رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أسبوع الآلام.. وقتلى المصريين على الهوية


احتفل المسيحيون بـ«أسبوع الآلام» الذى ينتهى بعيد القيامة، وقدكتبت قبل ذلك بأهمية توحيد مواعيد الاحتفالات فى عيدى الميلاد والقيامة، فالمولود واحد، ولا خلاف على ولادته معجزياً من عذراء لم تعرف رجلا، وهو ذاته المحتفى بقيامته، وإن اختلف حول التاريخين لدرجة أن وصل الفارق إلى خمسة أسابيع، وهى أطول فترة بين التقويمين الغربى والتقويم القبطى...

... ثم يتفق الاحتفال فى العام القادم ويليه الاختلاف التدريجى بفارق أقله أسبوع وأكثره خمسة أسابيع. أما عيد الميلاد فالفارق ثابت،الغالبية العظمى تحتفل فى الخامس والعشرين من ديسمبر، بينما الكنيسة القبطية تحتفل فى السابع من يناير، وننتظر أن يحدث اتفاق حول تاريخ العيدين، حيث لا خلاف حول الحدثين بكل تفصيلاتهما.

ومن المؤلم ليس للعوائل التى نكبت بقتل أولادها على أرض عربية مجاورة كان لمصر السبق ولا أقول الفضل، فليس بين الجيران فضل لأحدهما على الآخر، ومن الواقع يمكن أن يقال إن مصر لم تتوان يوما عن العمل الجاد على كل الأصعدة فى الدول التى تشترك معنا فى اللغة والدين فى المجمل، بل كان لمصر المساهمة العملية فى خدمة البلدان العربية فى التعليم والطب والهندسة، وغير ذلك من المشروعات، ولم نكن نتوقع أن يكون المقابل هو جزاء سنمار الذى بنى للحاكم أروع القصور،فكان جزاؤه أن يلقى به من أعلاه، فيلقى حتفه، ولما سئل الحاكم لما فعلت ذلك مع سنمار وهو لم يبخل عليك بعلمه وشيد لك أعظم القصور فكان رده لقد قتلته حتى لا يبنى قصراً آخر لكائن من كان. هكذا لقى المصريون حتفهم وهم يقومون بخدمة بلد شقيق، فكان أن دفع واحد وعشرون رجلاً حياتهم بدافع دينى وليس لأسباب أخرى. أما حادث هذا العام فكان القتل على الهوية الدينية لفريق وعلى الهوية الجنسية لفريق آخر لم يعرف حتى تاريخ كتابة هذا المقال عدد المصريين وإن كان العدد يتراوح بين خمسة عشر وثلاثين رجلاً مصرياً. ويمكن القول إن كلا الحادثين وقعا على الهوية الدينية والوطنية ولم يعرف حتى الآن العدد النهائى للحادث الثانى ولا المبرر الحقيقى، حيث قيل إنه شجار بسبب أجرة الانتقال أو تهريب المصريين للدخول الى الجنة الموعودة لشباب ضاق بهم الحال، ولم يجد طريقاً للعيش الكريم إلا المغامرة ولو بحياتهم فى سبيل لقمة العيش المر الذى تجاوزت مرارته حتى الموت وبيد عربية من بلد ملاصق نال أبناؤه تعليمهم فى مصر، بل وعلموا أولادهم بواسطة معلمين مصريين فكان هذا تعبير الشكر والامتنان، الموت قبل أن يمضى على دخولهم البلاد التى ظنوا أنها الجنة الموعودة والتى ستحل مشكلاتهم، وبدلا أن يرسلوا مالا لذويهم ربما ترسل جثثهم إذا شاء من بيدهم الأمر الذين لم يتوصلوا حتى كتابة هذا المقال إلى أعدادهم أو القبض على مرتكبى الجريمتين. لقد ترددت الكلمات أن القتلى دخلوا ليبيا بطريق غير رسمى ولم يذكروا لنا شيئا عن الذين قتلوا من قبل والبالغ عددهم واحد وعشرون شاباً وكان نحرهم بدم بارد، هذا إذا كان لدى القتلة دم ومشاعر إنسانية مع الاعتذار للمخلوقات الأخرى، لأنها لا تصل أفعالها إلى ما وصل اليه الحال فى ليبيا لا سيما الاعتداء على مصريين.

