رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خطاب لاذع من ساويرس للنظام الحاكم


مع استمرار حملات النيل من رموز المعارضة المصرية، والتى ازدادت ضراوة فى الأسبوع الذى يسبق الاستفتاء على الدستور المعيب، أتابع حملة التشويه الممنهجة التى يتبناها البعض من المنتفعين الذين يسعون لنيل رضا الجماعة الحاكمة ضد

رموز المعارضة المصرية وكل من يقف فى صفهم ومن يدعمهم، وذلك من خلال أبواقهم الإعلامية، المقروءة منها والمرئية، ومن خلال التصريحات والبلاغات العبثية التى لن تنال من تلك الرموز، بل تنال من خفافيش الظلام التى بهرها النور وكانت تأنس فى الظلمة.

وفى جو يملأه التعصب، تحجب وجوه الحقيقة من فرط التمادى فى الميل والانحياز، فما هؤلاء الرموز بمدافعين عن أنفسهم ولا هم بمعتدين على من يهاجمونهم. ينسجون فى أذهانهم المؤامرات الخارجية حول أعداء الثورة والعدو الخارجى الذى يريد النيل من مصر، وأعداؤنا أنفسنا، ومشاكلنا بيننا يجب العمل على حلها بالمكاشفة والمصارحة وليس بالدجل ورسم المؤامرات الوهمية لتزيد من اللهيب لهيباً.

لن ترهبونا، ولن تكمموا أفواهنا، ولن نتراجع، إنما يزيدنا الهجوم صلابة وتصميماً على الانتصار للحق والمضى للدفاع عن بلادنا ومكتسباتها من خلال جميع السبل السلمية والديمقراطية المتاحة لنا، لن ننزلق إلى هوة الفتنة السحيقة، ولن نذكى الفتن، فوطننا وشعبنا هما الضحية، وأبناء شعبنا هم من يدفعون بدمائهم ثمناً لطموحات البعض السياسية.

لن تستطيع جماعة أو فصيل أن ينهض بمصر دون اصطفاف وطنى، ولن يكون هناك اصطفاف وطنى وهناك من يقوم بمثل هذه الحملات التى تشق الصف وتعمق الكراهية بين أبناء الوطن الواحد، لا تراهنوا على رصيدكم الشعبى، فقد أوشك رصيدكم على النفاد، لن يحكم مصر إلا فصيل وطنى يندمج فى شعبها ويتخلى عن طموحاته الأممية.

أمد يدى لوطنى ولأبناء شعبه ولكل من يريد أن يعمل لبناء وطننا مع اختلاف الرؤى والانتماءات الأيديولوجية، أمد يدى بكل ما أملك من إمكانيات لخدمة هذا الوطن الذى لم يبخل علىّ ولم يضن.

وأقولها بصدق وإخلاص للجماعة الحاكمة: عليكم أن تقرروا: هل تريدون النجاح لهذه الثورة وبالتالى رفعة الوطن، أم تسعون للسيطرة على الوطن ومقدراته؟ إذا أردتم الأولى فنحن لكم شركاء نشد من أزركم ونسعى مع سعيكم ليجتاز الوطن هذه المحن، أما إذا أردتم الأمر الآخر فلسنا بشركاء.

