رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لا وطن بلا كنائس!!


من الكلمات المؤسفة التى كان من أثرها قيام بعض الغوغاء بتدمير الكنائس وحرقها وتهجير الأقباط الآمنين من مساكنهم هى كلمة: «وطن بلا كنائس أفضل ...»، عرفتم نتيجة هذا القول المُدمر للوطن والكنيسة معاً!! نعم – كما بفكر الغوغاء - فلنطهر الوطن من الكنائس لأن ذلك أفضل جداً – كما ورد فى تلك الكلمات المؤسفة والتى ليس لها أى معنى إنسانى ولا حتى وطنى حقيقى. لكن ماذا نقول وأصبح الأقباط بلا رعاية حقيقية، لا من الوطن ولا من الكنيسة. بالإضافة إلى أنه فى كل مرة تحدث مخالفات كنسية فى إقامة البطريرك، تحدث مشاكل جمة لأقباط مصر!! لكن من يُدرك هذه الحقيقة المؤلفة، بل من يؤنبه ضميره على تلك الأقوال المؤسفة والمخالفات المُشينة؟

يذكر التاريخ فى فترة الحاكم بأمر الله المنصور «985 – 1021م» الخليفة الفاطمى السادس، حكم فى الفترة «996 – 1921» الذى تولى الحكم وهو يبلغ من العمر 11 عاماً!! بعد أن خلف والده فى الحكم العزيز بالله الفاطمى، والذى كان قد هرب!! أنه كان آخر الخلفاء الفاطميين الأقوياء. كانت عيناه واسعتين وصوته جهيراً مخوفاً. واتسمت فترة حكمه بالتوتر. حدث فى فترة من فترات حياته أمر بإغلاق جميع الكنائس الموجودة فى مصر وأن صوت الجرس وأصوات التسابيح والتراتيل والقداسات لاتُسمَع فى أى كنيسة مهما حدث. يقول المقريزى فى خططه إن الكنائس ظلت مغلقة بدموع الأقباط لمدة تسع سنوات كاملة!! الكثير من الأساقفة والرهبان قصدوا الصحراء للعبادة والتضرع إلى الله أن يتراءف على شعبه، واعتاد بعض المؤمنين أن يقصدواالصحراء مرتين سنوياً بالذات فى عيدى الغطاس والقيامة ليتمكنوا من الصلاة فى مأمن من غدر السلطان. لكن الغالبية العظمى من الشعب القبطى لم يكونوا يستطيعون الخروج إلى الصحراء لبعد المسافات ومشقة السفر فأصروا على الصلاة، فلجأوا إلى الصلاة فى البيوت ليلاً بدل الصلاة نهاراً وداوموا على اجتماعاتهم الليلية وتسابيحهم وصلواتهم الليلية فى البيوت لمدة 9سنوات كاملة!!

ذات يوم فكر الحاكم بأمر الله أن ينزل بنفسه ليرى ويسمع ماذا يفعل الأقباط لمدة 9 سنوات كاملة ولماذا لايُسمع لهم صوت. فدخل بنفسه إلى حوارى القاهرة الفاطمية وجعل يتجول فى أكثر من منطقة منها حارة زويلة وحارة الروم وكانت هذه المناطق عامرة بالبيوت المسيحية المؤمنة فما كان منه إلا أن ذهل مما سمعه فقد سمع بأذنيه أصوات التسابيح والترانيم تخرج من كل بيت قبطى رغم إغلاق كل النوافذ والأبواب فكل بيت مصرى تحول إلى كنيسة حينما أغلق الحاكم كل الكنائس. فأصدر أوامره بفتح كل الكنائس وإقامة الصلوات بصورة عادية فيها وكأن شيئاً لم يكن قبل ذلك وقال مقولته الشهيرة والتى سجلها له التاريخ: «افتحوا لهم كل الكنائس واتركوهم يصلون كما يشاءون لأنى كنت أريد أن أغلق فى كل شارع كنيسة ولكننى اكتشفت اليوم بأننى حين فعلت ذلك افتتحت لهم فى كل بيت كنيسة».

هل أدركتم الآن أن مقولة «وطن بلا كنائس أفضل ..»، لقد أقر الحاكم الفاطمى القاسى أنه لا استغناء عن الكنائس على أرض مصر، وأن الأقباط – بطبيعتهم - مسالمون لا يضمرون الشر لأحد. لكن كفانا أقوالاً مستفزة تجلب الويلات على الكنيسة والوطن أيضاً.

■ عضو المجمع العلمى المصرى