رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عودة الضمير


أكد الرئيس السيسى فى اجتماعه بنخبة من علماء مصر، أن منظومة القيم والأخلاق فى المجتمع تعد الحاكم الأول لسلوك المواطنين فى المجتمع، وتقوم بدورٍ جوهرى فى تقدم الشعوب والأوطان، وتمثل حافزاً ووازعاً لمزيد من العمل والإنتاج، فضلاً عن نشر الرُقى والتحضر فى جميع مناحى الحياة سواء فى الشارع المصرى أو على المستويين الثقافى والأدبى. وكان الدكتور محمد غنيم، عضو مجلس علماء مصر قد صرح بأن أعضاء المجلس عرضوا على الرئيس عبدالفتاح السيسى إنشاء لجنة لتنمية الأخلاق والضمير، وتعزيز قيم العمل والانتماء، لتباشر عملها تحت رعاية مؤسسة الرئاسة، موضحاً أن منظومة الأخلاق تحتاج إلى روابط حتى تتحقق، منها الأزهر، والتعليم، والإعلام، موضحاً أنه يجب تحسين الحالة الاقتصادية والاجتماعية حتى تحسن المحتوى الأخلاقى للأفراد.

«هنا فى مصر ولد الضمير» قالها جيمس هنرى بريستد فى كتابه «فجر الضمير».... وفى مصر ــ بل وفى منطقتنا العربية كلها ــ نعيش مناخاً ينحو بنا إلى منعطف ينأى بنا بعيداً عن القيم الإيجابية التى يجب أن تكون هى الأعلى والأهم لتحقيق التقدم.. وبات مثقفونا وقادة الفكر المخلصون أمام حائط فاصل يعانون خلفه صعوبة فهم لوغاريتمات الناموس القيمى المطروح «إذا جاز أن نسميها قيماً» الذى يمارس بمقتضاها الناس فى منطقتنا أفعالهم المستهجنة وكأنها من مُسلمات وبديهيات العصر فى التعامل.. يؤدونها فى سلاسة وانسيابية وتدفق دونما إحساس بالذنب أو تأنيب للضمير!! وأعتقد أنه على هؤلاء ممن يتقدمون الصفوف لإحداث أى تغيير لتشكيل واقع جديد لنتجاوز عبره أزمنة البلادة والتراجع العودة إلى الأصيل والإنسانى من القيم دون التوقف عند تشخيص ملامح الماضى والتباكى على اللبن المسكوب.

فماذا نرى الآن؟!.. نتابع الآن كيف يتناصح الكثير من موظفينا ـ على سبيل المثال ـ فى دواوينهم الحكومية بتلك المقولات والمأثورات الرذيلة.. يقولون «اشتغل كتير تغلط كتير» و«على قد فلوسهم» و«واللى مالوش ظهر..» و«الصعبة ما اعرفش أعملها والسهلة ليه فيها» و«ده مش شغلى.. ده شغل أمين أفندى».. أما بعض مسئولينا فقد رفعوا شعارات الخوف وتواصوا بمقولات «طاطى للريح» و«إحنا فى النهاية بنفذ سياسة» و«اللايحة دينى ومذهبى».. وبعضهم قالوا تبريراً للانفلات والتسيب «نحن لن نعمل بأيدٍ مرتعشة» و«اللى تغلب بيه إلعب بيه» و«الفرصة بتيجى مرة واحدة».. وبتنا نعلم أولادنا مناهج تزخر بسوء الاختيارات والتوقف عند ملامح معرفية أصبحت فى ذمة التاريخ.. نلقنهم فى البيوت حكماً وأمثالاً تدفعهم للتواكل والسلبية والانسحاب المبكر من دنيا الغد.. ونردد أمامهم مقولات «إعلامنا الرائد» بينما يروننا نتابع كل محطات الدنيا وقنواتها التليفزيونية إلا محطاتنا الحكومية التى توقفت عندما أسموه مرحلة الريادة وحمل لواء الإبداع ، ولم يعد لدينا من ملامح تلك المرحلة إلا اسمها وشعاراتها وبنية أساسية ضخمة دونما إنتاج متميز أو توافر كوادر إعلامية يمكن أن نفاخر بها.. وقالوا لتلاميذ المدارس هذه هى مدارسكم نظيفة جميلة متطورة ومنتجة فهل وجدوها كذلك؟!.. أى قيم هذه التى يبثها المجتمع لأفراده وفلذات أكبادنا..؟! لقد صار اهتمامنا بالمناصب والكراسى واللوائح والوجاهة الاجتماعية أعلى وأهم من الرسالة المنوط بصاحب الكرسى وشاغل المنصب أن يؤديها.. ولعل مايدهشنا أنه عندما كنا نعيش زمن الكتاتيب والمدارس القليلة، كان المشهد الثقافى والعلمى زاخراً بالرواد فى الفكر والأدب والفلسفة والعلوم.. فكان أحمد لطفى السيد وطلعت حرب وجمال حمدان وسيف وانلى وغيرهم كثيرون.. والآن لم يعد بيننا من أعلام أو نماذج نحتفى بها سوى اللمبى وبوحة وطرائيعو وعبده موته بعض رجال الأعمال من نجوم صفحات الحوادث ولاعبى كرة القدم العجزة.. وبعض نفر قليل من أصحاب الانتماءات الإيديولوجية المريضة التى تجاوزها العصر.. إن الإعلام المصرى يواجه بشكل عام والمرئى بشكل خاص تحدياً حقيقياً إذا كان القائمون عليه يريدون حقاً أن يتجاوزوا شعاراً لم يعد له معنى يحمل شارة الريادة وصكوك السبق وشهادات تاريخ فى عصر لم يعد يقبل فيه العالم أعذار أصحاب معلقات الفخر والاعتزاز بفتوحات زمن المجد التليد..

لقد ذكرتنى شارة الريادة التقليدية التى نرفعها فى كل مناسبة إعلامية بالصراع الذى دار فى بداية القرن الحالى بين مسئولى ناديى الأهلى والزمالك للحصول على لقب نادى القرن الماضى فى أفريقيا ليحصدا جهد أجيال جادة سبقتهم كانوا قد حققوا بالفعل ريادة فى عصور كانت علاقة أندية أفريقيا بكرة القدم كعلاقة شعبان عبدالرحيم بالفمتو ثانية، ولم تحاول إدارة أى من الناديين النظر إلى الحال التى وصلا إليها من فنون اللعبة وحرفياتها وترتيبهم دولياً الذى تراجع بعد أن تبادل الجميع الأدوار واختلط الحابل بالنابل حتى حصول اللعبة واتحادها ووزارتها بكل هيئاتها على الصفر الكبير بجدارة وريادة أيضاً غير مسبوقة!! وإذا كان توفيق الحكيم قد حلم بعودة الروح، وبعدها بعودة الوعى، فيبدو أن حلم «عودة الضمير» بات الأمل المنشود فى زماننا.. وللموضوع بقية.