التكفير والهجرة والتفكير فى الهجرة

بمناسبة الاستفتاء على دستور الإخوان المشوه اللقيط أرسل لى أحد أصدقائى المهاجرين إلى الخارج خطاباً يقطر ألماً، وقد كان هذا الصديق قد شرع فى العودة إلى مصر بأمواله، قالت نفسه له إن الاستقرار قد عاد إلى مصر بانتخاب رئيس، وإن الدستور الذى يستفتون الشعب عليه يعطى فرصة واسعة للمستثمرين لضخ أموالهم إلى داخل البلاد وإنشاء الشركات، ولكن صديقى المهاجر فوجئ بدستور يسمح بتأميم الشركات، فهل يغامر ويعود إلى مصر وينشئ شركته ثم يفاجأ بعد ذلك بالحكومة تؤمم شركته وتصادرها وتقضى على تاريخ قضاه فى شقاء وتعب من أجل تنمية استثماراته ثم يأتى موظف إخوانى علا شأنه ليؤمم شركاته بجرة قلم !! أمعن صديقى النظر فى باقى مواد الدستور اللقيط فوجده يقيد كثيراً من الحريات ويوسع سلطات الرئيس، كما يسمح بحل الجمعيات والنقابات ومصادرة الصحف وإلغاء تراخيص القنوات الفضائية، وقد أصيب صديقى بدهشة تاريخية عندما وجد مادة من مواد الدستور تسمح بإعادة عهد « السخرة « وإجبار الناس على العمل جبرا فى أى عمل تريده الحكومة دون حتى أن يكون لهذا العمل مقابلاً، ومادة أخرى تسمح بتشغيل الأطفال رغم أن من وضعوا الدستور كانوا قد صرحوا أكثر من مرة بأن دستورهم سيقضى على ظاهرة أطفال الشوارع فإذا به يزيد الطين بلة.

وحين أرسل لى صديقى يسألنى عن رأيى فى عودته إلى مصر أرسلت له خطابا حزينا كاسف البال قلت فيه:

«لا كنت إن عدت إلى مصر»، فمصر لم تعد كما كانت، هل تذكر أيام البهجة، والحلم، والطفولة، والصبا، والشباب؟ هل تذكر أيام أن كانت قلوبنا تهتف لمصر قبل أن تنطق ألسنتنا؟ هل تذكر النقاء إذ يملأ أرواحنا؟ والشهامة إذ تلتصق برجالنا؟ والرجولة إذ تحرك ضمائرنا؟ كنا نتضاحك ونحن نذكر تلك القصة التى تروى فى الأثر من أن «الذوق لم يخرج من مصر» ولكن يا صديقى الآن خرج الكل من مصر... لم يبق فيها على كرسى الحكم إلا الجرذان والبوم والثعابين، حتى الكرم الذى اشتهرنا به بين الأمم... أصبح الآن من الصفات والخصال الذميمة والمستقبحة... إى والله إنها أيام البؤس والنكد.... أعرف طبعاً أنك تذكر تلك القصة التى رواها لنا فى يوم من سالف الأيام أحد رفقائنا الكبار – وبالمناسبة لقد مات فى مستشفى الأمراض العقلية – والتى قال فيها إن العز بن عبد السلام سلطان العلماء كان قد قضى قضاءً شرعيا ملزما ببيع المملوك الذى كان يحكم مصر ( أى بيع حاكم مصر !!) لأن هذا المملوك لم يعتقه أحد، فضلاً عن أنه من ممتلكات بيت مال المسلمين، فلما رفض الحاكم المملوك تنفيذ هذا القضاء خرج العز بن عبد السلام من مصر غضباً من عدم إنفاذ قضائه !!، فإذا بأهل مصر كلهم يخرجون خلف سلطان العلماء يريدون مغادرة البلاد غضباً ممن تعدى على مقام ذلك الشيخ الكبير وعلى مقام القضاء!! فما كان من الحاكم المملوك إلا أن خرج مسرعاً يترجى العز بن عبد السلام فى العودة إلى البلاد على أن يتم تنفيذ الحكم القضائي!!! الآن ياصديقى يقوم الحاكم بانتهاك أحكام القضاء واحتقارها ومحاصرة المحاكم لمنع القضاة من إصدار أحكامهم ثم يخرج على الناس بعد ذلك وهو يقول إنه يحترم القضاء !! ولك أن تسأل يا صديقى : من الذى غير المنظومة الأخلاقية لجماعة ترفع شعار الدين ؟ هل تغيرت حين وصلت إلى الحكم أم أنها كانت تخفى وجهها القبيح تحت غطاء الاضطهاد والمسكنة وخلف شعارات الإسلام ؟ ! ستجد أسئلتى كثيرة ولكنك لن تجد إجابة، فماذا نملك الآن غير أن نسأل وقد جحظت عيوننا من شدة الدهشة !!! أعرف يا صديقى عالماً من علماء الإخوان استنبط تخريجاً فقهيا فقال إن ضرب الشعب بالعصا فرض كفاية إذا فعله حاكم سقط عن باقى الحكام !! ولكن أحدهم تشدد وقال إنه فرض عين يجب أن يفعله كل حاكم بنفسه ولا يجوز الإنابة فيه !! هل تأنف يا صديقى أن تكون خروفاً؟ لا تمتعض كثيراً فلربما يكون الخروف عند جماعة الإخوان أكرم لديهم من كل الشعب، على الأقل فإن الخروف عندما يذبح يكون ذلك لإقامة سنة من سنن الإسلام أو لإطعام جائع من لحم حلال، أما أنت فإنك تذبح ذبح الإبل كل يوم مائة مرة... مرة من أجل أن تمتلئ كروشهم بدمائك.... ومرة من أجل أن تفرش قصورهم بجلدك المدبوغ.... ومرة من أجل أن يصنع أثاثهم من عظامك الهشة... وهكذا دواليك... والحقيقة أنهم لا يذبحوننا لينتفعوا ولكنهم يذبحوننا ليتمتعوا.