أعود إلى عنوان المقال أسبوع الآلام وقتلى المصريين على الهوية، فقد حدثت الواقعتان فى أسبوع احتفال المسيحيين المصريين بأسبوع الآلام الذى ينتهى بأفراح القيامة، حيث يتهلل المسيحيون فى شتى أنحاء العالم بتراتيل القيامة أن من قتله اليهود قام كما قال، فلم يكن للقبر عليه من سلطان حتى نردد فى مثل هذه المناسبة ردا على تساؤل مجموعة من النساء كن قد ذهبن إلى القبر ليؤدين واجب تحنيط الأجساد، حيث لم يكن قادرات على فعل هذا العمل يوم أن مات لأنه كان كسرا للوصية «اذكر يوم الرب لتقدسه»، وفوجئت النسوة أن القبر فارغ وليس به جسد من قتله اليهود، بل سمعوا صوت الملاك يقول لهن «ليس هو هنا فقد قام كما قال».

أما السؤال الذى يتكرر هو كيف هان على مصر أن يدفع المصريون حياتهم طلبا للقمة العيش وبيد عربية كان لمصر والمصريين فضل تعليمهم وعلاجهم وتحضرهم، ولم نسمع أن حكومة ذلك البلد أخذت موقفا تجاه القتلة فى الحادثين، بل قد تكررت الجرائم الموجهة إلى مصريين دون سواهم، تارة بسبب ديانتهم، وأخرى بسبب جنسيتهم.

أما أن يواجه شبابنا حتفهم بهذا الأسلوب الخالى من الآدمية أو رد الجميل وتقف الحكومة الليبية موقف العجز، فأقل ما يمكن فعله هو سحب المصريين من ليبيا حتى يعرفوا قيمة أبنائنا وأنهم ليسوا بائعى حياتهم مهما بلغت شدة الاحتياج. ومصر قادرة على استيعاب عشرات الآلاف من أولادها ولواقتسمنا رغيف الخبز وصدق المثل العربى « تموت الحرة ولاتأكل بدم أولادها».

أما السؤال الذى يدور فى أدمغتنا لماذا المصريون دون سواهم من جنسيات عديدة فى المدن الليبية، ولا أسمع عن اعتداء على أى من الجنسيات الأخرى، هل خوفا من حكوماتهم وعمل ألف حساب لهم، أم أن لهذه الدول فضلا أكبر مما قدمته مصر والمصريون، وغالبا ما يدفع لأولادنا أقل الأجور من غيرهم من جنسيات أخرى، أم أن الأمن الليبى أكثر احتراسا للجنسيات الأخرى أما أولادنا فهم أولاد الجارية وليسوا من أبناء الحرة؟!

أنا أعرف أن السيد الرئيس اتخذ موقفا للرد على حادث قتل الواحد والعشرين الذين لقوا حتفهم فى المرة الأولى، وكانت خطوة غيرمسبوقة، إلا أن الجانب الليبى لم يقم بواجبه كما ينبغى إلا بعبارات جوفاء مثل خطورة الأماكن التى يعمل بها المصريون، وكان من الواجب أن لا يذهبوا إليها، ولكن فى هذه المرة نسمع عن عدد اكبر لاقوا حتفهم رميا بالرصاص من تجار العمالة الرخيصة يقوم بها تجار من الليبيين المسلحين الذين قاموا بقتل عدد غير معروف حتى كتابة هذه السطور، ولم نسمع أن جهدا قد بذل للقبض على العصابة التى قامت بتصفية المصريين، وبالطبع أخذوا منهم كل ما حملوه من مال محدود، لكن الجشع والإجرام قادهم إلى تصفية عدد من البشر الذين يحملون لقب مصريون دون اتخاذ أى خطوة حتى لحصر عدد الجثامين الذين تمت تصفيتهم بدم بارد والذين لا حول لهم ولا قوة.

وحتى لا يكون الحديث تكرارا والأحداث أيضا تكرارا، وبالطبع لن يقوم جيشنا بالدفاع عن كل مصرى يعامل بمثل هذه المعاملة فى ليبيا أو غيرها فإنى اقترح سحب كل العمالة المصرية فى ليبيا والاستفادة بهم فى مصر ولدينا من الأراضى القابلة للإصلاح مثل توشكا وبالأجور نفسها التى تدفع لهم فى ليبيا أو غيرها، ولو توقفت مصر عن مشروعات أخرى ولو إلى حين، فأرواح المصريين أغلى من مشروعات الدنيا ولا أقول إن تعامل ليبيا ولديها فى مصر الكثيرون الذين يعيشون معززين مكرمين وهذا واجب مصر فهى الام الرؤوم لكل لاجئ إليها منذ أبناء يعقوب وحتى حاضرنا، ولكن نظرة لأبنائنا حتى لا يضطروا لدفع حياتهم لقاء لقمة عيش وسترة الأجساد وتنتهى بمثل هذه النهاية المفجعة. سيادة الرئيس أولادك أهم من كل المشروعات مهما بلغت أهميتها، فهل حان الوقت أن تعطى الأولية للبشر فهم أهم من الحجر، إنها صرخة أعتقد أن شعبك يوافقنى وينضم صوته إلى صوتى «البشر أهم من الحجر».