رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عباس الأول.. هل ظلمه التاريخ؟


والى مصر عباس باشا، حاكم مصر بين عامى 1848 – 1854. والذى ورث الحكم عن عمه إبراهيم باشا، بن محمد على، ثالث حاكم لمصر فى أسرة محمد على، لم يكن له أى مميزات تذكر سوى أنه أغلق معظم المدارس التى أنشأها جده محمد على باشا، ومنها مدرسة الألسن، ومدرسة المهندس خانه وغيرها من المدارس الحديثة، والتى كانت بمثابة كليات جامعية متخصصة لأن المعلمين والمدرسين كانوا من الأجانب أو أعضاء البعثات الذين أرسلهم محمد على الخارج. 

ألغى عباس باشا مدرسة الألسن، بعد 15 عاما من تأسيسها، وقام بنفى مديرها رفاعة بك الطهطاوى إلى الخرطوم، وهناك استقبله حاكم السودان وقام بتعيين رفاعة ناظرا لمدرسة ابتدائية فى الخرطوم، وعين معه عددًا من العلماء كمدرسين للمرحلة الابتدائية فى تلك المدرسة، ومن هؤلاء العلماء محمد بيومى أفندى المشهور بمؤلفاته فى علم الجبر وحساب المثلثات وعلم جر الأثقال [الميكانيكا بفرعيها الديناميكا والأستاتيكا ] والذى تتلمذ على يده كل من سلامة أفندى ومحمد باشا الفلكى ودقلة أفندى وإبراهيم أفندى رمضان. 

لم يحتمل بعض هؤلاء العلماء قسوة الجو فى السودان فمات هناك محمد أفندى بيومى. وأصيب بعضهم بأمراض خطيرة

غير أن عباس باشا كان يجوب أقاليم مصر، وكان يختبر المهندين والمساحية والفنيين بنفسه.

وفى إحدى المرات زار مدينة المنيا، وقام باختبار المهندسين، ولكنه لم يجدهم على مستوى المسئولية، أو أن معلوماتهم لم ترق إلى المستوى المطلوب. 

وربما كان هذا سببا من أسباب إلغاء المدارس المتخصصة التى أنشأها جده محمد على.

ولنتركه يدافع عن نفسه. فيقول:

فى محرم 1266 موافق نوفمبر 1849 م. إرادة لمدير إدارة المدارس، عند وصولى إلى مديرية المنيا، امتحنت المهندسين المتخرجين والمتربين فى ديوان المدارس الذى أسس لنفع الوطن ولتربية أولاد الأمة المصرية، فظهر أنهم مجردون من العلم والعمل، اللازم لهم ولخدمتهم، وبمطالعة الجرنال المرسل طرفكم ستعلمون أنهم صفر اليدين من كل علم وعمل، وفضلا عن ذلك رأيتهم غير واقفين حتى على عملية الضرب فى الحساب، فتعجبت جدا، وسألتهم: كيف لا يقومون بتلك العملية التى هى قوام مهنتهم وهو مهندسون؟ فأجابوا: أنهم يجرون هذه العملية بواسطة المعلمين الأقباط الموجودين معهم، وبينما نحن منتظرون منهم الفائدة، إذا هم يتسببون فى خراب الأقاليم، إن هذا لشىء يحرق القلب،.. 

وبناء عليه يحق لى أن ألغى ديوان المدارس الذى اتخذناه أساسا للتعليم، وأطرد الأساتذة والمهندسين المومئ إليهم، والبالغ عددهم خمسة عشر شخصا، حيث إنهم لا يعرفون شيئًا سوى تخريب الأقاليم.

وقد طردتهم من الخدمة أبديا، وكتبت لمدير الأقاليم الوسطى أن ينزع نياشينهم، ويرسلها إلى الديوان، ويجب ألا يستخدموا بعد ذلك فى الحكومة بمعرفة ديوان المدارس، وإذا استخدمهم أحد على غير إرادتى فسأنزع منه نياشينه وأطرده حالا، حيث إنه يكفى لكل مراكز بنى سويف والفشن والفيوم وبنى مزار والمنيا مهندس واحد ماهر مقتدر. 

فيلزم أن تعنوا بانتخاب خمسة مهندسين واقفين على العلوم والأعمال الهندسية والحساب، وإرسالهم إلى المديريات المذكورة، واعلموا بأننى بعد عودتى من وجه قبلى سأمتحنهم وأجربهم، فإذا تبين أنهم مثل المهندسين المطرودين فسأضطر إلى طردهم أيضا، وإلغاء ديون المدارس كلية. وللمعلومية تحرر لكم باتباعه.

ومن ناحيتى أقول:

- هل كان الرجل على حق، أم أن التاريخ ظلمه ظلما عظيما عندما نسب إليه أنه أغلق المدارس؟

اكتشفت فجاة أننا نعيش فى ضجيج.. فى أسواقنا ضجيج، فى شوارعنا ضجيج، فى مدارسنا ضجيج، فى أعمالنا، حتى فى طرق كلامنا، فى مسلسلاتنا ضجيج لا يمكن قياسه، والممثلون يصرخون كأنهم على خشبة مسرح، مع أنهم فى مسلسل درامى رومانسى، حتى برامجنا فيها صراخ، وليس هناك أعلى من صراخ الممثل الفاشل، الذى يستفز الناس بمقالب مبكية، ويجعلنا نضحك على أشخاص، يعانون فعلا هول الصدمة، إنها مشاهد عنف يشاهدها أطفالنا، ولا ندرى ماذا تكون فى ذهنهم، وهل سيقلدونها أم لا؟ المهم أننا لم ندرك أننا نعيش فى ضجيج إلا عندما تمر بنا لحظات صمت، لا نشعر بها.