لا كنت إن عدت إلى مصر، فمصر لم تعد كما كانت، هل رأيت أحداً يرقص على جثة أخيه ؟ أنت لم تر ولكننا الآن فى مصر يرقص الأحياء منا على جثث الأموات فرحاً وطرباً، لا تعجب كثيراً فالحاكم نجح نجاحا كبيرا فى جعل المصريين يقتتلون ويسفكون دماء بعضهم.

لا كنت إن عدت إلى مصر، فمصر لم تعد كما كانت، احذر يا صديقى من العودة، وخذ أبناءك معك كى تنقذهم من مجتمع الذئاب الذى يقوم الإخوان برعايته، فإذا عدت فلا تلومن إلا نفسك، لن تسلم يا صديقى من لدغات العقارب الإخوانية، وسوف تتأذى أذنك بفاحش القول، وتتأذى عينك من كآبة المنظر، وتتحطم رئتك من سحب الدخان الملوث، وستصبح فى النهاية حطام رجل، إذا حدثتك نفسك بالعودة فلن تجد أصدقاءك الذين كانوا، فقد أصبح كثيرا منهم من جماعة الإخوان إما بحثا عن مصالح أو نفاقا أو اتقاء لشرهم، وستعجب عندما ترى هؤلاء الأصدقاء وهم يقدمون الولاء للإخوان يسعون إلى نهش لحمك، وتلويث سمعتك، وتحطيم آدميتك، سيقولون عنك إنك إمبريالى وصهيونى ورجعى وعميل للمخابرات الأمريكية ورفيق للمخابرات الروسية، وواحد من كبار الفلول، وسيضعون أياديهم فى جيوبك كى يستولوا على ما بها، ثم يتضاحكون ويقولون فيما بينهم هذا غر أحمق حلال فيه السرقة، ولكنهم سيخرجون أمام الناس ويتصايحون عليك ويرجمونك بالحجارة وهم يقولون: عاد يهوذا الأسخريوطى، أو يقولون: هذا هو المسيخ الدجال.

فإذا عدت فذنبك على جنبك، حينذاك أنصحك بشراء نظارة «أشعة إكس» التى تخترق الحجب، فلا قدرة لك بالحياة فى مصر إلا بها.. فمن خلالها سترى أشخاصاً تظنهم ملائكة، فإذا بك عندما تنظر إليهم من خلال نظارة إكس ستجدهم شياطين مردة، ومن هنا ستتعلم عدم أخذ الناس بظاهرهم، فلو كانت للذنوب رائحة لفررنا من جوار من كنا نظن أنهم أتقى الناس!! هم فى الحقيقة يمثلون جماعة التكفير والهجرة فلا يبقى لنا إلا التفكير فى الهجرة