رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بدائل لتوصيات المؤتمر العربى العام


أقدر دائماً توافق أطراف عربية على عمل إيجابى وإن كانت به بعض نقاط الضعف، فقد واجهت بعد التقاعد من خدمة القوات المسلحة أننى أرى قصوراً فى تفكير وأعمال النخبة المدنية المصرية والعربية، وكان على أن أختار بين الخروج عن المجموع لأنى أرى ما يصدر عنهم ناقصاً أو غير كافٍ، وبين أن أوافق على ما يتفق عليه غالبية النخبة المصرية والعربية رغم ما أراه فيها من قصور، وفى رأيى أننا غالباً ما لا نطالب أنفسنا بشىء ولا نقرر أن نفعل شيئاً، ولكنا نترك أنفسنا دون التزام رغم ما نصدره من مطالبات ودعوات. وأعتقد أن توصيات المؤتمر العربى العام السادس نموذج لطريقتنا فى التفكير والتصرف. وكنت فى كلمتى القصيرة فى المؤتمر قد أشرت إلى أننا تحدثنا كثيراً حول القضية الفلسطينية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى غير القابلة للتصرف، وقد مرت نحو خمسين عاماً والأمر يسير من سيئ إلى أسوأ، وأخشى أن ينطبق ما سبق على نتائج المؤتمر العربى العام السادس.

لنأخذ مثالاً من توصيات المؤتمر ويبدأ بالتوصيات الخاصة بتوحيد الجهود الفلسطينية ويقول تقريباً: «الدعوة العاجلة إلى إنهاء الانقسام الفلسطينى وبناء الوحدة الوطنية مع الالتزام بمشروع وطنى تحررى يقوم على الانتفاضة والمقاومة وتحرير كامل الأرض المحتلة». أتساءل كم مرة طالبنا الفلسطينيين بإنهاء الانقسام الفلسطينى وبتحقيق الوحد الوطنية، بل كم مرة أعلن عن توقيع اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية وخاصة بين كل من «حماس» و«فتح»؟ الحقيقة تقول إن المطالبة فاقت مائة مرة، بينما أعلن عن إجراء المصالحة والاتفاق بين كل من «حماس» و«فتح» نحو خمس مرات، ليس المقصود هو تعداد المرات وإنما التأكيد على أن كثرة المطالبة أو الدعوة إلى إنهاء الانقسام ليست كافية، وإننا يجب أن نبحث عن مخرج آخر غير الدعوة والمطالبة، خاصة أننا نرفق بهذه الدعوات والمطالبات التأكيد على المطالبة بالالتزام بالمشروع الوطنى التحررى وعلى أسسه. أكاد أسمع أحد القراء يسأل: وماذا تقترح على المؤتمر إذن؟ وأنا معجب بهذا السؤال، فمن المطلوب دائماً، أن يكون هناك اقتراح بديل يحقق نتائج أفضل، والحقيقة أنى قلت فى كلمتى فى المؤتمر إنى أقترح على المؤتمر أن يشكل مجموعة تقصى حقائق لتحديد من المسئول عن فشل مشروعات واتفاقات المصالحة، وأن تطالب المسئول بتغيير سلوكه أو اقتراح بديل لتصرفه، وأن تعلن نتائج تقصيها للحقيقة. هكذا من وجهة نظرى يمكن التحرك خطوات فى اتجاه إنهاء الانقسام الفلسطينى، بدلاً من الدعوة إلى الإنهاء أو إلى الوحدة الوطنية رغم أنها إجراءات صحيحة لكنها كما سبق أن قلنا غير كافية.

كانت التوصيتان الثانية والثالثة كالآتى تقريباً: «تنفيذ قرار المجلس المركزى الفلسطينى، بوقف التنسيق الأمنى وتكريس كل الجهود للانخراط فى الانتفاضة، ورسم استراتيجية إلى الثوابت والحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى وإبطال اتفاقيات التسوية التصفوية. ودعوة القوى الفلسطينية إلى احتضان الانتفاضة والإسناد الشامل لها. مع التصدى لكل محاولات الالتفاف عليها واحتوائها والحفاظ على استمرارها حتى تحرير الأرض والإنسان. وهنا أرى أن المؤتمر لم يضع فى اعتباره إيجاد البديل لا للمقاومة، ولكن البديل لتحقيق الأمن الفلسطينى فى وقت ينقص قوات الأمن الفلسطينى عناصر مهمة سواء فى المعلومات أو فى الوسائل والتكنولوجيا التى تتيسر لدى القوات الإسرائيلية. ومرة أخرى أتصور قبل إصدار التوصية أن يقرر المؤتمر توفير الوسائل اللازمة لتعويض ما يتوفر للسلطة الفلسطينية من معلومات ووسائل، وبذا تستطيع السلطة الفلسطينية الاعتماد على وسائلها وقواتها وبالتالى الاستغناء عن التنسيق مع العدو الإسرائيلى. أما الدعوة إلى إبطال التسويات والاتفاقات مع العدو الصهيونى فهى دعوة أتمنى أن نكون قادرين على تحقيقها فوراً حتى يمكن إلغاء المعاهدات والاتفاقات، لكن الواقع يقول بأن الدول العربية غير قادرة علىالتصدى للنتائج المتوقعة لتنفيذ هذه التوصية ومنعه من تحقيق أغراضه، وأعلم أن هناك من ينتقد هذا الطلب، لكنى أتساءل عن تقديراتنا لرد الفعل الإسرائيلى المتوقع لمثل هذا الإجراء. هناك من يصف هذه الدعوة بأنها « فزاعة الحرب» ويدعونا إلى تجاهل ردود الفعل هذه، وكأن هؤلاء قد اطلعوا على خطط العدو الإسرائيلى فى حال إلغاء المعاهدات وحصلوا على ضمانات من الولايات المتحدة بألا تتدخل، ولا تسألونى عن القانون الدولى، فأظن أن خلاصة تجاربنا السياسية والدبلوماسية تقول إن العلاقات الدولية كانت وأصبحت وغالباً ستظل لا يحكمها القانون الدولى وإنما قانون القوة.

كانت هذه أمثلة تسعى إلى ترشيد ما يصدر عن النخبة العربية وتطالبها دائماً بإيجاد البديل وبالاستعداد لمواجهة نتائجه.