رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عندما كان للكنيسة « تيار علمانى»


«حيث الحرية هناك الوطن» حكمة لاتينية قديمة لعلها كانت شعاراً رفعه التيار العلمانى «لما كان عندنا تيار علمانى، وهم يعدون لمؤتمرهم الثالث وعبر التفهم لقيم المواطنة كانت الدعوة مفتوحة لكل ممثلى الآراء والتوجهات المتباينة، بل والمنتمين لأديان مختلفة فى محاولة لبلورة تصور موضوعى وعملى يسهم فى تأكيد ثقافة المواطنة باعتبارها المخرج الصحيح من مناخ الاحتقان الطائفى والعودة إلى زمن التآخى والتكامل من أجل وطن واحد لكل المصريين... أستأذن القارئ العزيز للاقتراب من بعض ما تم إثارته فى المؤتمر، قبل أن يختفى من الوجود ذلك التيار ليصطف رموزه فى مقاعد الموالاة فى ظروف ملتبسة للأسف!!

وتضمنت محاور الجلسات عدة عناوين مهة منها الإطار السياسى لتأصيل المواطنة فى مصر، والإطار الروحى الإسلامى لتأصيل المواطنة، وكذلك الإطار المسيحى.. بالإضافة لدور السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، وكذلك مؤسسات الإعلام والتعليم والثقافة فى دعم أو تعويق سبل المواطنة.. إلى غير ذلك من الموضوعات المهمة التى أتصور أن المؤتمر ومن قام على تنظيمه كانوا يعدونها مقدمة وافتتاحية يليها تخصيص ورش عمل وندوات منفصلة لكل محور من محاور المؤتمر بعد أن لاقت مناقشات المؤتمر نجاحاً جعل الحضور يناشدون أعضاء التيار العلمانى بتواصل الجهود نحو تأصيل ثقافة المواطنة وصولاً إلى تحقيق حلم مجتمع العدل والرفاهية.

عن دور مؤسسات المجتمع المدنى فى دعم وتعويق المواطنة أشار د.مصطفى النبراوى المشرف العام على تقرير «المجتمع المدنى والتحول الديمقراطى فى العالم العربى» فى كلمته للمؤتمر إلى أن المواطنة إطار يُفعل الثقافات المختلفة لأبناء الوطن الواحد، وأن وطننا العربى يتمتع، فى معظم أقطاره بأقليات سواء كانت «عدداً أوتأثيراً أوالاثنين معاً» تأخذ أحياناً طابعاً عرقياً / إثنياً / دينياً / طائفياً / جنسوياً. وكان بالإمكان أن يكون هذا التنوع مصدر ثراء للثقافة العربية وأن تبتهج الأقطار العربية به، إلا أنه نتيحة لغياب الإدارة الرشيدة لهذا التنوع... هُمشت تلك الأقليات مما أحدث خللاً فى العلاقة بينها وبين الأوطان التى تنتمى إليها. فمن المؤكد أن متانة النسيج الوطنى تتطلب أولا التسليم بمفهوم المواطنة، مفهوم تتحقق فيه المساواة بين البشر، وينال فيه الفرد موقعه الاجتماعى ووظيفته على أساس كفاءته وقدراته ونزاهته. فالواقع يؤكد أن ثمة علاقة فى المضمون بين مفهومى المواطن والمواطنة. حيث إننا لا يمكن أن تتحقق المواطنة، دون مواطن يشعر شعورا حقيقيا بحقوقه وواجباته فى وطنه.. فلا مواطنة دون مواطن، ولا مواطن إلا بمشاركة حقيقية فى شئون الوطن على مختلف مستوياتها.

وطرح د.النبراوى سؤالاً: هل تفعل مؤسسات المجتمع المدنى ثقافة المواطنة داخلها؟ .. سؤال يجب أن نمارس عند الإجابة عليه قدراً كبيراً من النقد الذاتى والموضوعية.... نعم ثقافة المواطنة داخل مؤسسات المجتمع المدنى عند حدها الأدنى.. لذلك لا تكتسب الدعوة المصدرة منها المصداقية الكافية.. نحن فى حاجة إلى جمعيات أهلية ومجتمع مدنى يعملان على الانتقال السلمى الآمن للمجتمع نحوالديمقراطية... وهذا يتطلب أموراً ثلاثة: الأول أن تزيل الدولة كل المعوقات التى تقف أمام هذا النشاط سواء أثناء الإنشاء أوخلال الممارسة، والثانى أن تتحول الجمعيات الأهلية إلى مؤسسات مجتمع مدنى حقيقى تُفعل ثقافته وفى مقدمتها المواطنة وتفعيل معيار الكفاءة. والثالث أن لا يخلط المجتمع المدنى بصوره المختلفة سواء فى خطابه أوآلياته بين ما هو سياسى وما هومجتمعى مدنى فالخلط دائما يضر بالدائرتين.

وعن دور الثقافة فى دعم وتعـويق المواطنة أشار المهندس إسحاق حنا- أمين عام جمعية التنوير وعضوالتيار العلمانى ومهندس كل فعالياته- أكد أن الشعب المصرى لديه ثقافة شعبية رائعة ممتدة عبر تاريخه الطويل منذ عصر الفراعنة قبل خمسة آلاف سنة مروراً بالعصر القبطى والعصر الإسلامى وصولاً للعصر الحديث ظل يتوارثها جيل بعد جيل يضيف إليها ويحذف منها ويطورها حسبما يقتضى كل جديد فى الحياة بل ويأتى هو بالجديد الذى يساير جديد العصر أو متطلبات الحياة وبذكاء طوع تراثه لمستجدات العصور دون أن يفقد جوهر هويته، إلا أننا وللاسف نرى تراجعاً ملحوظاً فى الثقافة الشعبية المصرية منذ سبعينيات القرن الماضى وحتى اليوم فى 2008.. عندما فتح باب السفر إلى دول عربية تتبنى فكراً مغايراً فكان هذا التراجع الذى يتمثل فى فقدان الشعب المصرى لكثير من خصائص شخصيته الإيجابية كالتسامح والتآلف وحب الخير «اعمل الخير وارميه البحر» وحب العمل كقيمة فى ذاته «الإيد البطّالة نجسة» واحترام المرأة والتكافل الاجتماعى وحب الحياة... وغيرها.

إننى أعتقد أن هذا الصدى الطيب لمؤتمر العلمانيين الثالث،والذى تمثل فى اهتمام إعلامى رائع لم يكن مصدره تواجد شيوخ وكهنة وأحبارعلى منصة المؤتمر وتلاقيهم فى مناخ حر، بل فى لقاء الأفكار الموضوعية الداعمة لقيم المواطنة عبر تفهم موضوعى لخطورة واقع التشابكات الطائفية والصراعات المذهبية التى باتت تتصاعد آثارها للأسف. وددت بهذا المقال أن أذكر بدور التيار العلمانى، الذى خسرناه للأسف عبر ملابسات لا داعى للتعرض لها... لعل شباب الكنيسة الذى خرج من أسوارها يكونون ائتلافاً بديلاً قادراً على الاستمرار فى لعب ذلك الدور.