عند المصريين القدماء، والآشوريين، واليونانيين. فأقدم صور ومشاهد كاريكاتورية، حفظها التاريخ، تلك التى حرص المصرى القديم على نحتها فوق قطع من الفخار والأحجار الصلبة، وتشمل رسومًا لحيوانات مختلفة، أُبرزت بشكل ساخر؛ اضطلع برسمها العاملون فى تشييد مقابر وادى الملوك بدير المدينة، فى عصور الرعامسة. ولا تُعرف الغاية التى توخاها الفنان المصرى من هذه الرسومات؛ فلعلها كانت إشارة غير صريحة، إلى العلاقة غير المتوازنة، بين الحاكم والمحكوم، التى كانت سائدة فى تلك الفترة، جسّدها النحاتون فى أسلوب ساخر، خفى المعنى.

وجديرٌ بالذكر، أن فن الكاريكاتير، كان شائعاً عند اليونانيين، الذين ذكروا أن مصورًا يونانيًا صوّر بعض المشهورين من أهل زمانه، فى شكل يدعو إلى السخرية، الأمر الذى أدى إلى عقابه غير مرة، من دون أن يرتدع. وذكر بلنيوس المؤرخ، أن بوبالوس وأتنيس، وهما من أشهر مثّالى اليونان، صنعا تمثالاً للشاعر الدميم ايبوناكس، وكان التمثال أشد دمامة، إلى درجة أنه كان يثير ضحك كل من كان ينظر إليه؛ فاغتاظ الشاعر منهما، وهجاهما بقصيدة لاذعة، لم يحتملاها، فانتحرا !!

ويُعد الكاريكاتير السياسى أبلغ وأبسط وأقوى وسائل التعبير والنقد التى تقدَم إلى القارئ أياً كان مستواه الثقافى أو السياسى ، وفى الوقت الذى ينظر فيه بعض الناس إلى الكاريكاتير على أنه وسيلة للسخرية والإضحاك؛ فإن كثيرين أصبحوا يعدونه وسيلة للنقد اللاذع والسخرية من الحكام والحكومات والأنظمة والأوضاع بشكل عام ؛ سواء كانت محلية أو عالمية ، ويعد بمثابة رسالة من الفنان إلى المشاهد فى سياق مشترك قائم على بنية الواقع الذى يعيشانه معًا، ومن هذا المنطلق فإن الفكرة الكاريكاتيرية تنقسم إلى عدة أنواع فمنها السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية.

وبرغم أن الكاريكاتير يستخدم الخطوط البسيطة فى نقل المعنى والمضمون، إلا أن له الدور الأبرز فى الدفاع عن قضايا مهمة منها حقوق الإنسان ، وإظهار عيوب المجتمع فى صورة ساخرة ممتعة تدعونا إلى إحداث التغيير فى ثوابت راسخة متجذرة فى الواقع الذى يجنح دائمًا إلى التجديد والتغيير إلى الأفضل والأجمل .

وفن الكاريكاتير أحد الفنون الصحفية التى تلقى رواجًا ومتابعة جماهيرية من القراء. وقد ظهر «الكاريكاتير» فى الصحافة المصرية مع بدايات القرن العشرين؛ خاصة فى مقاومة الاحتلال الإنجليزى لمصر، ونبغ فيه عدد كبير من الأسماء أمثال زهدى وصاروخان وطوغان وبهجت وعثمان وصولاً إلى تاد وعز العرب وحجازى ورؤوف عياد وعمرو سليم . بالإضافة إلى مجموعة من الفنانين العرب الذين كان أبرزهم الراحل ناجى العلى الذى عبر فى رسومه عن القضية الفلسطينية ؛ ومازالت تيمته الرئيسة الطفل «حنظلة» أحد تيمات هذا الفن . فهو يتميز بأنه «فن مقاومة» من الدرجة الأولى.

وفى الأمس القريب .. لعب الكاريكاتير دورًا أسياسيًا وفاعلاً فى الحراك السياسى على الساحة المصرية، لتعبئة الجماهير وشحذ الهمم للخروج للمطالبة بالتغيير؛ وبرز العديد من الفنانين فى هذا المجال وتقدموا الصفوف فى شجاعة نادرة ؛ وسلاحهم ريشة الكاريكاتير الساخر، وكان على رأسهم الفنان جورج بهجورى الذى تميزت رسومه بروح مصرية خالصة، والفنان صاحب اللمسة المائزة مصطفى حسين الذى أبدع مجموعة من الرسوم المعبرة عن محاولات بعض القوى الخارجية للقفز على منجزات الشعب المصرى فى ثورته المطالبة بالتغيير، والتى كان لها أكبر الأثر فى زيادة توزيع جريدة الأخبار بأعلى معدلاتها خلال الثورة ؛ بما يدل على مدى إيمان الشعب بقوة تأثير فن الكاريكاتير فى التوجهات السياسية الوطنية الجادة. ولم يقتصر الأمر على ريادة الفنان مصطفى حسين ، بل ظهر من تلاميذه الفنانون الذين جعلوا من «الريشة» سلاحًا للتعبير والمقاومة؛ وفى طليعتهم الفنان عمرو فهمى ؛الذى اختطف الأضواء بجدارة بكتبه ورسوماته وريشته المتفردة وتطلعه الدائم إلى التجديد فى إبداعات فن الكاريكاتير؛ بجانب براعته فى فن «البورتريه»، حيث نال عن هذا الفن «أوسكار» من «جماعة بصمات الفنانين التشكيليين العرب» فى دورته التى أقيمت بأتيليه القاهرة ؛ بالإضافة إلى العديد من التكريمات.

فالكاريكاتير فن ناقد يفضح المستور ويلخص قضايا المجتمع، ويقدم رسالة توعوية لمحاولة تقديم الحلول وصناعة واقع أفضل ، فهل يُعد نوعًا من أنواع التعبير عن غضب الشارع ، أم عن غضب الرسام وريشته الشخصية ؟ وهنا يبرز دور الرسام وثقافته واطلاعه على قضايا المجتمع ووجهة نظره؛ ولكنه لابد أن يجنح ـ قدر الإمكان ـ إلى رأى الغالبية من المجتمع وتوجهاته السياسية والاجتماعية ويكون دوماً لسان حال المواطن البسيط.

لذا يكون النجاح حليفاً لمن يواكب بريشته كل الأحداث على الساحة السياسية والاجتماعية المصرية .. التى تتطلع دائمًا إلى الحرية ومقاومة كل التيارات التى تحيد عن الاتجاهات الوطنية الشريفة.