رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حتى لا نخرج من التاريخ!


تحدث الأستاذ محمد حسنين هيكل مع الأستاذة لميس الحديدى عبر الأستاذ هيكل عن مخاوفه من أن نخرج من التاريخ، وربما تساءلت حينئذ عما يقصده الأستاذ بالخروج من التاريخ، وجاء خطاب الرئيس الأمريكى فيما عرف بخطاب حالة الاتحاد ليوضح لى بعض ما ربما قصده الأستاذ، ولكن تفسير حديث الأستاذ لا يكفى لأن هذا يتطلب أن نتساءل عن أسباب الخروج من التاريخ،وبالتالى كيف العمل للبقاء فيه وليس الخروج منه!

لاحظت أن الرئيس الأمريكى لم يذكر اسم مصر ولا مرة، وهذه هى المرة الثانية على التوالى حيث لم يرد ذكرها فى خطاب حالة الاتحاد عام 2015، ولكن التجاهل اقترب أيضاً من باقى المنطقة المعروفة بالشرق الأوسط، إذ جاء بالخطاب ما معناه «إن الشرق الأوسط يمر بتغير سيستمر لجيل ويرجع جذورها إلى صراعات ترجع لألفية سابقة. ويكاد يقتصر اهتمام خطاب حالة الاتحاد على كل من «داعش» و«القاعدة» حيث تردد الحديث عنهما عدة مرات، حيث ذكر أن كلاً من «القاعدة» و«داعش» تشكل تهديداً مباشراً لشعبنا لأن فى عالم اليوم يمكن لمجموعة من عدد أصابع اليد الإرهابيين الذين لا يقدرون الحياة البشرية بما فيها حياتهم أن يحدثوا دماراً كبيراً وهم يستخدمون الإنترنت فى تسميم عقول الأفراد داخل بلادهم وينسفوا حلفاءنا!

يركز الرئيس الأمريكى على تدمير داعش ولكنه ينفى الادعاءات بأنها تعمل لصالح داعش ويقول إن مقاتلين على ظهور عربات بك أب وأشخاصاً فى شقق وجراجات لا يشكلون تهديداً للوجود الأمريكى الوطنى بينما يشكلون خطراً هائلاً للمدنيين، ولذلك فإن الرئيس الأمريكى يرى أن على الكونجرس أن يفوض استخدام القوة ضد «داعش». وتأكيداً لما سبق يقول الرئيس الأمريكى إن السياسة الخارجية يجب أن تركز على التهديد النابع من «داعش» ومن «القاعدة» ولكنها يجب ألا تقف هناك. يتنبأ الرئيس الأمريكى فى خطاب حالة الاتحاد بأنه حتى بدون «داعش» والقاعدة سيستمر عدم الاستقرار لعقود وفى أجزاء كثيرة من العالم مثل الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان وأجزاء فى أمريكا الوسطى وأفريقيا وآسيا. ويتحدث الرئيس الأمريكى عن تصرفات أمريكا بأنها ستتصرف وبمفردها عند الضرورة إذا لزم الأمر لحماية شعبها وحلفائها ولكنها ستدعو حلفاءها للعمل معها والتأكد أن بلاداً أخرى تقوم بحمل نصيبها من العبء. وأن هذا سيكون اقتراب أمريكا فى نزاعات فى سوريا وغيرها، حيث تشترك مع القوى المحلية والعالمية والجهود الدولية لمساعدة المجتمعات المحطمة فى الوصول إلى السلم.

كان هذا مثالاً لخروج مصر من نطاق الاهتمام الأمريكى واهتمام دول ترتبط بالولايات المتحدة وتتأثر كثيراً بها، ويبقى أن هناك دولاً تخرج عن هذا النطاق، على أن ليس كل الدول غير المتضمنة فى علاقات خاصة مع الولايات المتحدة هى موضع الاهتمام أو أنها تهتم بمصر، والخوف أن تزداد الدول غير المهتمة بمصر، وبالتالى بالأمة العربية والوطن العربى بحيث يتركون بلا اهتمام من أحد، صحيح أن ذلك يمكن أن يكون مصدر خطر على الآخرين، ولكن ذلك لن يكون كافياً لمنع الخطر. إن هذا الإهمال الدولى هو علامة ما يسمى بالخروج من التاريخ، حيث تصبح الدول والأمة غير ذات تأثير، حيث لا يشعر أحد بغيابها. إن هذا يعنى أن الدولة لم تعد قادرة على تقديم ما يمكن أن يحقق مصلحة لشعوب أخرى سواء عن طريق إنتاجها لبعض السلع التى يحتاج إليها آخرون فى أماكن أخرى بجودة وسعر ومواصفات مغرية لهم، أو خدمات متميزة لا يستطيع غيرهم تقديمها بالجودة والمهارة والتكلفة والوقت والزمن المناسبين.

ما السبب فى هذا التخلف الذى يجعل العالم قادراً على الاستغناء عن شعوب بأكملها؟ علماً بأنه تاريخياً كانت مصر مهمة على مدى التاريخ للعالم، وكانت أهميتها مرتبطة بعلاقتها بمحيطها المعروف بالعالم العربى والتى عبر عنها دكتور جمال حمدان بتعبير عبقرية المكان، وأيضاً بنهر النيل الذى كان أساس المجتمع المصرى. إن خروج مصر والعالم العربى المعروف بالشرق الأوسط من دائرة الاهتمام العالمى ناجم عما حدث من تفكك المنطقة وبعد مصر عنها وبعدها عن مصر، ويرجع ذلك أساساً إلى تقسيم المجتمع إلى طوائف متقاتلة على أسس بعضها دينى مثل المسلمين والأقباط أو المسيحيين، أو مذهبى مثل السنة والشيعة والشوافع والزيديين والإباضية والعلويين والموارنة، أو عرقى مثل الأكراد والأمازيغ والعرب، أو قبائلى مثل أولاد على والأنصار والختمية، وهكذا توافرت عناصر حروب الجيل الرابع لندمر أنفسنا بأنفسنا. علينا أن نتوقف عن تلك التقسيمات حتى نحفظ مكاننا فى التاريخ، وأن تعود مصر إلى موقعها العربى.